الأسد لأكراد دمشق: الانضمام إلى “الشبيحة” أو السجن والنزوح!
رمضان رابع انتهى في سنة رابعة تمر على سوريا، ولا مؤشرات سياسية أو عسكرية تدل على قرب حدوث انفراجه في الأوضاع، حيث أجبر الملايين على النزوح أو الهجرة، في بلد بقي لسنوات طويلة مقصد اللاجئين من البلدان المجاورة، من لبنان إلى العراق وقبل ذلك فلسطين.
ووفق ما ذهب إليه رأس النظام (بشار الأسد) في خطابه الجديد، الذي حمل قسماً على رفض الحوار مع جميع أطراف المعارضة، يتبين أن الحل الأمني، سيبقى مستمراً إلى أجل غير مسمى، ما يعني عملياً أن الأزمة الإنسانية ستبقى مستمرة، بكل ما تحمله من تفاصيل الدمار والقتل والتشريد للملايين، سواء عبر النزوح أو التهجير القسري لمناصري الثورة، أو شبه القسري لمن سيقف على الحياد.
من الأب إلى الابن… الهجرة مصيرهم
حتى قبل سنوات، بقيت دمشق مقصداً للكثير من الكورد من مختلف المناطق الكوردية في سوريا، يهاجرون إليها طلبا للعمل والاستقرار، فالظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة، جاءتهم بالهجرة، نتيجة سياسات وإجراءات استثنائية من قبل نظام الأسد.
لكن يبدو أن تغير الحال في دمشق وريفها، أجبر هؤلاء المهاجرين، إلى الهجرة مجدداً بشكل معاكس، في ظل موجة نزوح أكبر، تضرب دمشق وريفها، فالهجرة التي طالت في البدايات الكورد الساكنين في ضواحي دمشق وريفها، بدأت بعد ذلك تطال أولئك الساكنين في الأحياء وسط العاصمة.
ولا يختلف حال حي الأكراد في (ركن الدين) وحي وادي المشاريع ( زور آفا ) عن بقية أحياء العاصمة، التي تخضع منذ أعوام لحملات دهم واعتقال بشكل ممنهج، وهذا ما يؤكده ( م .ق ) البالغ من العمر ستين عاماً، وهو احد الساكنين في الحي منذ السبعينات:”لا يكاد يمر يوم دون سماع أخبار دهم أو إعتقال في حارتنا”، ويضيف (أبو شيار)،الذي تم اعتقال ابنه منذ اكثر من سنتين دون ان يعرف عن مصيره شيئا: “إذا ما أردنا أن نقارن الأوضاع المعيشية في دمشق بالمناطق الكوردية التي يعود إليها الكورد اليوم في هجرة معاكسة، نجد أن أسعار المواد الغذائية هنا تبدو رخيصة أكثر، كما إن الكثير من الاحتياجات الأساسية والخدمات كالغاز وكالكهرباء والماء متوفرة”.
وأوضح (أبو شيار): “الضغوط الأمنية تبدو أكثر في دمشق مقارنة بتلك المناطق التي تتمتع بأمان نسبي، الأمر الذي تسبب ولا يزال في إثارة مخاوف الكثير من العائلات على ابنائها الشباب (بين 15 و35 عاما)الذين يتم استهدافهم في هذه الحملات، مما يجبرهم في كثير من الحالات إلى الهجرة، حتى وإن لم تكن في حاجة إلى ذلك، حفاظا على سلامة ابنائها”.
“كتائب البعث” جديد الأسد في دمشق
في ظل عدم وجود فرص عمل، عمد النظام من خلال الترغيب والترهيب، بحسب ما يذهب إليه ( ج . ب )، 45 عاما وهو أحد الساكنين في دمشق منذ الثمانينات، إلى جر شريحة من الشباب العاطل عن العمل، للتورط معه في تشكيل لجان وكتائب عبر ترغيبهم برواتب شهرية تصل إلى عشرين ألف ليرة سورية، مقابل أن يقوم هؤلاء بوضع حواجز في الحارات العليا من الجبل، لحمايتها من عناصر الجيش الحر الذين سبق وأن قاموا بعمليات نوعية فيها.
لكن ( ج . ب ) يؤكد أن النظام بعد مدة من نجاحه في ضم هؤلاء الشبان إلى ميلشيات جديدة، تحت مسمى “كتائب البعث”، عمد إلى دفعهم إلى الخطوط الأمامية في الجبهات، فكانت النتيجة أن العشرات منهم عادوا إلى الحارة محملين على الأكفان، وهو ما يظهر كيف أن النظام تمكن من الإيقاع بهؤلاء الشبان، الذين أوهموا بأن مهمتهم ستبقى فقط الحفاظ على أمن أحيائهم مقابل رواتب شهرية مغرية، فكانت النتيجة أن فقدو حياتهم في معارك ضد من خرجوا من أجل حريتهم.
هجرة خارجية ومخاطر الداخل
تعود بداية الهجرة العكسية للكورد من دمشق تجاه مناطقهم، إلى نهايات السنة الأولى من عمر الثورة حيث شهدت مناطق الريف الدمشقي حالة حرب نتيجة هجوم النظام عليها، ما دفع الكثير من العوائل ممن كانوا يستقرون في مناطق مختلفة من الريف (السيدة زينب والسبينة والحجيرة وشبعا) منذ عشرات السنين إلى النزوح، وكذلك دفع سكان الاحياء جنوب العاصمة كالقدم والدحاديل إلى التفكير في العودة إلى مناطقهم الاصلية، تلك المناطق التي هجروا منها نتيجة الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة سابقا.
ورغم أن (أبو أزاد) يقرّ بوجود أسباب ودوافع جدية، وقفت وراء هجرة العوائل الكوردية في الريف وبعض ضواحي دمشق، الذين اضطروا إلى ترك منازلهم وممتلكاتهم، إلى أن الحال هذه، وفق وجهة نظره، لا تنطبق على تلك العوائل التي تستقر في حي الأكراد ووادي المشاريع، كي يقوموا ببيع منازلهم و ممتلكاتهم، بأسعار زهيدة وصرف ما بحوزتهم من أموال، عبر طرق تهريب تكلف الملايين من أجل الهجرة إلى خارج البلاد.
لكن ما يدعو للأسف بحسب (أبو أزاد) أن غالبية هؤلاء لا يعودون إلى مناطقهم التي أتوا منها وهي تحظى بأمان نسبي، بل يفضلون الهجرة إلى البلدان الأوربية طلبا للجوء.
“مختار المهاجرين”..لا مكان لغير الشبيحة
في ظل استمرار النظام في حربه الدائرة على البشر والحجر، تبدو استراتيجيته في الأحياء التي تقع تحت سيطرته في العاصمة، ومن ضمنها حيا ركن الدين ووادي المشاريع (زور آفا)، هي العمل على إفراغها من جميع من لا يحسب على المؤيدين، سواء أكانوا من المحسوبين على الثورة أو المحسوبين على الفئات الصامتة، وذلك في حال لم يتم كسبها عبر الترغيب والترهيب، وبالتالي فحملات الدهم والاعتقال ليست سوى تكتيك يستهدف “تطهير” مناطق النظام، من جميع الفئات التي يحتمل أن تشكل تهديدا محتملا عليه، في حال انقلبت الموازين في قادم الأيام.
أورينت نت- (دمشق- جانو شاكر)
2/8/2014