أهلاً وسهلاً بدولة كردستان المستقلة… وماذا بعد؟
هوشنك أوسي
رفض رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني كل الضغوطات الأمريكيّة والأوروبيّة والتركيّة والإيرانيّة والأسديّة – السوريّة…، الهادفة إلى تأجيل الاستفتاء على استقلال كردستان المزمع إجراءه في 26 من أيلول المقبل، لا يمكن اعتباره “مغامرة غير محسوبة العقواب” كما يحلو للبعض تفسير هذا الرفض. فحين قال بارزاني لوزير الدفاع الأمريكي ماتيس أنه “لن يؤجّل الاستفتاء دقيقة واحدة”، هذه الإجابة لوزير دفاع دولة عظمى، كررها بارزاني أمام وزيري الخارجية والدفاع الفرنسيين؛ جان ايف لودريان وفلورانس بارلي والوفد المرافق لهما الذي زار كردستان يوم 26/8/2017، هذه الإجابة الكرديّة والبارزانيّة، هي في الأصل ردٌّ على دول الجوار أيضاً.
سابقاً كان الكرد يجوبون أقطار الأرض بهدف إقناع العالم والدول العظمى والهامشيّة بشرعيّة قضيّتهم وعدالتها، وطلب التأييد والمساندة للحقوق والمطالب الكرديّة. والآن، مسؤولو رفيعي المستوى لدول كبرى تزور كردستان العراق لإقناع الكرد بضرورة تأجيل الاستفتاء، وليس إلغاؤه. وهذا التغيير، يعكس مدى الحضور الاستراتيجي الوازن الذي حققه الكرد، قبل أن يصبحوا دولة مستقلة، فكيف سيكون حالهم إذا أضافوا للأسرة الدوليّة كياناً مستقلاً وناجحاً اقتصاديّاً وسياسيّاً وإداريّاً وعلميّاً؟.
رويداً، تفقد حملات التهويل والتخويف من تبعات قيام الدولة الكردية على المنطقة مفاعيلها ومصاديقها. فعدا عن تراجع لهجة التهديد والوعيد التركيّة المبطّنة والمعلنة، هنالك نفس آخر بدأ يظهر في الأوساط التركيّة المقرّبة من الحكومة، يرتكز على الإشارة إلى المكاسب التي سيجنيها الأتراك من دولة كرديّة حليفة لهم. بخاصة أن الأتراك، وبعد تضعضع الأحوال مع أوروبا، واحتمالات ان تسوء العلاقة أكثر بين بروكسل-برلين-باريس…، وأنقرة، صارت الأخيرة تبحث عن مصادر دعم اقتصادي، وسوق لتصريف المنتجات التركيّة. ولن تجد مكاناً أكثر خصوبة من دولة كردستان الخارجة من عقود من الحرب إلى فضاء العمار والتنمية. وإذا كان حجم التبادل التجاري بين أنقرة وهولير (أربيل) 11 مليار دولار سنويّاً، بكل تأكيد سيتضاعف هذا الرقم حين تصبح كردستان دولة مستقلة.
عدا عن ذلك، هنالك مشاكل داخليّة كبيرة تتهدد تركيا، أقلها شأناً المشكلة الكرديّة، وجماعة فتح الله غولن، والخلافات السياسيّة داخل الحزب الحاكم، وبين العدالة والتنمية والاحزاب الأخرى، كل ذلك سيجعل تركيا تفكّر ألف مرّة قبل ممارسة أي فعل عدائي ومباشر لقيام الدولة الكرديّة. وبالتالي، تعويل بعض الفاشيين الرافضين لقيام الدولة الكرديّة على الممانعة التركيّة، على وشك أن يصبح في حكم “فعل كان”.
وإن كان هنالك ممانع حقيقي، يمكن الحذر والتحوّط منه حتى أكثر من الحكومة التركيّة نفسها، هو حزب العمال الكردستاني (التركي)، الذي كان وما زال ينظر إلى تحوّل إقليم كردستان إلى دولة مستقلة، نظر العداء السياسي والآيديولوجي. ذلك أن العمال الكردستاني، له سوابق كثيرة في مهاجمة الإقليم الكردي العراقي وشيطنة قيادته. وبعد اعتقال أوجلان سنة 1999، اتجه الاخير إلى شيطنة الفكر القومي والمشروع القومي والدولة القوميّة، وصار يدعو لأفكار خرافيّة طوباويّة هيجنة، من حيث الشكل؛ حداثويّة وطنيّة، ومن حيث الجوهر؛ صهر الهويّة القوميّة للأمّة الكرديّة في بوتقة هويّة اجتماعيّة – سياسيّة مختلقة سمّاها أوجلان: “الأمّة الديمقراطيّة”!. وعليه، ثمة جهات عدّة، منها العمال الكردستاني والمتبقّي من “الاتحاد الوطني الكردستاني” بزعامة جلال طالباني، ترفض بشكل قاطع أن يسجّل إنجاز استقلال كردستان باسم مسعود بارزاني، على أن الاستقلال سيجعل منه جورج واشنطن الأكراد، أو بيسمارك الأكراد، على حساب تراجع دور ووزن وأهميّة جلال طالباني وعبدالله أوجلان.
