
إبراهيم الجبين: تصورنا المستقبلي لسوريا هو إنشاء أقاليم اتحادية تحترم حقوق الجميع
Yekiti Media
ثماني سنوات وسوريا هي المادة الأولى لمعظم وسائل الإعلام الدولية والعربية والمحلية لِما تشهده من أحداث ومعارك على خلفية ثورة دعت إلى التغيير بمفهومه الحقيقي, على عكس ما فسّرته وسخّرته معظم الدول الكبرى والإقليمية لتتمخّض عنه مجازر وويلات لم تشهدها المعمورة منذ عقود.
خريف 2019 والذي يُعدُّ الاسخن منذ ربيع 2011 والذي يعجُّ بملفات كثيرة احتلت مقدمة مانشيتات وسائل الإعلام, المتضمّنة “المنطقة الآمنة، اللجنة الدستورية، تهديدات الاجتياح التركية، مناطق خفض التصعيد وصولاً إلى مبادرة “إعلان سوريا الاتحادية “” لذا كان من الضروري ليكيتي ميديا مناقشتها مع شخصية أكاديمية من الوسط العربي وهو الأستاذ إبراهيم الجبين رئيس مكتب التنسيق وأمانة سر إعلان سوريا الاتحادية لتغني بذلك الآراء المطروحة لجمهور ومتابعي يكيتي ميديا بعد أن استطلعت آراء كُردية بخصوص الملفات ذاتها قبل الآن.
– بداية اسمح لنا باسم موقعنا يكيتي ميديا وقرائها أن نرحّب بكم كشخصية وطنية وأدبية ولكم باعٌ طويلٌ في الإعلام أيضاً، استاذنا نتمنّى لو تفضّلتم أن تعرّفنا وبتجرّد من اي لقب على ابراهيم الجبين.
– شكراً لكم ولموقع يكيتي ميديا، ضيفكم سوري عربي ولِد في حيّ قدور بك في القامشلي، وعاش في دمشق وأماكن عديدة في العالم. كاتب وصحفي. وقد صدرت لي عدة كتب في الشعر والرواية والتاريخ السياسي واللغة. وعملت على كتابة العديد من الأفلام الوثائقية وإعداد وتقديم البرامج الحوارية السياسية التلفزيونية.
– كلنا يعرف مخاض ومآلات الأزمة السورية والحالة الكارثية التي وصلت إليها البلاد، ماهي الآفاق العسكرية المتوقّعة في المرحلة القادمة خاصةً بعد لقاء أنقرة الثلاثي مؤخّرًا ؟
– لقاء أنقرة السابق تبعه إعلان الأمم المتحدة عن تشكيل اللجنة الدستورية أخيراً بعد عامين من المفاوضات، والتي يُفترض أن يعمل النظام والمعارضة والمبعوث الدولي من خلالها على التوصّل إلى دستور مستقبلي لسوريا. ويقول كثير من الخبراء الدستوريين إنّ مجرّد توقيع نظام الأسد على انطلاق اللجنة الدستورية إنما يعني وفقاً للقانون الدولي أنّ النظام بأسره تحوّل إلى حكومة تصريف أعمال إلى أن يتمّ الاتفاق على الدستور الجديد. ومن خلال خبرتنا في الأساليب الملتوية التي يتبعها النظام فإنّ هذا لن يعني له شيئاً. وهو سيحاول كسب المزيد من الوقت من خلال المشاركة في حوارات اللجنة الدستورية. وفي تلك الأثناء سيحاول مع حلفائه الروس والإيرانيين إعادة احتلال المناطق السورية الخارجة عن سيطرته. لكن قناعتنا أنّ اللجنة الدستورية هي مفتاح لعودة التفكير السياسي بين أوساط السوريين. ذلك التفكير الذي اضمحلّ تماماً بسبب هيمنة الخطاب الجهادي وإشاعة روح الهزيمة واليأس في مرحلة ما بعد سقوط حلب وصولاً إلى سقوط خان شيخون مروراً بدرعا وغوطة دمشق.
– في متابعة الحلّ السياسي وبالرغم من أنّ دور الأمم المتحدة لايزال يظهر بين الفينة والأخرى ، إلا أنّ أكثر ما يطفو هو لقاءات ما تسمّى بالدول الضامنة الثلاثة روسيا وتركيا وإيران! ألا تلاحظون أستاذنا بأنه مع كلّ مؤتمر يليه انحسار عسكري لصالح النظام وداعميه ؟
– نعم هذا طبيعي مع الأسف، في غياب الفكر السياسي المبادر الذي يحاول إخراج الذهنيات من حالة انسداد الأفق التي أدخلها فيها كثيرون عملوا على منع غيرهم من المساهمة في الحلّ السوري، واحتكروا التمثيل بذرائع لا أول لها ولا آخر. ولكن ما الذي نتج عن ذلك؟ عادوا ووجدوا أنفسهم وقد حوصروا من قبل القوة الغاشمة التي يجابههم بها الأسد وحلفاؤه من جهةٍ، والتراخي والعجز وقلة الحيلة التي أبداها حلفاؤهم من جهةٍ ثانيةٍ.
