أوباما يعترف أن شبح الحرب بسوريا يطارده
يكيتي ميديا – Yekiti Media
حين وقف وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأربعاء الماضي، مندداً بشدة بالغارة الجوية التي استهدفت قافلة المساعدات الإنسانية التي كانت متجهة إلى مدينة حلب السورية، كان الرئيس باراك أوباما جالساً بفندقه في منهاتن استعداداً لجولة من اللقاءات الدبلوماسية مع ممثلي دول من إفريقيا، وإسرائيل، وكولومبيا، ولكن ليس سوريا.
يتسق هذا مع السياسة التي انتهجها الرئيس الأميركي في النأي بنفسه عن الصراع في سوريا على الساحة العالمية في الأسابيع الأخيرة. ففي اجتماع قمة مجموعة العشرين، الذي عُقد في الصين الشهر الجاري، تعمَّد تجنب التفاوض على وقف إطلاق النار مع الرئيس الروسي بوتين، وترك زمام المبادرات الدبلوماسية للسيد جون كيري ونظيره الروسي. كما أن أوباما بالكاد أشار إلى سوريا في خطاب توديعه للجمعية العامة للأمم المتحدة.
يؤكد مسؤولو البيت الأبيض أن ابتعاد أوباما عن ملف سوريا لا يعكس مطلقاً عدم اهتمامه بالشأن السوري. بل على العكس، يتوق أوباما إلى أن تتوصل مفاوضات كيري مع روسيا إلى اتفاق قابل للتنفيذ من شأنه أن يوقف المجازر التي يشهدها المدنيون في حلب ومناطق أخرى في سوريا، حتى ولو كان ذلك بسبب غياب خطة بديلة لوقف المجزرة.
ومع دخول فترة رئاسة أوباما في أشهرها الأخيرة، أصبحت المفاوضات مع روسيا مجرد محاولات تذهب أدراج الرياح؛ فقد انتهت هذه المفاوضات بأوباما، الذي حاول أن يتجنب التورط العسكري في سوريا لفترة طويلة، إلى دعم سياسة يؤمن هو نفسه أنها محكوم عليها بالفشل.
خيبة أمل
لقد أعرب الرئيس أوباما عن “خيبة أمله إزاء الوضع في سوريا” كما قال إن الوضع في سوريا “يؤرقه باستمرار”، وجاء ذلك خلال اللقاء الصحفي الذي أجراه مع المؤرخة دوريس كيرنز غودوين، والذي نُشر الخميس الماضي في مجلة فانيتي فير.
واعترف الرئيس أوباما بشكل صريح قائلاً: “دائماً ما أعيد التفكير في كل قراراتي التي اتخذتها تجاه الملف السوري أكثر من أية قرارات أخرى اتخذتها طوال فترة رئاستي”. كما كرر الرئيس أوباما رفضه كافة الانتقادات التي كانت تشير إلى ضرورة تسليحه للمعارضة المعتدلة منذ بدء الصراع في سوريا، أو تنفيذ تهديداته باتخاذ إجراء عسكري ضد حكومة الرئيس بشار الأسد بعد ضربه للمدنيين بالغازات السامة في عام 2013. لكنه اعترف بفشل وسائله في حل الصراع الدائر في سوريا.
وقال الرئيس لغودوين: “أسأل نفسي دائماً، هل تركنا حلولاً لم نفكر بها تجاه الوضع في سوريا؟ هل كان يجب عليَّ أن أتخذ قرارات مثل التي اتخذها تشرشل أو التي اشتهر بها أيزنهاور؟”.
ورغم تأييد الرئيس أوباما للطرق الدبلوماسية التي يتبناها السيد كيري -رغم معارضة البنتاغون– إلا أنه لا يريد الانخراط بنفسه في هذه المفازضات.
اجتماع مجموعة العشرين
وكادت مفاوضات كيري مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، على هامش اجتماع مجموعة العشرين الذي أُقيم في مدينة هانغتشو بالصين يوم 4 سبتمبر/أيلول، أن تسفر عن اتفاق مُصغر لوقف إطلاق النار، لكنهما اختلفا على ما وصفه المسؤولون بـ”التفاصيل الصغيرة”.
واشتبه مسؤولون أميركيون في مماطلة الروس في توقيع الاتفاق لرغبتهم في أن يُوقَّع في اليوم التالي حين يجتمع أوباما وبوتين.
وقال أوباما بعد الاجتماع الذي امتد 90 دقيقة: “لن تُجدي المفاوضات الجارية بين الجانب الأميركي والروسي حال وجود ثغرات في الثقة المتبادلة بين الطرفين، ونحن لم ننجح في سد هذه الثغرات بطريقة سليمة.”
وأصدر الرئيس أوباما تعليماته إلى كيري بالاستمرار في محادثاته مع لافروف، وتوصل الاثنان بالفعل إلى اتفاق في جنيف بعد 5 أيام. وقال مساعدو الرئيس أوباما إنَّه “لا يريد إعطاء الرئيس بوتين أية فرصه للتصريح بأن بلاده تعمل يداً بيد مع الولايات المتحدة الأميركية في سوريا، خصوصاً وأنه لا يثق بالتزام الروس ببنود الاتفاق”.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إرنست: “لم يكن الرئيس الأميركي ينوي تحقيق ما يطمح إليه الروس –وهو استعراض رمزي لتعاون الولايات المتحدة– إلا بعد أن يبادر الروس بالموافقة على تنفيذ الاتفاق”. وأضاف: “هذا هو سبب وصول الاتفاق إلى ما هو عليه الآن؛ فإن الشك يساورنا بشأن التزام الروس ببنود الاتفاق”.
