اعطوني إعلاماً بلا ضمير أعطيكم شعبا بلا وعي
حسين مصطفى
إن الحديث عن أخلاقيات العمل الإعلامي يتطلب معرفة ماهية أخلاقيات المهنة وما هو الدور الكبير المناط بها في خدمة المجتمع ومدى التزامه بالمواثيق والأعراف الدولية التي تتكفل بحرية الإعلام والصحافة, لذا من الضروري التطرق إلى أهم النظريات الإعلامية التي نشأت في العالم وعلاقتها الجدلية بالسلطة او الحكام .
هل كان للحكام او القائمين على السلطة على مر العصور دوراً في إنشاء الإعلام لخدمة مصالحهم الخاصة ام إن الإعلام كان ولازال تعبيراً عن الاتصالية البشرية بوصفها حالة إنسانية أصيلة .
في ظل تزايد وتعاظم دور الإعلام في الحياة العامة يتزايد دور الإعلاميين خاصة مجال ممارسة عملهم بل أصبح الإعلامي شخصية عامة من طراز متقدم وأصبح الرأي العام يتأثر كثيراً به في نواحي عدة
لذا بات من الضروري جداً الحديث عن اخلاقيات المهنة الإعلامية لأن الإعلامي كمهني أصبح ذو تأثيرات مجتمعية بالغة التصعيد فالحديث عن أخلاقيات المهنة الإعلامية أصبح يشكل ركناً اساسياً في خلق الرأي العام وصناعة السلام والابتعاد عن العنف .
إن انهيار الأسس الأخلاقية في الإعلام وزجها كسلاح لشن حروب قذرة جعلها في مقدمة عوامل الانحطاط
فأصبح من يدعي بأنه إعلامي لا يحُرج أن يغوص في أكثر الحوادث قذارة كالذبح أو عمليات الإعدام المكشوفة على الهواء أو عمليات الخطف أو القتل والاغتصاب, او عملية تجميل صورة اللصوص والسارقين والمنحرفين أمام الناس وإظهارهم كشخصيات بطولية ومحترمة .
هم يعملون كل ذلك وبدون أدنى شك بأنهم يمارسون حرباً ” سلاحها تضليل الناس وخلق أسس معينة تجعل الناس في رحى حطام أليم.
ويمكن القول أن المؤسسات الإعلامية بالذات أصبحت وسائل للنشاط الدعائي السياسي والعسكري وأصبح على اثره سياقات الاتصال ومكونات في حالة من التعقيد والتضليل وافقدت الناس معها قدرة الفصل بين ما هو حربي وقتالي وبين ما هو مدني وثقافي .
في ميدان العمل الإعلامي وبكافة أنواعه وأشكاله الأمور بدأت تتجه إلى تعقيد كبير وبدأ الإعلامي من أولى مراحله إلى آخر درجات تطوره تتحكم فيه عوامل خارجية في اختياره وابقائه وتطويره وباتت الأحزاب والمنظمات وحتى الميليشيات والدول …….تتخذه أداة وسلاح حرب الكل فيها ضد الكل أو لتهديد البعض والنيل من سمعة الآخر , وبالتالي فجميعها تدفع نحو انحلال أخلاقي وفك الارتباط بكافة الأسس المهنية
وخاصة بعد التطور التكنولوجي الذي اجتاح كافة جوانب الحياة العامة بحيث أصبحت وسائل الإعلام كالتلفزيون والراديو والمحطات الفضائية والانترنيت والصحف الالكترونية باختلاف أنواعها واتجاهاتها الشغل الشاغل في أدق تفاصيل حياة الناس.
لكن الخطير أو البالغ خطورةً هو امتهان مهنة الصحفي والإعلامي من أي كان فأي شخص بمجرد امتلاكه لآلة تصوير او تسجيل وغالباً ما يجدها في هاتفه الجوال يمكنه أن يرصد حادثة أو يكون جزءاً من صياغة خبر حادثة حتى يسرع إلى تحميلها إلى الشبكة العنكبوتية فتتلقفها الملايين من العيون المتخصصة من خلال شاشات الحاسوب والهواتف الجوالة وبعد ذلك تنقلها المؤسسات الإعلامية الكبرى هنا أصبح إرضاء الشهوات والغرور الشخصي لأناس ذوي مستويات متدنية أخلاقيا وحتى خلال ساعات عديدة كي يصبح على لسان الجميع وهذا تأكيد على حقيقة بديهية وهي أن وسائل الإعلام المتعددة تمارس تأثيراً كبيراً في توجيه الرأي العام .
وتعتبر الحروب المعقدة التي تجري في سوريا أحد أكبر الحروب التي تقودها الأجهزة الإعلامية في كافة تفاصيلها مما جعل من المحاربين إعلاميين ومن الإعلاميين محاربين واختلطت الأوراق بشكل معقد وخطير ما ينذر بنشوء مرحلة جديدة تتسم بالخطورة البالغة .
إن محنة الإعلام تتعقد أكثر في ظل خصوصية كبيرة للمهنة النابعة من وظيفتها إذ تختلف عن باقي المهن الأخرى كونها تخاطب العقول في كافة مستوياتها وتؤدي مهنة الإعلام خدمة اجتماعية وتربوية كبيرة كونها تتضمن شروط وخصائص عديدة متفق عليها في العمل نحو أهداف اجتماعية من خلال إشباع حاجات المجتمعات .
حين كانت مهنة الإعلام تدار من قبل المتخصصين المهنيين الذين لديهم القدرة المهنية والكفاءة العلمية ما يمكنهم من ممارسة دورهم المهني بشكل صحيح كان الوضع على ما يرام وعند انتشارها علی يد الجميع دون وازع أخلاقي أضحت في الحضيض لذا يستوجب القول أن الإعلام مهنة وليست وظيفة او مصدر لجلب بعض المال لأن الإعلام له دور كبير في تطوير المجتمعات أو هدمها إن لم يكن ناضجاً علمياً أو فكرياً والأهم من ذلك أن يكون ناضجاً اخلاقياً.