أميركا والمعارضة السوريّة…
عهد الهندي
لا بد من أن زيارة رئيس الائتلاف السوري السابق معاذ الخطيب أميركا، واللقاءات التي حظي بها هناك، مع شخصيات مهمة، كوزير الخارجية جون كيري، ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس، وسفير أميركا في الأمم المتحدة سامانثا باوور، إضافة إلى عدد مهم من قادة الكونغرس، توحي للوهلة الأولى ببداية صفحة جديدة من العلاقات بين إدارة أوباما والمعارضة السورية، ومن خلال الخطيب وحده.
فتلك الزيارة كانت شهدت قبل حدوثها محاولات حثيثة من جانب الائتلاف السوري للتنسيق مع أميركا في شأن الزيارة، إلا أن الخارجية الأميركية، والبيت الأبيض من ورائها، ضربا بعرض الحائط تلك المحاولات، وقابلت الخارجية الخطيب وحده وبلقاءات عالية المستوى.
لماذا الخطيب، الداعية السوري الذي يحظى بشعبية عالية ضمن صفوف تلاميذه، بخاصة الدمشقيين منهم؟
لا شك في أن تلك الشعبية تشكل جزءاً مهماً من الجواب، لكنه ليس الأهم. فالخطيب يناسب عموماً التوجه الذي أعلنت عنه الإدارة الأميركية أخيراً، في تصريحات جون كيري الأخيرة، والتي دعا فيها إلى الحوار مع الأسد، كما أن التقارب الأميركي – الإيراني يصب في الخط نفسه الذي يتخذه الخطيب، والداعي إلى الحوار مع النظام وإيران بغية إيجاد حل في سورية.
وسورية تشهد حالياً الكثير من المعارك المحتدمة بين النظام والمعارضة، حيث تتصدر الجبهة الجنوبية قائمة الجبهات الأكثر اشتعالاً، يليها بعض مناطق حلب، بينما بقية الجبهات تعيش هدوءاً نسبياً، أو صراعات داخلية، أو حالة راهنة تستكين إليها.
وعلى رغم كل هذه التقاربات والتقاطعات بين الخطيب وأميركا، فإن من الخطأ الاعتقاد بقدوم حل أميركي قريب من خلال الخطيب الذي ينحصر تأثيره «الروحي» في النهاية على بعض مناطق ريف دمشق، فيما ترزح المناطق والجبهات السورية المشتعلة الأخرى لسيطرة قوى وتنظيمات لا يبدو أن لها فرصة أو مكاناً في التوجه المستقبلي الأميركي في شأن الحل في سورية.
يسري هذا على تنظيم الدولة، صاحب الحصة الأكبر جغرافياً، إلى جبهة النصرة، فأحرار الشام، مروراً ببعض التنظيمات المناطقية كالجبهة الشامية في حلب، وجيش الإسلام ولواء الرحمن في ريف دمشق. وإن كانت وحدات الحماية الشعبية الكردية في منطقة الحسكة، فتتميز عن سابقاتها بامتلاكها المؤهلات المطلوبة، للحصول على الثقة الأميركية بالتسليح أو التدريب الحقيقي، فإن العلاقة الأميركية التركية المتوترة حالياً، تقف حائلاً أمامها.
ومن جانب آخر، فزيارة الخطيب الأخيرة، تشي ببوادر تشكل ديبلوماسية أميركية جديدة، ستؤدي في الشهور المقبلة إلى عقد لقاءات عدة وفي شكل منفرد مع شخصيات محلية كمعاذ الخطيب، بعد الإصرار الأميركي السابق، ولفترات طويلة، على عدم تفضيل أي طرف سياسي من المعارضة على الآخر، وعلى أن يتم كل شيء من طريق الائتلاف.
من هنا، بات لزاماً على من تبقّى من أفراد المعارضة السورية، بخاصة تلك التي لا تحمل أيديولوجيات دينيةً متطرفة، أن تستمر في العمل ومحاولة العودة إلى ركب الفاعلية السياسية، بالتنسيق مع الدول التي تناهض الخط الحالي في الإدارة الأميركية، المنفتح على إيران، وأن تحاول فتح قنوات بديلة مع المرشحين القادمين للانتخابات الرئاسية في أميركا، على اختلاف توجهاتهم، بخاصة أن الحملات الانتخابية الأميركية بدأت، وأن السياسة الخارجية ستكون الملف الأقوى في مناظرات المرشحين سواء لانتخابات 2016 الرئاسية، أو الانتخابات الحزبية، أو بالانتخابات التمهيدية لغربلة المرشحين.
فاليوم، نجد كثراً من القادة الأميركيين، بمن فيهم الديموقراطيون، يعتقدون أن سياسة الإدارة الحالية كانت من أهم العوامل التي ساهمت في تقوية «داعش» في المنطقة، وهي التي دخلت مطبخ القضايا الساخنة في أميركا بسبب وجود مقاتلين من حملة الجنسية الأميركية في صفوفها، الأمر الذي يشكل مع الزمن خطراً كبيراً على الأمن القومي الأميركي الذي يهم كل مواطن أميركي أياً كانت توجهاته.
بهذا المعنى، تصبح الجهود المطلوبة من أفراد المعارضة، لمدّ جسور علاقات مع المرشحين، معبراً مهماً لعودة القضية السورية إلى الساحة الإعلامية والسياسية في أميركا، مع محاولة الاستفادة من بلاييين الدولارات التي ينفقها المرشحون على حملاتهم الانتخابية من أجل طرح القضية السورية، وسبل حل لها بمنظورات سياسية مختلفة عن سياسة أوباما.
إلا أن أياً من فصائل المعارضة السياسية الحالية، لا يبدو مؤهلاً بالمعنى السياسي والمعرفي لاتخاذ خطوة كهذه، نتيجة الافتقار إلى فرق عمل سياسية ذات خبرة، وفقدان عقلية الانفتاح المطلوبة في هذه المرحلة. والدور هنا يقع على عاتق الدول العربية وحلفائها في المعارضة، لتهيئة قادة يعملون على تأسيس بنى عمل حقيقية على الأرض، وبناء علاقات واسعة في أميركا.
فالوضع السوري اليوم لم يعد يحتمل معارضين من زمرة مسرح العرائس، التي يبدو الائتلاف مثلاً واضحاً عنها.
الحياة