إلى أين تذهب موارد كردستان سوريا؟
هوشنك أوسي
يوماً إثرَ آخر، يتصاعد الهمس الدائر بين أبناء الشعب الكردي في كردستان سوريا، حتى بين الموالي لحزب العمال الكردستاني، بخصوص الأموال الطائلة التي يجنيها “العمال الكردستاني” وينقلها إلى مقر قيادته في جبال قنديل. ذلك أن الأهالي صاروا يبدون تذمّرهم وامتعاضهم وتململهم من سوق كل هذه الاموال إلى خارج كردستان سوريا وعدم صرفها على المنطقة في المشاريع الخدميّة والتنموية، وأن حجم هذه الأموال التي يجنيها العمال الكردستاني شهريّاً من كردستان سوريا، في حال تمّ ترشيدها وتوزيعها على الأهالي شهريّاً، لا تقل عن الأموال التي تدفعها الدول الأوروبية للاجئين الكرد وهم جالسين مرتاحين في بيوتهم دون عمل!. وأن هذه الأموال هي ملك لأبناء المنطقة، وهم أولى بها وبصرفها، بدلاً من تهريبها إلى كهوف جبال قنديل، عبر كردستان العراق، ثم نقلها للبنوك الايرانية أو الروسية، وتبييضها في مشاريع وهمية، وصولاً للبنوك الأوروبية.
قبل ما يزيد عن عام، طرحت على صفحتي الفيسبوكيّة، ما يشبه الهمس السالف الذكر، في سياق سؤال، طالبت فيه حكومة كانتونات “الاتحاد الديمقراطي” (التي يديرها العمال الكردستاني من وراء الستار)، بالكشف عن الصادر والوارد، وعن الميزانية العامة، ووضع الملف الاقتصادي تحت الضوء بكل شفافية حتى يصبح الناس على بيّنة. وألا يكون مدخول السلطة الآبوجيّة في كردستان سوريا طيّ السريّة والكتمان. ولكن، كالعادة، لم يكن هنالك أية استجابة.
بحسب بعض المصادر المحليّة، المقرّبة من حزب “الاتحاد الديمقراطي” هنالك عدة معابر حدوديّة لمناطق “الادارة الذاتية” التابعة للحزب المذكور. هذه المعابر، تدرّ عشرات ملايين الدولارات شهريّاً على الحزب. عدا عما يجنيه الأخير من تجارة النفط والغاز مع نظام الاسد، ومع المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات المتطرّفة، أو تهريبه النفط إلى كردستان العراق، ومن هناك إلى تركيا. مضافاً إلى ذلك ما يجنيه الحزب من المحاصيل الزراعية، والضرائب والاتاوات التي يفرضها على المواطنين والتجّار. بالنتيجة، يتم نقل ما يزيد عن 95 بالمئة من هذه الاموال (عشرات الملايين من الدولارات) إلى جبال قنديل، عبر مناطق شنكال – سنجار، ثم السلميانية – رانيا، وصولاً إلى جبال قنديل. وهذا ما يفسّر “جنون” العمال الكردستاني حين حاولت قيادة كردستان العراق حفر الخنادق على الحدود، لأن الخندق كان يعرقل حركة مقاتلي الكردستاني أثناء نقلهم الأموال. وأيضاً يفسّر استماتة العمال الكردستاني في خلق كانتون تابع له في منطق شنكال، بالتنسيق مع الاتحاد الوطني الكردستاني. كل ذلك بهدف تشكيل ممر أو كوريدور آمن لنقل المقاتلين والاموال من كردستان سوريا إلى جبال قنديل، وبالعكس.
الخمسة بالمئة المتبقيّة من تلك الاموال التي يحصل عليها العمال الكردستاني من كل الموارد المذكورة في كردستان سوريا، يتم صرفها على مؤسساته الاعلامية والخدمية، وشراء الذمم والولاءات السياسية والثقافية. ذلك أن النظام السوري ما زال يصرف رواتب الموظفين والمعاشات التقاعديّة للمواطنين الكرد والعرب والسريان المتواجدين في المناطق الكردية. وهذا بدوره يخفف العبء عن كاهل العمال الكردستاني. كذلك الاسلحة والاموال التي يحصل عليها الكردستاني وفرعه السوري من التحالف الدولي، وبخاصة من الجانب الأمريكي، هذا أيضاً ساهم في تخفيف الاعباء المالية عن العمال الكردستاني، وجعله يتعامل بهذا الأسلوب مع المناطق الكردية في سوريا.