مَنْ يتصوّر أنّ الثورة السورية التي بدأت سلمية يمكن أن تنتصر على كلّ تلك الجيوش؟ أبسط العقول العلمية يرفض هذا المنطق. ما الذي سيتبقّى إذاً ما دام الانتصار مستحيلاً؟ إمّا المقاومة حتى الفناء، أو المقاومة والتفكير خارج الصندوق. سيستمرّ الانحسار جتى مع إعلان الرئيس الروسي بوتين عن انتهاء العمليات الحربية في سوريا وبدء الحلّ السياسي. ولكنه سيتواصل بفضل الحلول العقيمة التي تقدّمها بعض جهات المعارضة، وحين تطرح عليها السؤال ماذا عن أربعة ملايين مدني في الشمال السوري مهدّدين بالاجتياح والعودة تحت قبضة الأسد؟ سيقولون لك “لهم الله”. لا اعتراض. لكن ماذا يعني هذا؟ كيف ستحمونهم أنتم؟ وما هو دوركم؟ لن تجد أي جواب. إذاً هو مشروع هزيمة متكامل الأركان يجب أن يرفضه الشعب السوري جذرياً.
– المنطقة الآمنة “ممر السلام” ومع تعدّد المسمّيات، ومع دخول المنطقة حيّز التطبيق العملي، ماذا تتوقّعون لهذه المنطقة سيّما أنها تترافق بلا شك مع تخوّفات حقيقية في الوسط الكُردي إن لم تكن متوافقة بغطاء أممي من جهة ودعم أيضاً بقوات من أبناء المنطقة، بيشمركة روج مثلاً، خاصةً أنموذج عفرين والجرائم اليومية التي تُرتكب فيها؟ ماذا تقول في هواجسنا هذه؟
– وقعت جرائم في عفرين هذا صحيح. وهو أمر مرفوض كلياً. ولا ينكره إنسان منصف يملك قيماً متحضرة. ولكن لا يمكن تعميم تلك الحوادث الفوضوية التي تحدث على كافة مظاهر المنطقة. الأمر ذاته نراه في منطقة الإدارة الذاتية حيث نرى يومياً توثيقاً بالصوت والصورة والفيديو لقوات سوريا الديمقراطية وهي تعتقل المواطنين وتعذّبهم وتهينهم ويتبوّل عناصرها على النساء ويجلّدون الشباب ويمارسون كافة أشكال الجريمة. لكن هل يصحّّ تعميم هذا على كلّ العناصر أو القيادات؟.
حول شرق الفرات لا أعتقد أنّ تركيا قادرة وحدها على فرض أي حل في تلك المنطقة. هناك مشكلة تركية تركية، تتصل بعلاقة تركيا مع حزب العمال الكُردستاني داخل الحدود التركية. ما ينعكس على علاقة تركيا وحتى المعارضة السورية مع الإدارة الذاتية في الشمال. وتطالب القوى السياسية الكُردية السورية ومعها جميع أطياف المعارضة السورية الإدارة الذاتية بفكّ ارتباطها مع حزب البي كي كي من جهةٍ ومع نظام الأسد من جهةٍ أخرى. من خلال هذه الرؤية يمكن أن يقف الجميع لمنع أي اجتياحٍ تركيٍ قد يتسبّب بتصعيد العنف شرقي الفرات.
يمكن للسوريين ضبط أمن المنطقة الشمالية ومحاربة الإرهاب المتبقّي فيها، سواءً في شرق الفرات أو غربه أو حتى إدلب. ولكن هذا يجب أن يقوم على توافق سوري سوري لا وجود للأسد فيه ولا لأحزاب أوحركات غير سورية.
– هناك مبادرة بمسمّى “إعلان سوريا الإتحادية” تضمّ نخبة سورية متميزة ومن كلّ شرائح ومكوّنات سوريا وما يتسرّب من المعلومات بأنهم قطعوا شوطاً متقدّماً في بلورة تصوّر أو وثيقة تؤسّس للجمهورية الثانية كما يحلو لهم قولها، وغالبية المتابعين يعلمون بدوركم وجهودكم المميّزة في هذه المبادرة، وكُردياً يهمّنا جداً أن نتعرّف عليها أكثر من خلال شخصكم.
– إعلان سوريا الاتحادية مشروع فكري مستقبلي يسعى للتحوّل إلى جبهة فكرية للتأثير في الوعي والحدث السياسي. وقد قامت بوضعه بالتشارك مع لجنة صياغة تضمّ شخصيات فكرية وسياسية وقانونية سورية من أطياف ومكوّنات سورية عديدة. مثل السيدات والسادة أحمد البرقاوي، اللواء محمد الفارس، د. سميرة مبيض، د. رضوان باديني، د. ممتاز الشيخ، د. أسامة القاضي، مرح البقاعي، محمد علي إبراهيم باشا، وليد عبد القادر، درويش خليفة، حافظ قرقوط وبهاء الدين نجيب. وكان دوري في تلك اللجنة منسِّقاً لها، بعد أن كتبتُ نصّ مسوّدة المبادرة الأولى وقامت لجنة الصياغة بخبراتها بتطويره إلى الشكل المتداول إعلامياً.
