الأسد مستعد لقلب الطاولة على الأكراد
هوشنك أوســـــــي
بالتزامن مع تزايد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومسؤولين أتراك آخرين والتي يدعون فيها إلى الإبقاء على نظام الأسد، و «أن اختيار رئيس سورية يقرره الشعب السوري»، وكلام من هذه الطينة، علماً أن الأتراك كانوا الأكثر إصراراً على رحيل الأسد، بالتزامن مع كل ذلك، بدأت أنقرة تدخلها العسكري والفعلي المباشر، عبر قيام بعض المجاميع العسكرية (السوريّة) بغزو منطقة جرابلس، تحت ذريعة «تحريرها من داعش». ويمكن القول إن قصف النظام السوري للحسكة، كان الضوء الأخضر لبدء العملية العسكرية التركية في جرابلس.
وطبعاً، لن يتجاسر «الائتلاف» على انتقاد التدخّل العسكري التركي في سورية! في حين أن من كان يعترض على الغزو الإيراني لسورية، من المفترض به الاعتراض على الغزو التركي أيضاً. من دون أن نغفل أنه بإمكان العناصر الأمنيّة التركيّة المتواجدة على الأراضي السوريّة، قصف القرى التركيّة، بكم صاروخ، ثم التسويق لفرضيّة أن «داعش» هو الذي يقصف، في مسعى تبرير الغزو، سواء على الصعيد الداخلي التركي أم الإقليمي والدولي.
فما حصل من اشتباكات في الحسكة بين النظام السوري والمقاتلين الكرد التابعين لحزب (PYD)، كان بمثابة رسالة أسديّة الى أنقرة، مفادها: ان نظام الأسد مستعد لقلب الطاولة على الحزب الأوجلاني السوري والإطاحة بكل المكتسبات الكردية، شرط قيام الحكومة التركيّة بفعل الشيء نفسه مع الكتائب الإسلاميّة المتطرفة المدعومة من أنقرة والتي تقاتل النظام السوري. ونظام الأسد يريد اختبار مدى جديّة الحكومة التركيّة، لذا لم ينفض يده تماماً من حزب (PYD). ولو كان الأمر هكذا، لما لكان النظام ضرب القامشلي وعفرين وكوباني. وبالتالي، نظام الأسد، ينتظر ما يمكن أن تقدّمه أنقرة من خدمات له، لقاء نفض الأيدي من حزب «الاتحاد الديموقراطي».
بهذه الاشتباكات، حاول نظام الأسد جسّ نبض التحالف، ومدى جديّته في حماية حلفائه على الأرض، «المقاتلين الأكراد». وكان ردّ البنتاغون أنه سيدافع عن الكرد ولن يسمح للنظام بالاعتداء عليهم.
وأعتقد أن الوساطة الروسية بين حزب PYD ونظام الأسد، كانت بضغط أميركي، لئلا يمنح نظام الأسد الحجة لواشنطن كي تستهدف طيرانه، أو تفرض حظراً جوّياً على المنطقة الكرديّة. كذلك التوقيع على الهدنة أو وقف إطلاق النار (بشروط ترجّح كفّة حزب PYD) في قاعدة «حميميم» الروسيّة في سورية، أعتقد أنه مشورة أميركيّة، بهدف إلزام الجانب الروسي، كراع لهذا الاتفاق، بحمايته، والضغط على نظام الأسد، في حال أخلَّ ببنوده مستقبلاً.
بتعبير آخر، الاتفاق الذي تمّ بين حزب PYD ونظام الأسد، هو أقرب إلى الهدن والاتفاقات التي كانت تجرى بين «حركة أمل» و «حزب الله» اللبنانيين، أو بين الأطراف الموالية للنظام السوري على الأرض اللبنانية، بعد جولات اقتتال عنيفة. فلا الاقتتال كان يعني فض التحالف. ولا فض الاشتباك كان يعني نهاية الاقتتال. وعليه، ما زال من المبكّر الحديث عن قطيعة تامّة بين نظام القرداحة والحزب الاوجلاني السوري. وإذا كان هنالك من إيجابية للاشتباكات التي شهدتها الحسكة، فهي أنها وسّعت مناطق السيطرة التابعة لحزب PYD لكن النظام ما زال باقياً فيها، كمربّعات أمنيّة في الحسكة والقامشلي ومطارها. ما يعني أن الحديث عن «التحرير» الذي يثيره حزب PYD وأنصاره هو للاستهلاك المحلّي الكردي وحسب.
من جانب آخر، أضافت هذه الاشتباكات المزيد من التعرية الى الكثير من أطراف المعارضة السورية وشخصياتها، على أنها تقبل بنظام الأسد، ولا تقبل بسلطة كرديّة، كائناً من كان يمثّلها. شأنها في ذلك شأن النظام التركي. إلى درجة بات المرء يحتار في تصنيف هؤلاء المعارضين، أهم تلاميذ اردوغان «الأخوانجي» النجباء، أم من تلاميذ الأسد، مجرم الحرب والطاغية، الأوفياء؟!
أعتقد أن هنالك تفاهماً روسياً – أميركياً مشتركاً بخصوص الوضع في سورية، من غير المسموح للأدوات أو اللاعبين الصغار، كالنظام السوري وحزب PYD و «الائتلاف» السوري المعارض، وحتى اللاعبين الإقليميين كتركيا وإيران، من غير المسموح لهم المساس به أو التشويش عليه. هذا التفاهم المشترك، يشكّل الوضع السوري جزءاً منه، إلى جانب رقعة جغرافيّة أوسع، تتضمّن إعادة توزيع النفوذ في أوكراينا وجمهوريات آسيا الوسطى…، وكل مناطق تماس النفوذ الأميركي والروسي. وعليه، هذا التفاهم يقضي بترحيل حل الأزمة السورية إلى ما بعد الانتهاء من خطر «داعش» والتنظيمات التكفيريّة كأولويّة أميركيّة وأوروبيّة.
من دون أن ننسى أن هذا الأمر هو ما سعى إليه نظام الأسد وحليفاه الإيراني والروسي، ونجحوا في إقناع واشنطن وبروكسيل به. لكن في مطلق الأحوال، سيصار إلى ترتيب الأوضاع في سورية لاحقاً، سواء على مستوى رأس النظام ومن سيكون؟، وشكل إدارة الدولة ودستورها. وربما لن يستغرق ذلك المدّة نفسها التي استغرقتها إطاحة نظام صدام حسين (1991-2003)، ولكن، ربما السنة الثانية من حكم الإدارة الأميركيّة القادمة ستكون حاسمة في ما يتعلّق بالوضع السوري. لحين ذلك، ستكون التقسيمات الحالية (مناطق الأكراد، مناطق السنّة، مناطق العلويين، مناطق الدروز…) قد تكرّست أكثر، وبات من العسير جداً إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل 2011.
كذلك، ستحاول تركيا جر حزب العمال الكردستاني، عبر اوجلان، مجدداً إلى دوامة المفاوضات والتسويف والمطمطة والخداع مجدداً. في حين ستسعى أنقرة الى استعادة جزء مما خسرته في سورية. فهل ستنجح في ذلك؟ أم أن الغزو التركي لمدينة جرابلس السوريّة، هو «الفخ» الأميركي أو الإيراني لفتح أبواب «الخراب والجحيم» السوري على تركيا؟ أو ما يمكن وصفه بـ «سورنة» تركيا.
الحيـــــــــاة