من جهة ثانية، يخشى العمال الكردستاني من تشكل دولة كرديّة تكون على علاقة قويّة مع تركيا، وربما يؤدي ذلك إلى إيجاد حلّ للقضيّة الكرديّة في تركيا في معزل عن العمال الكردستاني. وهذا ما يعتبره تهميشاً له.
في سياق تعويل الرافضين على الممانعات، تارةً التركيّة، وتارةً الإيرانيّة، كذلك طهران، ستفكّر ألف مرّة، قبل أن تقدم على أي عمل عدائي ضد دولة كردستان المستقلة. ذلك أنها أصلاً متورّطة في جبهات قتال مفتوحة في اليمن، سوريا، لبنان، العراق…، وسيكون هنالك ضرائب باهظة لأية جبهة إيرانيّة مفتوحة على كردستان العراق. ليس لأن المجتمع الدولي لن يقف مكتوف الايدي إزاء ذلك وحسب، بل أن القنبلة الكرديّة في إيران ستنفجر. وإذا كان لطهران قاسم سليماني واحد، يصول ويجول في سوريا، لبنان، اليمن، البحرين، العراق، دون رادع، فسيكون للكرد ألف قاسم سليماني يصولون ويجولون في في إيران من أدناها لأقصاها. والقيادة الإيرانيّة تعي وتدرك مخاطر أي عمل عدائي ضد دولة كردستان المرتقبة. وسقف ما يمكن ان تفعله إيران، أن تحرّك بعض حجارتها الطائفيّة في العراق. ولن يثمر ذلك ايضاً، عن شيء.
بالعودة إلى مطالبات تأجيل الاستفتاء، سبق وأن جرّب كرد العراق وعود الشركاء العراقيين؛ شيعة وسنّة، في ما يتعلّق بمحافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها في المادة 140 من الدستور العراقي. إذ كان من المفترض ان يتم الانتهاء من هذه المادة سنة 2007. ولكن الحكومات المركزيّة المتعاقبة: علاوي، الجعفري، المالكي، عبادي…، الكل انتهج المماطلة والتسويف والتأجيل، لحين صار يقول هؤلاء: ان المادة 140 اصبحت غير شرعيّة، لأنها فقدت صلاحيّتها، بفقدان المدّة الزمنيّة التي كان ينبغي ان تطبّق فيها. وبالتالي، تم تعطيل المادة 140 عبر التأجيل والحؤول دون إجراء الاستفتاء في المناطق المتنازع عليها.
سابقاً، كان يثار ويساق أن الكرد يريدون الحصول على كركوك بهدف الانفصال عن العراق وإعلان الاستقلال. كل ذلك رغم ان الكرد سيطروا على كل كركوك، غداة سقوط نظام صدام. ولكنهم أرادوا حل هذه المشكلة بالطرق القانونيّة والتوافقيّة. فلم يحصدوا سوى الخيبة والخذلان من الشركاء العراقيين. مقصد القول: كردستان تسير نحو الاستقلال، بكركوك او بدون كركوك. ذلك أن هنالك حقول نفط وغاز أخرى تم اكتشافها في كردستان. إلى جانب أرضية خصبة لنمو اقتصادي كردي مستقل. كردستان تسير نحو الاستقلال. ومن مصلحة العراق والدول العربية بخاصة، الترحيب بهذه الدولة. وكذلك على تركيا وإيران الترحيب بهذه الدولة الجارة. وإذا كانت هذه الدولة فاشلة، فسيزول سحر الدولة الكردية لدى الكرد، وسيكون ذلك سنداً ودليلاً قويّاً بيد هذه البلدان بهدف إبطال مفاعيل الاستقلال الكردي. وإذا كانت دولة ناجحة، فستكون سنداً وعوناً لهذه البلدان بهدف حلّ القضيّة الكرديّة على أراضيها.