إقامة دولة كوردية مصلحة عربية قبل أن تكون دولية
زارا صالح
الرئيس مسعود بارزاني صرح في أكثر من مناسبة بأن خريطة سايكس-بيكو قد انتهى العمل بها بعد أن فرضت على شعوب المنطقة ظلماً وأنه حان الوقت لتعود الأمور لطبيعتها وينال الكورد حقهم في إقامة دولتهم المستقلة. هذا وقد أعلنت عشرون دولة دعمها للاعتراف بالدولة الكوردية وكذلك الأمر فإن هذا المشروع يجري تداوله في أروقة واشنطن، لندن و باريس وعواصم دول القرار الأوروبي لتأييد هذا القرار، فيما الدول العربية والإسلامية والجوار الإقليمي تعيش حالتها السباتية ونظرية المؤامرة والتفكير النمطي عندما يتعلق الأمر بحق الكورد في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم وكذلك عزف سيمفونية ( إسرائيل الثانية) رغم أن أراضيها محتلة من عدة دول ورغم ذلك فهي بنظرها صديقة.
سؤال يطرح نفسه بقوة حول حقيقة هذا الموقف العربي الرسمي والجماهيري الجمعي في معاداة هذا المطلب المحق للكورد الجار الأقرب إليهم؟ وقد طرحه الصوت العربي الحر ( صالح القلاب) ودعا العرب قبل الجميع إلى كسب ( الجار الجديد) الذي يربطه بالعرب تاريخ قديم مشترك وانه الأولى بالعرب دعم إقامة هذه الدولة لتكون حليفة لهم في المنطقة قبل أن يقوم الخارج بفرضه واقامته وهي على الطريق نحو ذلك.
لعل من المسلمات الأساسية التي ستجعل إقامة دولة كوردستان عامل توازن واستقرار في منطقة الشرق الأوسط هو الدور الهام والمحوري الذي يمكن تحديده بالنقاط التالية :
1- إقامة الدولة الكوردية سينهي الصراع العربي – الكوردي ويعيد الثقة بينهم وبذلك سيكسب العرب جار جديدة وحليفا يعيد التوازن الإقليمي خاصة وأن الكورد أغلبهم شعب مسلم وسني رغم عدم أهمية العامل المذهبي لديهم.
2- التوازن والاستقرار سيكون في مواجهة الخطر الجديد المتمثل بداعش ( وقد أثبت الكورد نجاحهم في هزيمة داعش) هذا يعني كسب حليف بمقدوره سحق داعش الذي يعتبر عامل تهديد للجميع في المنطقة خاصة بعد إعلان الخلافة والطموح نحو توسيع رقعتها وحدودها بما يمثل خطراً مباشراً على أغلب الدول العربية ومنها السعودية أيضا بعد التمدد الفارسي عبر الحوثيين في تهديدها.
3- مواجهة المشروع الفارسي التوسعي في العمق العربي يحتاج إلى حليف مثل الكورد الذي سيوقف هذا المد الشيعي خاصة بعد احتلال العراق من قبل ولاية الفقيه وطبعاً سوريا ولبنان واليمن محتلة عبر الميليشيات الشيعية وأحزاب الله، وأن موقع كوردستان الجيوسياسي سيكون عامل ردع للمشروع الإيراني، هذا إذا نجح العرب في كسب تركيا بعد حل عقدتها مع الكورد في حل يضمن حقوق الكورد هناك. بذلك ستضع حدا للامبراطورية الصفوية الجديدة.
4- لكي يتجنب العرب تدخلاً دولياً لتنفيذ مشروع الدولة الكوردية عليهم أخذ المبادرة أولاً وإلا فإنه بعد ذلك سيكون متأخراً جداً سيما وأن تنفيده بات من أولويات دول صاحبة القرار بعد تجربة إقليم كوردستان الناجحة والانتصارات المذهلة للبيشمركة في الإقليم وكوباني في هزيمة داعش والثقة بهذه القوات الكوردية في العراق وسوريا وقدرتها العملية عند توفر السلاح الكافي على هزيمة التطرف والإرهاب وهذا بحد ذاته مايجذب الغرب في معركتهم الجديدة واكتشاف الحليف الاستراتيجي الجديد أيضاً المتمثل بالكورد.
أخيراً فإن ما يحدث اليوم ومنذ بدء الربيع العربي والتحولات الجغرافية والسياسية والتحالفات الجديدة ستفرض خريطة جديدة تلغي سايكس-بيكو التي لم تكن سوى اجحافا وزواج الإكراه وفق مصالح المنتصرين وأنه حانت اللحظة لتصحيحها وسيكون الغرب صاحب المبادرة وهو مشروع يجري العمل به منذ سنوات وأن إقامة الدولة الكوردية يدخل في إطار برنامجهم الاستراتيجي لأنها مصلحة سياسية واقتصادية وإذا استوعب العرب حقيقة ما يجري الآن بعيداً عن الشعور القومجي وإدراك حق الآخر ومفهوم الشراكة (حافظ الكورد على وحدة العراق رغم الامكانية والدعم لإعلان الاستقلال منذ عشرين عاما) فإن عليهم استلام زمام المبادرة والقيام بترتيب صياغة العلاقة مع الكورد والاسراع في دعم إقامة الدولة الكوردية والتي بطبيعته حق مشروع وطبيعي إنسانياً وحقوقيا للشعب الكوردي مثله مثل جاره العربي والفارسي و التركي في العيش ضمن دولته المستقلة لأنها قبل ان تكون مطلباً سياسياً فهي منحة إلهية من الرب عندما خلق الجميع شعوبا وقبائل ولم يحدد أو يخصصها بقومية معينة.
نقلاً عن صحيفة إيلاف