يجري ذلك أمام انظار عناصر وقيادات كردية سورية موجودة ضمن العمال الكردستاني، ولا تقوى هذه القيادات والعناصر على تحريك ساكن يحول دون هذا النهب الممنهج. كذلك يحدث هذا أمام كل الاحزاب الكردية السورية، بخاصة المنخرطة في إدارة وسلطة حزب الاتحاد الديمقراطي، ولكن هذه الاحزاب وكأنّ على رأسها الطير!. في حين أن العمال الكردستاني واستطالاته في سوريا والعراق، كان وما زال يتهم قيادة كردستان العراق بالفساد، وانها تسرق مال الشعب الكردي، وجعلت من كردستان العراق ملكية خاصة لهذا الحزب او ذاك!. وان الحزبين الكرديين الرئيسين؛ الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني تقاتلا على موارد معبر ابراهيم الخليل منتصف التسعينات!.
سابقاً، كان النظام السوري يحرم كل الشعب السوري عموماً وابناء الشعب الكردي على وجه الخصوص من الاستفادة من موارد البلاد، بخاصة النفط والغاز. وكانت عوائد النفط والغاز لا تدخل الميزانية، ويتكتم نظام الأسد على عوائدهما. ومع ذلك، كان هنالك صرف للرواتب والمعاشات واقامة بعض المشاريع… من باب ذر الرماد في الاعين. ولكن يبدو أن العمال الكردستاني تجاوز النظام السوري في هذا السلوك، لجهة نهب الموارد وخيرات كردستان سوريا. ناهيكم عن المقاتلين والمقاتلات الكرد السوريين الذين يزج بهم في معاركه، هنا وهناك، بهدف الحصول على المزيد من الدعم والموارد. ذلك أن الحزب تعامل مع كردستان سوريا منذ منتصف الثمانيات وحتى نهاية التسعينات وكأنّها “البقرة الحلوب” أو “الدجاجة التي تبيض ذهباً” والجبهة الخلفيّة لحرب الحزب على النظام التركي. ولكن يبدو أن الحزب بات يتصرّف في كردستان سوريا وفق منطق الغنيمة التي لن يتخلّى عنها مطلقاً. وبل يتصرّف كما تصرّفت بلجيكا مع جمهورية الكونغو، وكيف كان تعتبر بروكسل هذه الجمهورية وما فيها من بشر وشجر وحجر، ومناجم ذهب وماس…الخ، من ممتلكات الملك البلجيكي. وكيف ان بلجيكا نهبت هذه الجمهورية على مدى عقود. ما فارق بسيط أن بلجيكا كانت تنهب دولة أجنبية بينما العمال الكردستاني ينهب أبناء جلدته!. مضافاً إليه؛ المسافة الجغرافية الهائلة التي كانت تفصل بلجيكا عن الكونغو، والمدة التي كانت تستغرقها نقل الذهب والماس الكونغولي إلى بروكسل، قياساً بالمسافة القصيرة الفاصلة بين القامشلي وجبال قنديل.
على ضوء ما سلف، من المؤسف القول: إن تعامل العمال الكردستاني مع كردستان سوريا، لا يختلف كثيراً عن تعامل المُحتِل مع المُحتَل، على أكثر من صعيد. ربما يكون هذا التوصيف قاسياً ومرّاً وواخزاً…، لكن المعطيات والواقع والوقائع تفضي إلى هذه النتيجة المؤلمة والجارحة. وربما نشهد في الايام القادمة بعض الخلافات او التضحية ببعض الاشخاص بتهمة الفساد وهدر المال العام، كي يحاول العمال الكردستاني صرف انظار الناس عن الملف الاقتصادي الخطير، قبل ان ينفجر هذا الملفّ في وجهه، ويتحوّل همس الناس إلى صرخة مدويّة، تهزّ أركان العمال الكردستاني ليس في كردستان سوريا وحسب، بل في عموم المنطقة.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media