ويندرج تحت إعلان سوريا الاتحادية العديد من المبادئ الوطنية التي توافقت ووقّعت عليها شخصيات سورية قديرة قامت بانتخاب أمانة عامة لها ومكاتب متخصّصة ولجنة تنفيذية وأمناء يقودون تلك المكاتب. وسيبقى المشروع يتطوّر ويتبلوّر طالما الحاجة تقتضي وجوده.
– مع حجم التراكم الذي أسّس له الاستبداد ويد نظامه العميق، و جميعنا يدرك حجم المصاعب وانتم تصرّحون بأنكم تنوون طرح مشروع إعادة تأسيس دولة تشاركية من جديد، هذه الدولة التي يقال بأنها ستتشكّل من عدة أقاليم ترتبط بالعاصمة المركزية دمشق سؤالنا هنا ماذا عن الخصوصيات القومية (الكُردية مثلا) في إقليمهم؟-
إعلان سوريا الاتحادية يضع تصوّراً مستقبلياً لسوريا المكونة من أقاليم تحترم حقوق وثقافات مكوناتها، بتوزيع إداري داخل الدولة الواحدة. وحكومات وبرلمانات محلية في الأقاليم ثم حكومة اتحادية وبرلمان اتحادي في العاصمة المركزية دمشق.
ونحن نرفض الخطاب الاتّهامي الذي عاملتْ به المعارضة السورية الإخوة الكُرد السوريين، ولا نقبل استمرار العلاقة معهم بهذه الصورة التي سادت في الماضي وخلال السنوات التسع الماضية، معنا في إعلان سوريا الاتحادية تيارات سياسية وشخصيات قيادية كُردية سورية وطنية اختارت أن تقول “نريد سوريا وطناً نهائياً لكُرد سوريا” وهذا يكفي. ونحن لا نتّفق معهم على حقوق الكُرد القومية وحسب, بل على أن يساهموا في نضالنا من أجل حقوق العرب والسريان وبقية المكونات السورية على امتداد الخارطة السورية. ولا نعتقد أنّ الإخوة الكُرد لديهم أية مشكلة مع هذا التصوّر، لأنه يحقّق لهم كافة معاني تجسيد هويتهم القومية ثقافياً وتربوياً واقتصادياً ومجتمعياً. وحين يكون هناك برلمانات محلية في الإقليم سيتمكّن الكُرد من تمثيل أنفسهم بشكلٍ عادلٍ في برلمان إقليمهم وحكومته وتالياً في البرلمان الاتحادي العام والحكومة الاتحادية وسيكون منهم بشكلٍ طبيعيٍ دون أن يكون منحةً من أحد ولا عطيةً ولا هبة الحق بالتعبير الثقافي كاملاً عبر لغتهم وعبر وزرائهم ومدارسهم وجامعاتهم وسواها. والأمر ذاته ينطبق علي بقية المكونات السورية. دون استثناء ولا تمييز قومي أو مذهبي. ونؤمن أنّ إدخال المكونات السورية في آلية ديمقراطية اتحادية سيؤدّي حتماً إلى ظهور علاقات جديدة رفيعة ما بين تلك المكونات.
غالبية منتقدي المشروع عكسوا جهلاً في إدراك المفاهيم، ونستغرب كيف يفهمون أنّ دولة اتحادية مثل ألمانيا أو الولايات المتحدة معرّضة للتقسيم؟ ولماذا يكون لدينا هذه الظنون السيئة بمواطنينا الكُرد أو غيرهم. والواقع أنّ جميع النخب العربية لم تتمكّن حتى اليوم من إنتاج دولة حديثة بعد زوال الاستعمار ولو أنّ هذا حدث حقاً لما تولّت الجيوش زمام السلطة بالانقلابات، وما زالت حتى اليوم تفعل هذا في غير بلد عربي. إذاً نحن أمام فشل في شكل الدولة العربية، وهذا هو الدافع الأساسي لثورات الربيع العربي كلها. فلو نجحت الدولة في أن تكون راعية لجميع مواطنيها وأن تكون ديمقراطية وعادلة وتنموية لما ثارت الشعوب. إذاً لماذا نتمسّك بشكل الدولة الذي أنتج كلّ أشكال الاستبدادات والديكتاتوريات؟
التفكير في تطوير شكل الدولة السورية حق من حقوق المثقفين السوريين، ولا شيء يمكن أن يحرمهم من حقهم هذا سوى العقل الاستبدادي وتناسخاته. وليس علينا أن نستأذن من أحد قبل أن نفكّر أو نضع سيناريوهات للمستقبل السوري. ونؤمن أن الدولة الاتحادية هي الشكل الوحيد الذي يمكن أن تعود فيها سوريا واحدة وهي التي تعاني اليوم من التمزّق والتقسيم وفق النفوذ الإقليمي والدولي.