أين القطب الديموقراطي السوري؟
عبد الرزاق حج محمد / كاتب سوري
لا زال غائباً و البحث عنه يشبه تماماً البحث عن حبة رملٍ في القطب المتجمد الشمالي..على الرغم من أنّ الديموقراطيين كثر إلا أنهم عديمو الجدوى لأنهم غثاء كغثاء السيل ..ليتهم كانوا فقط مبعثرين بل هم متنازعون و لربما وصل حالهم للعداء الكامل على الرغم من أنّ اللاديموقراطيين قد شكّلوا و بقوة حالة قطبية على الأرض السورية و بالفعل تمكّنوا من التأثير بل لعبوا بالأحداث خلال مراحل مهمة و مؤثرة على الأرض و في الواقع السياسي…
و الآن و قد اقترب العقد الثاني من عمر الثورة السورية على الانصرام لا تزال معضلة غياب القطب الديموقراطي تشكّل عقبة كبرى أمام بزوغ أمل في الحل الحقيقي للمعاناة . لذلك أصبح من الضروري دراسة الأسباب و النتائج الجدية لكل هذا…
قد يكون غير مقنع أن نقول بأننا غير متفقين على الديموقراطية نفسها سبباً…سيبدو ذلك مضحكاً لكنه الواقع فعلاً فلا تزال بعض الاتجاهات الديموقراطية تعطي الفكر الأيديولوجي الأولوية في الاستقطاب و التكتل، فترى كل قوم بما لديهم فرحون و هذا لا يتناسب مع البلاد التي تعصف بها الأزمات كسوريا على الرغم من أنها حالة صحية في البلاد المستقرة .فلو ألقينا نظرة على الخارطة الديموقراطية في سوريا لرأينا عشرات الحركات و الأحزاب و التيارات التي تدّعي الديموقراطية و لا يبدو أنّ فكرة التكتل تروق لهم بل لربما حصلت محاولات خجولة لرأب شتاتهم و لربما خرجوا منها أكثر شقاقاً..ألا يبدو هذا غريباً ..
الفردوية هي أحد أسباب ذلك الشقاق أيضاً فليس غريباً أن نجد بعض الاتجاهات الديموقراطية قد بنيت بالأصل على حالة من القدسية لشخص أو لعدة أشخاص كانوا منذ البداية و لازالوا قادة، و لذلك فإنّ أي حالة توحد أو تكتل ستضع الواقع الجديد أمام خيارين… الأول و هو القبول بتربع القادة المؤسسين على عرش التكتل الجديد و هذا من وجهة نظرهم يصبّ في مصلحة الوطن و الا فليذهب التكتل و الوطن للجحيم .
الثاني.و هو بالعادة ما يتمّ فعلاً و هو النأي بالنفس مؤقتاً مع قليل من توجيه رسائل الانتقاد و التخوين للآخرين ،لعلهم يعودون إلى رشدهم يوماً و يقبلون بأنّ يكونوا عباداً ديموقراطيين صالحين للقادة الخالدين.
ربما تذكّرنا هذه الحالة ببعض من تمرّدنا على شموليتهم يوماً و هذا ما يثير الضحك و القشعريرة معاً….
من الغريب أيضاً أن ترى حالة الاشتراط غير المعقولة بيننا كديموقراطيين و هي ربما تعود إلى تبعثر حالة التحالف مع معسكرات الدول المتداخلة في سوريا.ألا يثير الاستغراب أن يشترط البعض بأنّ تواجده مشروط بإبعاد البعض الآخر.بالفعل أنه غريب و لكنه متوافر و بكثرة و لعل هذا أيضاً يجعلنا نفكّر جدياً بأنّ وحدة التحالف هو أيضاً شرط مهم لوحدة ديموقراطيي سوريا، و هذا يحتاج لمعجزة و جرأة كبيرة…
كل تلك الأسباب و لربما غيرها أيضًا جعلتنا نعمى عن النتائج الكارثية التي ستودّي بالوطن و بنا و بالديموقراطية إلى هاوية لا قرار لها، لأنها تعمي أبصارنا عن حقيقة كبيرة واضحة للقاصي و الداني و هي أنّ مشروعاً كبيراً يتمّ إنجازه لبلدنا في أروقة القرار الدولي و لا بدّ أنّ هذا المشروع بحاجة للشريك الوطني القوي و الموحد القادر على إدارة الدفة من الداخل .و بوجود حالة التشرذم الديموقراطي تلك فلن تكون أبداً من المنافسين لغيرنا و ستبقى الحلبة الديموقراطية فارغة بينما سينحصر التنافس بين الاسلاميين من جهة و النظام من جهة أخرى بل لربما ذهب الموضوع أكثر من ذلك و حصلت حالة تشاركية بينهما و هذا وارد جداً بوجود دول تدعم هذا الطرح بقوة و تدفع بالعالم نحو الاقتناع به و بالضرورة هذا يعني ضياع التضحيات و الأحلام و من ثم البلد كلها…
إذاً نحن بحاجة إلى التضحية بنزواتنا الأيديولوجية و الفردوية و بتحالفاتنا الخاطئة لترميم جبهتنا الديموقراطية الكفيلة بوضع البلد في الطريق الصحيح و ضبط بوصلتها من جديد، و إلا فيجب علينا أن نقرّ و بشجاعة أننا لسنا ديموقراطيين، بل هو لقب ادّعيناه و لا تستحقه ،و بأننا أحد أسباب ذهاب البلد و بسرعةٍ و سهولةٍ إلى ديكتاتورية جديدة، بوجهٍ لسنا متأكّدين منه بعد سواءً كان إسلامي أو قومي..و لا أدري بعدها هل سنمتلك شجاعة الاعتراف بأننا كنا سبباً في ذلك أم سنبقى حاملين اللقب و سننادي من جديد بالثورة.
إلا أنّ الحقيقة الجلية ساعتها أنّ فرصة تاريخية سانحة و كبيرة قد ضاعت إلى الابد.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “326”