وأضاف أيضاً أن “الرئيس لا يريد أن تُلطخ مصداقية الولايات المتحدة بالتضليل الروسي، وأنه غير مُستعد للتضحية بمبادئنا تحت ستار المصلحة”.
ويبدو أن شكوك الرئيس أوباما كانت صحيحة، إذ تعرضت قافلة المساعدات الإنسانية للقصف من قِبل طائرة حربية يُعتقد أنها روسية. وجاء رد فعل المسؤولين في البيت الأبيض عنيفاً. وقال بنيامين رودس، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي: “السؤال هو هل نُحرز تقدماً ملموساً بشأن الأزمة السورية؟ وهل هناك فائدة من إجراء مزيد من المشاورات الدبلوماسية لتحديد ما إذا كان هناك أي تقدم ملموس على أرض الواقع؟”.
الطفل السوري عمران
ورغم أن الرئيس أوباما ترك مهمة التواصل مع لافروف مرة أخرى إلى كيري في اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلا إنه أشار إلى أن التجاوزات العسكرية في سوريا تُعد انتهاكاً للأعراف الإنسانية. وفي اجتماعه مع زعماء العالم بشأن أزمة اللاجئين، قرأ الرئيس أوباما رسالة من طفل أميركي يبلغ 6 سنوات من مدينة سكارسديل بنيويورك، يطلب فيها من الرئيس أوباما توفير منزل للطفل السوري عمران دنقيش البالغ من العمر 5 سنوات.
ويذكر أن عُمران صبي من حلب، قد التقطت له صورة شهيرة وهو في حالة ذهول والدماء تُغطي وجهه بعد إنقاذه من غارة جوية شنتها روسيا على مدينة حلب السورية.
وسجل البيت الأبيض قراءة الصبي لرسالته بصوت عالٍ، وانتشر الفيديو سريعاً على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتظهر معاناة الرئيس أوباما في حل الأزمة السورية عندما يحاول تلخيص إرثه في السياسة الخارجية. ذكر الرئيس أوباما في خطابه أمام الجمعية العامة، على سبيل المثال، مبادراته الدبلوماسية لكوبا وميانمار، وكذلك الاتفاق النووي الإيراني واتفاق المناخ في باريس الذي قال إنه يُجسد قوة التعاون العالمي.
ولكن عندما ذكر سوريا في حديثه، أشار إلى المُعوقات بدلاً من الحلول.
كما أشار إلى الخلافات الطائفية في سوريا قائلاً: “إذا كنا صادقين في فهم الموقف سنُدرك عدم قدرة أية قوة خارجية على إجبار الجماعات الدينية المختلفة أو الطوائف العرقية للتعايش لفترة طويلة. وأعتقد أننا يجب أن نكون صادقين في فهم طبيعة هذه الصراعات”.
ولم يُشر الرئيس أوباما بشكل مباشرة إلى إجراء مفاوضات مع الروس، واكتفى بقوله: “سوريا ليست المكان المناسب لتحقيق الانتصار العسكري. ونحن في طريقنا لمتابعة العمل الدبلوماسي الشاق الذي يهدف إلى وقف العنف، وإيصال المساعدات إلى المحتاجين”. وقال عدد من المسؤولين في الإدارة السابقة: “فهمنا الآن السبب الذي جعل أوباما ينأى بنفسه عن هذه القضية”.
وقال روبرت فورد، السفير الأميركي السابق في دمشق وهو الآن زميل في معهد الشرق الأوسط:” أشك بأن انخراط أوباما في الجانب الدبلوماسي قد يساعد كثيرا.” كما أضاف قائلاً “أوباما مثل كيري، فهما لا يملكان نفوذاً كبيراً على بوتين إلا إذا استخدم أوباما وسائل جديدة يضغط بها على تحالف الأسد وروسيا وإيران”.
وقال دنيس روس، المنسق السابق للسياسات الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي: “تعود أزمة أوباما تجاه الحرب في سوريا إلى الأيام الأولى من رد فعله بشأن الصراع الدائر هناك، حين نظر إليه باعتباره أزمة طائفية مماثلة للأزمة الدائرة في العراق. لكن بعدما دارت رحى الحرب في سوريا وتزايد مُكوِّن الجماعات الإسلامية في المعارضة السورية، ضاقت الخيارات أمام أوباما”.
وقال روس إن “الرئيس أوباما لا يريد قول أي شيء، لأنه يعلم أن ما سيُصرح به سيتعين عليه تنفيذه، وسيكون في موقف صعب عند فشله في تحقيق ما وعد به، الأمر الذي سيجعله ضعيفاً وغير مؤثر في قضية من شأنها أن تُلطِخ إرثه السياسي”.
هافينغتون بوست