الأزمة السورية والحلول المفروضة دولياً
سالار صالح
بدو أنّ الصراع الدائر في سوريا سيتخذ منحىً جديداً مع تصريحات وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر بقرب إطلاق معركة عزل الرقة ومن ثم تحريرها من تنظيم داعش, فالقوى التي ستشارك في معركة تحرير الرقة, والتي صرح كارتر بأنها ستكون قوى محلية, هي التي ستحدد ولو بشكل جزئي ملامح النظام القادم في الرقة السورية , المدينة التي دخلت متأخرة على خط الثورة السورية, إذ أن تركيبة القوى المشاركة والتي ستتكون من وحدات حماية الشعب YPG وفصائل المعارضة العربية ستشكل قاعدة أساسية لبناء نظام سياسي جديد ليس في الرقة وحدها وإنما ستمتد تأثيراتها إلى سوريا برمتها, وهي ستقرب وتعجل فرض الحل الفيدرالي على الجغرافيا السورية مع تشكل أقاليم أخرى بحكومات محلية خارج سيطرة النظام السوري كإقليم الرقة, وستعزز بالتالي مفهوم التشاركية في السلطة بين المكونات السورية.
وبات من المعلوم أنّ الصراع في سوريا هو صراع دولي إقليمي دخلته معظم الدول لحماية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة, فالتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاء النظام السوري بقيادة روسيا بدأوا فعلياً باقتسام الجغرافيا السورية وتوزيع مناطق النفوذ, وإن برزت بعض الخلافات والصراعات التكتيكية بالنسبة لبعض المواقع نظراً لأهميتها الجيوبوليتيكية, إلا أنّ هذه الدول متفقة على الإطار العام للحل والذي يتجسد في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية مع تطبيق النظام الفيدرالي من خلال فرض سياسة الأمر الواقع على الأطراف السورية المتنازعة وتشكيل أقاليم تتمتع بإدارات ذاتية محلية.
فقد كشف الصراع السوري مقايضات دولية وإقليمية حول مناطق وأقاليم سورية, ففي الوقت الذي اقتربت فيه قوات النظام السوري من مدينة الطبقة الواقعة جنوب محافظة الرقة اضطرت للإنسحاب والتراجع إلى حدود محافظة حماه بعد إن امتنع الطيران الروسي عن توفير الغطاء الجوي لتقدمها نحو الرقة, مقابل ذلك تم اطلاق يد روسيا في مدينة حلب وكانت المعارضة على وشك الانهيار في أحياء حلب الشرقية لولا شحنات الصواريخ والأسلحة التي وصلتها مؤخراً.
تركيا وهاجسها من تقدم وحدات الحماية الشعبية وإنشاء ممر جنوبي يصل كوباني بعفرين عن طريق مدينة الباب الواقعة تحت سيطرة تنظيم داعش, دفعها إلى المزيد من التوغل داخل الأراضي السورية والتورط أكثر في الصراع السوري واطلاق قادتها المزيد من التهديدات لوحدات حماية الشعب بضرورة الانسحاب من منبج والعودة إلى شرق الفرات ,إلا أنّ التوغل التركي في شمال سوريا لن يكون مفتوحاً وسينتهي عند الحدود التي رسمها التحالف الدولي لها بقيادة الولايات المتحدة, كما إنّ الوضع الاقتصادي في تركيا سيزداد سوءاً مع الهبوط الحاد في قيمة الليرة التركية , والأرجح إنها ستعتمد على حلفائها من فصائل المعارضة السورية المسلحة للتقدم والسيطرة على مدينة الباب الاستراتيجية, في ظل صعوبة ذلك أمام مقاومة قوات سوريا الديمقراطية, وبسبب اقترابها من مناطق سيطرة قوات النظام السوري الذي لن يتوانى عن استهدافها ووقف تقدمها.
يزداد المشهد السوري تعقيداً في ظل احتدام الصراع ولا سيما في جبهات حلب وريفها , وتستمر المعارك العنيفة واستنزاف كافة الأطراف في الصراع السوري, في الوقت الذي تتضح فيه أكثر وتتمايز الأقاليم الفيدرالية على امتداد رقعة الجغرافيا السورية, وفيما يبدو أنّ الحل السياسي في سوريا مؤجل لحين تغيير الواقع الميداني واستبداله بواقع آخر جديد ، فإنّ الحلول العسكرية تطبق على الأرض من قبل القوى العظمى وتبرز إلى السطح الاتفاقيات الضمنية على توزيع مناطق النفوذ، بانتظار التسوية الدولية النهائية التي ستفرض على كافة الأطراف المتنازعة بعد استكمال استنزافها في الصراع السوري.