أوكرانيا تزيد سوريا تعقيداً
روبرت فورد
تتضافر الصراعات في أوكرانيا وسوريا راهناً أكثر من أي وقت مضى. والحسابات في الكرملين والقصر الرئاسي التركي معقدة الآن بشكل خاص، إذ يجب على العاصمتين النظر في ثلاث زوايا مختلفة.
أولاً، يجب على مجلس الأمن الدولي التصويت في غضون شهر للموافقة على استمرار إيصال المساعدات الإنسانية من تركيا إلى إدلب والمناطق شمال حلب. وتقتضي المصلحة الوطنية التركية الحيوية ألا يحاول 3 ملايين مدني سوري في تلك المنطقة دخول تركيا. وكان نائب السفير الروسي في نيويورك قد حذر قبل أسبوعين من أن موسكو قد تستخدم حق النقض (الفيتو) ضد تمديد عملية المساعدات عبر الحدود، ما يهدد المدنيين. بيد أن مجموعة من الخبراء الروس الذين التقيت بهم في نهاية مايو (أيار) أقروا بأن مشاكل روسيا مع الحرب الأوكرانية ستدفعها إلى تجنب صراع جديد ومرير مع تركيا حول شمال غربي سوريا حالياً.
وقامت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، للتو، بزيارة إلى جنوب تركيا، ومن هناك لمحت لأنقرة إلى أن إدارة بايدن تدعم وقف إطلاق النار في سوريا. وتهدف واشنطن، بشكل خاص، إلى منع التصعيد في شمال سوريا، الذي من شأنه تحويل اهتمام مقاتلي ميليشيات «وحدات حماية الشعب» الكردية السورية من العمليات ضد «داعش» إلى القتال ضد القوات التركية وحلفائها في «الجيش الوطني السوري». والرد التركي على واشنطن بأن «وحدات حماية الشعب» تنتهك بالفعل وقف إطلاق النار في شمال سوريا، وتستخدم بلدتي تل رفعت ومنبج كنقطتي انطلاق للهجمات ضد تركيا وحلفائها.
من الناحية النظرية، أبرم إردوغان اتفاقاً مع روسيا سنة 2019 لنقل عناصر «وحدات حماية الشعب» من هاتين البلدتين، لكن الروس لم يلتزموا بتعهداتهم. ومع اندلاع الحرب الأوكرانية، غادرت القوات الروسية المنطقة، وتمركز «الحرس الثوري» الإيراني بالقرب من «وحدات حماية الشعب» (تذكروا أن الإيرانيين يتعاونون أيضاً مع «حزب العمال الكردستاني»، أي المنظمة الأم لـ«وحدات حماية الشعب» في سنجار بالعراق). والأتراك لا يريدون قوات «حزب العمال الكردستاني» أو القوات الإيرانية بالقرب من حدودهم الجنوبية.
ومن ثم، يعد إردوغان بالاستيلاء على تل رفعت ومنبج في غزو عسكري تركي رابع للأراضي السورية، وهو يحتاج إلى اتفاق روسي بعدم استخدام الطائرات الحربية الروسية ضد قواته. كما يأمل إردوغان في الحصول على طائرات حربية أميركية جديدة، وبالتالي، فهو يريد تجنب حدوث أزمة جديدة مع واشنطن. لذا، فإن توقيت عمليته العسكرية لا يزال محل نظر.
وتشتمل الحسابات النهائية على روسيا وتركيا والولايات المتحدة وحلف «الناتو». وعقب العدوان الروسي على أوكرانيا، ستُقدم السويد وفنلندا طلبيهما الرسميين للانضمام إلى «الناتو» في قمة الحلف التي ستعقد في مدريد في نهاية يونيو (حزيران) الجاري. وبسبب السياسة الداخلية ذات الصلة بالقضية الكردية، يتعهد إردوغان بعرقلة دخولهما الحلف، إذ تمتلك تركيا حق النقض لذلك. ويطالب إردوغان السويد وفنلندا برفع الحظر عن صادرات الأسلحة إلى تركيا الذي فرضته الدولتان إثر الغزو التركي لشمال شرقي سوريا سنة 2019، الذي أعاق ترسيخ أقدام «وحدات حماية الشعب» في شمال شرقي سوريا. وقد لمحت هلسنكي إلى أنها قد تقبل بحل وسط بشأن الحظر الفنلندي. ومع ذلك، فإن الغزو التركي الجديد لشمال سوريا سوف يُصعِّب على فنلندا والسويد تقديم تنازلات لإردوغان. وفي الأثناء ذاتها، يتعين على الرئيس التركي أن يدرك أن الرئيس الروسي يرحب بالتأخير في توسيع حلف «الناتو»، وأن توقيت الخطوات مهم للغاية.
وتؤثر الحرب السورية والتصرفات التركية على استقرار الحكومة السويدية في استوكهولم. وقد تسفر السياسات الداخلية في السويد عن اقتراع بطرح الثقة بوزير داخلية الحكومة. ويبدو أن مصير الوزير يعتمد على تصويت نائبة مستقلة من أصل كردي. وترفض هذه النائبة الضغوط التركية على السويد بسبب القضية الكردية، وتصر على تحسين استوكهولم علاقاتها مع «وحدات حماية الشعب». وقد وعد رئيس الوزراء السويدي بالاستقالة إذا ما أطاح البرلمان السويدي بوزير الداخلية. وسوف تضطر الحكومة السويدية لاستباق الانتخابات الجديدة التي ستجرى في أغسطس (آب). وهذا من شأنه تأخير انضمام السويد إلى حلف «الناتو». ولن تقوم السويد بطرد اللاجئين الأكراد وقطع جميع علاقاتها مع الجماعات السياسية الكردية إرضاء لإردوغان.
بالإضافة إلى ذلك، تشعر واشنطن بالقلق لأن تركيا تؤخر انضمام الدولتين الشماليتين إلى حلف «الناتو»، ومن غير المرجح أن تتخذ مبادرات لاسترضاء إردوغان.
وفي اجتماع عُقد الشهر الماضي مع مجموعة من الخبراء والساسة الأتراك البارزين، طرح بعض الساسة الغربيين تساؤلات عما إذا كان يتعين على حلف «الناتو» طرد تركيا من الحلف بُغية تبسيط قبول فنلندا والسويد. واعترض زملائي الأتراك بغضب.
فبالنسبة لهم، المشكلة هي أن حلف «الناتو» يتجاهل المخاوف الأمنية التركية. وسوف تتنامى الضغوط التي يمارسها حلف «الناتو» على أنقرة، وسيتعين على إردوغان، غير المسرور، قبول التسويات الصعبة. وفي النهاية، سوف تنضم السويد وفنلندا إلى حلف «الناتو». أما الحجج بشأن القضية الكردية والاستراتيجية المستقبلية في سوريا، فتضمن أن بوتين سيجد فرصاً جديدة لاستغلال الانقسامات داخل الحلف.
aawsat