استقلال كوردستان العراق …واستحالة استمرار الشراكة
قهرمان مرعان آغا
لا خيار للكورد لقطع دابر تآمر الأعداء سوى الاستقلال , مادام هؤلاء لا يحبذون العيش المشترك وفق خصوصية الآخر ويَعِدون الاختلاف والتباين بين المجموعات البشرية التي حوتها الدولة القسرية بحدودها الحالية في الشرق الأوسط , بفعل الاستعمار الغربي لبلادنا في خانة التبعية المطلقة للقومية السائدة وإحالتها للمواطنة الشكلية المفروغة من الحقوق و المثقلة بالواجبات .
عندما كان الأنكليز يحكمون الشرق , الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس , حيث الهند درة التاج الملكي البريطاني , بجغرافيتها الطبيعية والبشرية , كانت عيونهم على كوردستان و العراق وبلاد الشام وازدادت حظوظهم بعد انتصارهم وحلفائهم في الحرب العالمية الأولى بتقاسم تركة الدولة العثمانية , لهذا أصبحوا هم والفرنسيين يقطعون أوصال كوردستان بين الدولتين الناشئتين سوريا والعراق مع كل من تركيا وإيران , ولم يكن الشيخ محمود الحفيد ولا البارزانيين يعلمون بأن وجهة القوات البريطانية التي نزلت بالبصرة في البداية (1915) , هي كوردستان في النهاية , حيث نفط بابا كوركور وكركوك وكانت المقايضة وتعديل الحدود قد استمرت منذ اتفاقية لوزان 1923 ولغاية 1937 بين كلاً من فرنسا وبريطانيا من جهة وتركيا الكمالية و لم تُشكَّل ما كانت تسمى بمشكلة الموصل معضلة بين الطرفين, سوى تغطية لمصالح بريطانية الاقتصادية النفطية وحاجة آلتها العسكرية للوقود والدافع هو مزيد من الهيمنة والتوسع بعد استثمار النفط والغاز في جنوب إيران بدءاً من عام 1908 , لهذا ومنذ (1918) وبعد احتلال الانكليز لكوردستان أصبحت مشكلة النفط ( كركوك ) تُحدِّد مصير شعب كوردستان العراق وعلاقته بالعراق العربي والمركز في بغداد وتجربة الصراع المرير الذي استمر قرن كامل كافٍ لـ شعب كوردستان العراق بتقرير مصيره بنفسه وفق إرادته ونحن في العقد الثاني من الألفية الثالثة .
النفط والأمن :
هل بات النفط يشكل تلك الأهمية الاقتصادية التاريخية , بعد هيمنة القوى الكبرى على مفاصل القرار العالمي بما فيها منظمة الأوبك من خلال حلفائها في الخليج , من حيث الإنتاج والأسعار وضبط الأسواق , بما يتماشى مع مصالحها , ناهيك عن توفر بدائل أقل ضرراً للبيئة من الطاقة البترولية التقليدية , أم أصبح الأمن يشكل الهاجس الأكبر للعالم الغربي المُتنَفِّذ للقرار العالمي , أم الاثنين معاً , بالتأكيد أدركت أمريكا وشركائها الأوربيين بعد 11 أيلول (سبتمبر)2001 وحرب أفغانستان و العراق وما تلاهما من ظاهرة (داعش) بأن الأولوية القصوى هي للأمن , مع إبقاء جذوة الصراع في منابعه وتوفير المناخات الجاذبة للإرهاب العالمي للتخلص من بعض الأفراد و الجماعات التي تركت لها مجال الحركة في ملاذاتها سواء في بلدانها أو لدى وكلائها من الأنظمة العميلة يتناوبون في استخدامهم , كلاً لإضعاف الطرف الآخر , وما حصل من ارتدادات ثورات شعوب الشرق الأوسط من إجرام ودمار وخراب وبدعم من القوى الكبرى تلك , ليست سوى سياسة إدارة الصراع المباشر بعيداً عن بلدانها , لهذا أصبحت روسيا منذ سقوط الإتحاد السوفييتي تحارب خارج حدودها بدلاً من حروبها الداخلية ( الشيشان وشمال القوقاز) في تسعينيات القرن الماضي , بل اتسعت نطاق عدوانها لتشمل ليس فقط ثورة الشعب السوري ’ بل جورجيا وأوكرانيا , وعودة الأمريكان إلى العراق بعد حكمهم لعشرة أعوام وتوسيع قواعدهم بما يشمل كوردستان سوريا جزء من هذه الإستراتيجية . فهم يمارسون إستراتيجية التَكيُّف مع الأحداث الإقليمية والمحلية بما يتوائم مع ضروراتهم وأولياتهم الأمنية , بحيث تعمل القوى الكبرى والدول الإقليمية والأحزاب والمنظمات المرتبطة مع تلك الأطراف بحرية تامة ودون تصادم لإعطاء الفرصة والمجال لتصفية القوى التي تسمى بالإرهابية في مواجهة بعضها البعض في هدوء وراحة بال , دون الاقتراب من الخطوط الحمراء التي رسمها كل طرف حولها , فيما يدفع الشعوب التي ضحت وناضلت من أجل التنعم بالحرية والكرامة ضريبة تقاطع مصالح تلك الدول .
