آراء

إيران بين توسيع النفوذ وتشتيت الجهد

قهرمان مرعان آغا
اتفاق ايران مع الدول الخمس الكبرى ، الدائمة العضوية في مجلس الأمن ، زائد واحد ألمانية ، سيجيِّره كِلا الطرفين لحساب سياساته الداخلية والخارجية ، بدء من التفاصيل وانتهاءً بالملاحق والمواعيد التالية للإتفاق النهائي،
الرئيس الامريكي اوباما ، يطمئن الكونغرس ، بأن الإتفاق لصالح منع امتلاك ايران للسلاح النووي الذي من شأنه تبديد مخاوف حلفاءه في المنطقة ، اسرائيل ودول الخليج .
ويبقى التنفيذ والإلتزام ، رهن الجانب الايراني للوفاء بإلتزاماته مقابل تعليق و رفع العقوبات الاقتصادية بالتتابع ، والتي اصبحت تشكل معانات كبرى لسلطات الحكم في ايران ، وانعكاس تداعياتها على زعزعة الوضع الداخلي وخاصة بعد احداث انتخابات عام ٢٠٠٩ و الاحتجاجات الشعبية التي رافقتها ، بعد إعادة انتخاب احمدي نجاد للمرة الثانية وأفول نجم الديمقراطية المزعومة وتداول السلطة خارج عباءة المرشد والحرس الثوري وقوات الامن والاستخبارات ، لهذا كان خطاب الرئيس روحاني في هذا الاتجاه ، رفع العقوبات يعني معافاة الاقتصاد ، وتأمين فرص العمل للشباب وخاصة خريجي الجامعات والمعاهد وكذلك لتقليل اعباء البطالة المتزايدة ، وتنمية الريف البائس ، حيث يتركز معظم فرص العمل في المدن الكبرى ، وحسب التصنيف القومي والمذهبي .
لا يخفى على احد مساندة امريكا واوروبا الغربية ل_ عراق صدام في حرب الثماني سنوات ضد ايران الخميني ، ناهيك عن مساعدة الدول العربية ، ومنذ ذاك الوقت ، فإن ايران ما بعد الخميني لا تدِّخر جهداً، لتنمية قدراتها الحربية وتوظيف امكانياتها الاقتصادية في مجالات عسكرية متعددة ، منها المفاعلات النووية ، والصواريخ بعيدة المدى ، مترافق مع تنمية بشرية عسكرية ، باسماء وعناوين جهادية شتى ، حتى اصبح الاقتصاد الايراني المعتمد ريعه اصلاَ على النفط الغاز ، تفتقر الى معدلات النمو الحقيقية . التي تنعكس على ارتفاع معدلات البطالة ومعانات سكان أرياف الاقاليم المختلفة .
دولة ايران ذات المساحة الشاسعة ،البالغة (١،٦٤٨،٠٠٠كم٢) ، والتي لن تكون مستقرة ، بسبب تنوع الاقاليم والقوميات المطالبة بالحقوق ، وسكانها الذي يقارب (٨٠) مليون نسمة ، والذي يشكل الفرس نسبة لا تتخطى ٥١٪ من مجموع السكان ، قابل لمعدلات ناتج الكسر عند تفضيل العصبية على المذهبية ، التي اصبحت اعبائها ثقيلة على المجتمع الايراني في ظل احكام الثورة المستمرة التي لن تنتهي إلا بسقوط الجمهورية المذهبية ، كما كانت ثورات حزب البعث الفاشي ، بسقوطه واجتثاثه.في سوريا والعراق .
بدء التمدد المذهبي والعملياتي :
التمدد الايراني في سوريا ، بدء منذ انحياز الدكتاتور حافظ اسد الى جانبها منذ ايلول ١٩٨٠ ، في الحرب الكارثيةمع غريمه البعث العراقي ، واصبحت دمشق مرتعاً للمجاميع الوافدة للسياحة والزيارة و الاعمال منذ ذالك الحين وبإمتيازات وتسيهلات غير مقدمة للسوريين انفسهم ، وحصل تدخلهاالعسكري المباشر خلال الثورة السورية لصالح النظام الأسدي المجرم ، في حربه الطائفية ، وساهم في منع سقوطه ، وبالتالي تأليب وتسهيل دخول ميليشات شيعية من افغانستان والعراق وغيرهما ، إضافة الى حزب الله اللبناني ، وانتشارهم في معظم مناطق التماس مع المعارضة العسكرية ، وبالتالي جر الشعب السوري بكل قومياته وطوائفه الى الحرب المدمرة ، وكذلك جر حزب العمال الكوردستاني وفرعه السوري الى محوره الى جانب النظام ، بدواعي شتى، معروفة للشعب الكوردي ، آخرها غزو داعش للمناطق الكوردستانية ، الذي موله وساهم في دعمه كل من النظام وايران بحجة مقاومة الوجود الامريكي في المنطقة سابقاَ ، ولاحقاً مقاومة التطلع القومي لشعب كوردستان في تقرير مصيره .
وبلغ التمدد الفعلي أوجه في لبنان بعد اجتياح اسرائيل جنوب لبنان وحصار بيروت ، في صيف ١٩٨٢ وخروج منظمة التحرير الفلسطينية ، وتشكيل حزب الله ، وتحركاته في الجنوب منذ نهاية عام ١٩٨٣ عند تفجير مبنى قوات مشاة البحرية الامريكية( المارينز ) في مطار بيروت وكذلك مبنى يضم كتيبة المظليين الفرنسيين في الرملة البيضا ، التي كانت ضمن إطار قوات متعددة الجنسيات في بيروت، ادى الى مقتل (٢٤١) من القوات الامريكية و(٥٨) من القوات الفرنسية ، عن طريق تفجيرين انتحاريين بسيارات شاحنة ، تبناه حركة بإسم الجهاد الاسلامي ، والتي يعتقد بأنها الاسم الحركي لحزب الله قيد التأسيس ،في الوقت الذي كان الشيعة متمثلة على وقع الحرب الاهلية ، بحركة أمل ، في إطار الحركة الوطنية اللبنانية ، والمنتمية الى المجلس الشيعي الأعلى الذي يرأسه السيد موسى الصدر قبل اختفائه في ليبيا .