النتائج القريبة للصراع الدائر في المنطقة , فيما يخص العراق :
إن من نتائج ترتيب الأوضاع في المنطقة حيث التوتر والحروب وترتيب الأولويات بعد الأحداث الكبرى بدءاً من الحرب العراقية الإيرانية وغزو الكويت وانتفاضة شعب كوردستان والعراق الاتحادي وفيدرالية إقليم كوردستان العراق ,التي امتدت أكثر من ثلاثة عقود , وما سبقها من صراع على وجود العراق كدولة إشكالية تضم إقليمين متنافرين من حيث الجغرافية الطبيعية والبشرية ( جزء من كوردستان في الشمال _ العراق العربي في الجنوب) وما بينهما من تداخل أقوام وشعوب على اختلاف أجناسهم وألسنتهم , ساهمت الشوفينية العربية منذ العهد الملكي و تنصيب الملك فيصل الأول من قبل الإنكليز وعهد الجمهورية ودكتاتورية عبد الكريم قاسم وتحالفه مع الشيوعيين و لاحقاً حكم حزب البعث المجرم الذي أوصله القوى الاستعمارية إلى الحكم في العراق وسوريا , إلى دفع الشعب الكوردي إلى الثورة ( ثورة أيلول 1961) و المطالبة بالحكم الذاتي والفيدرالية , ولعل تجربة حكومة إقليم كوردستان في الشراكة منذ عام 2003 له أكبر الأثر في اختيار شعب كوردستان العراق الاستقلال , لما سيكون له من أثر في توفير الأمن والسلام في الإقليم المجاور حيث حالة النزاع القومي والمذهبي , بالتأكيد سيدفع أهل السنة العرب إلى اختيار الفيدرالية حسبما أقره الدستور العراقي لعام 2005 بعد فوات الأوان وتقاسم السلطة والثروة مع الشيعة العرب ربما بالمقايضة حيث ( نفط الجنوب ـ مياه دجلة والفرات في الشمال والغرب ) , بعد كل هذه الويلات التي لحقت بمناطقهم بسبب تحالفهم مع وكلاء إيران والنظام الأسدي المجرم بدعوى إحياء القومية والنفوذ الذي أفتقدوه , تحت رداء مقاومة المشروع الامريكي تارة وبرقع الخلافة (داعش) تارة أخرى و( هذا ما جنت على نفسها براقش) في حين بقيت القوى الطائفية الشيعية تتجاوز خلافاتها السياسية لِتتحشَّد عسكرياً وتحت ستائر الدستور لتصبح جيشاً بديلاً يُهدد ليس أمن العراق العربي فحسب بل كوردستان و المنطقة بأسرها , لهذا فإن استقلال كورستان العراق ليس مرهون بالنزعة الانفصالية , بمقدار الموقف من استحالة استمرار الشراكة مع المكون العربي المتمثل بهيمنة الشيعة وإيران وتحالفاتهم مع بقايا بعث الجاهلية الأولى من السنة , في حين من المفيد أن يدفع الخيرين من أبناء العراق إلى تفهم إرادة شعب كوردستان ونزوعه المستمر نحو الحرية المطلقة و الكيان المستقل ونحن نقترب بلهفة وترقب من ريفراندوم 25 أيلول 2017.
9. ايلول(سبتمبر)2017 ـ Deutschland