اما العراق المجاور ، ونسبة الشيعة الى السكان ووجود المزارات والمرجعيات والعلاقة مع الاحزاب والمعارضة ، حصل بشكل مباشرة خلال إنتفاضة الجنوب في آذار ١٩٩١ ، بعد هزيمة صدام وجيشه في حرب تحريرالكويت، وتعزز النفوذ الايراني بعد سقوط بغداد عام ٢٠٠٣ وبوجود الحاكم الامريكي ، وهيئة الحكم الانتقالي، وما تلاه ، حتى فترة حكم وزارة نوري المالكي المشؤمة بفترتيها على العراقيين ، و إلى يومنا هذا من خلال الحشد الشعبي الشيعي والقوات النظامية والمستشارين الآن في مواجهة داعش ، ناهيك عن تدخل ايران في كوردستان من خلال قصف الحدود او من خلال علاقته مع الاتحاد الوطني الكوردستاني بحكم الجغرافية السياسية والعلاقات القديمة .
في افغانستان ،منذ عام ٢٠٠١ ، تقاطعت مصالح ايران مع امريكا في إزالة حكم طالبان ،، السني،، ومنذ ذلك الحين ، يبدو ان الوفاق والتعاون الاستخباراتي بين الطرفين ، استعاض بالتوتر والقطيعة التي سادت المرحلة السابقة ، مع تنامي دور الشيعة سياسياً واعلامياً ، حيث تقوم ايران بتمويل مدارس وحسينيات على مبدأ ولاية الفقيه ، وتقوم بأعمال التجنيد وخاصة الى سوريا ،
أما في اليمن ، بعد سقوط حكم الإمامة( الزيدية) في اليمن منذ ١٩٦٢ ، وانقلاب على عبد الله صالح في ١٩٧٨ في الشمال ، وحربه مع الجنوب في ١٩٩٤ ، وما سمي بتوحيد اليمن آنذاك ، وبدء معاركه في صعدة منذ يونيو ٢٠٠٤ ، ودعمه للحركات السلفية في مواجهة الحوثيين ، ومقتل قائدهم حسين بدر الدين الحوثي ، وامتداد الصراع ، ظهر مساندة ايران في كثير من الحالات منها بشكل مباشر من خلال تزويدهم بالاسلحة عن طريق البحر وتوجّت بالإتفاقات والتعاون المباشر ، تحت شعار مكتوب على القماش ، الموت لامريكا ، الموت لإسرائيل ، اللعنة على اليهود ، حيث اثبتت الاحداث الاخيرة وهيمنة الحوثيين على العاصمة وغالبية مناطق اليمن واقاليمه ورفضهم للدولة الاتحادية ، تنامي دور ايران وتمدده في خاصرة المملكة العربية السعودية ، ، وفي خليج عدن وباب المندب ، بوابة البحر الاحمر وخليج العقبة وايلات وقناة السويس ، وبهذا استكمل النفوذ الايراني البحري من خليج هرمز وبحر عمان بإتجاه سواحل افريقيا ، وبهذا السيناريو امتدت الحرب الى الاقليم ، بتشكيل الحلف العربي ،بينما بقيت الدول الكبرى واسرائيل ، متفرجة تنتظر نتائج الحرب الكارثية على شعب اليمن وشعوب المنطقة .
ايران بحاجة الى الاتفاق في هذا الوقت ، حيث بدء جهده العسكري والاقتصادي بالتشتت والإستنزاف ، وكذلك لتغطية إمتداداته المتشعبة في المنطقة وتحمل اعباء مقاومة سياساته ، من قبل الحلف العربي الصاعد ، حيث يتلقى حليفه في اليمن ضربات موجعة وقاصمة ، وقد يأتي الدور على حليفه نظام الاسد واعوانه في لبنان ، بعد تصريحات اوباما في مقابلاته الصحفية الأخيرة .
لا ننسى بأن الغرب قد غضى طرفه عن ملف حقوق الانسان في ايران ، بسبب تلك المفاوضات وما يجري اليوم من اعدامات في ميادين المدن الكبرى والاقاليم وتحديدا كوردستان ، دليل على همجية الجمهورية الاسلامية تجاه معارضيه ، وتغطية تلك الجرائم بأحكام قضائية شكلية ، في جوهرها سياسية وطائفية كيدية .
الاتفاق يعني ، إنتفاء الحجة بمعادات امريكا والغرب ، فهل نحن على أمل بدء سيناريو معاكس مرتقب ينتقل بموجبه الصراع الى داخل ايران ، لمناصرة قضايا الشعوب الايرانية سواء في كوردستان واذربيجان والاهواز وخراسان وبلوشستان بجانبيه القومي والمذهبي المختلف ، بدلاَ من توزيع الموت والخراب الذي مارسته ايران في عموم المنطقة خلال جمهوريتها الطائفية ، عندئذَ لن يفيدها ، لا خمس اموال المساكين من ابناء الشيعة ولا اللطم على عتبات النجف وكربلاء ولا النحيب بجوار مرقد السيدة زينب .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى