
الإعلان الأممي لعام 2007 حول حقوق الشعوب الأصلية وتطبيقه على الشعب الكُردي في كُردستان وسوريا
المحامي أكرم شمو
مقدمة:
في عام 2007 اعتمدت الأمم المتحدة إعلاناً تاريخياً يهدف إلى ضمان حقوق الشعوب الأصلية التي ارتبط وجودها عبر التاريخ بأراضيها وثقافتها الخاصة.
هذا الإعلان يُعتبر دعامة قانونية دولية لحماية حقوق الشعوب التي تعيش على أراضيها الأصلية قبل سيطرة أو استعمار جماعات أخرى، في هذا السياق، تثار تساؤلات حول إمكانية تطبيق هذا الإعلان على الشعب الكُردي الذي يعيش في كُردستان المقسّمة بين خمس دول، وبالأخص الكُرد في سوريا الذين يواجهون سياسات تمييزية تستهدف طمس هويتهم.
ــ تعريف الشعوب الأصلية في إعلان الأمم المتحدة:
بينما لا يقدّم الإعلان الأممي تعريفاً محدداً للشعوب الأصلية، فإنه يستند إلى مجموعة من المعايير التي يمكن من خلالها تصنيف هذه الشعوب وفقاً للإعلان، تشمل هذه المعايير:
1- الأصل التاريخي الطويل: الشعوب الأصلية هي التي استوطنت مناطق معينة قبل وصول مستوطنين أو غزاة جدد، مما يجعل لها تاريخاً طويلاً في الارتباط بالأرض.
2- الهوية الثقافية المميزة : تحتفظ هذه الشعوب بلغتها وتقاليدها الخاصة التي تختلف عن ثقافة المجتمع المهيمن.
3ــ الارتباط الروحي والطبيعي بالأرض : يتمتعون بعلاقة عميقة ومتواصلة مع أراضيهم التي تشكّل جزءاً من هويتهم الثقافية.
4ــ الهوية الجماعية : تعرف الشعوب الأصلية نفسها وتُعرف من قبل الآخرين على أنها جماعات متميزة ثقافياً واجتماعياً.
5 ــ التمييز التاريخي والمظالم : عادة ما تكون هذه الشعوب ضحايا للتمييز، وتسعى للدفاع عن حقوقها ووجودها في مواجهة التحديات المستمرة.
ـ الفرق بين الشعوب الأصلية والشعوب الأصيلة :
على الرغم من التشابه بين المصطلحين، فإنّ “الشعوب الأصلية” (Indigenous Peoples) يُستخدم بشكلٍ أوسع للإشارة إلى المجموعات التي لها تاريخ طويل في الإقامة على أراضيها، بينما “الشعوب الأصيلة” (Aboriginal Peoples) يُستخدم عادةً في سياقات محددة مثل أستراليا وكندا.
ــ الشعب الكُردي تصنيف ومصطلحات:
يواجه الشعب الكُردي، الذي يعيش في مناطق تمتدّ بين تركيا، إيران، العراق، سوريا وأرمينيا، تحديات كبيرة في الحفاظ على هويته وثقافته.
وعلى الرغم من عدم وجود تعريف دولي مباشر للكُرد كشعبٌ أصلي (Indigenous)، فإنّ المعايير المعتمدة في إعلان 2007 تجعل من الممكن تصنيفهم ضمن الشعوب الأصلية، نظراً لأصلهم التاريخي الطويل ولارتباطهم الروحي والطبيعي بالأرض وهويتهم الثقافية المميزة وتعرضهم المستمر للتمييز.
ورغم أنّ هناك خلطاً بين مصطلح ” الشعوب الأصلية” و “الشعوب الأصيلة”(Aboriginal)، فإنّ الشعب الكُردي يُعتبر أقرب إلى الشعوب الأصلية وفقاً لمعايير الأمم المتحدة.
ــ الكُرد في سوريا وسياسات التمييز والتهميش:
منذ عقود، يواجه الكُرد في سوريا سياسات قمعية هدفت إلى محو وجودهم التاريخي والثقافي. ففي عام 1962، نفذت الحكومة السورية إحصاءً استثنائياً في محافظة الحسكة أسفر عن تجريد آلاف الكُرد من الجنسية السورية، ما جعلهم في وضع قانوني هش. فيما بعد في عام 2011 صدر مرسوم التجنيس والذي بموجبه تمّ إعادة الجنسية السورية لقسم منهم، ولايزال هناك قسم منهم غير مسجلين حتى الآن ويعتبرون مكتومين ومحرومين من حقوق المواطنة .
كما شهد عام 1973 تنفيذ “مشروع الحزام العربي” الذي استهدفت الحكومة من خلاله توطين عرب من محافظتي حلب والرقة على طول الحدود مع تركيا، وتجريد الكُرد من أراضيهم هذه السياسات لم تقتصر على الاستيلاء على الأراضي، بل امتدّت إلى فرض اللغة العربية ومنع استخدام اللغة الكُردية في الحياة العامة والتعليم كما تمّ تغيير أسماء القرى والبلدات والمدن الكُردية إلى أسماء عربية ومنع تسمية الأطفال بأسماء كُردية، كل هذه الممارسات تهدف إلى القضاء على الهوية الكُردية، مما يستدعي تدخلاً دولياً وأممياً فعّالاً لحماية هذا الشعب من مخاطر الضياع الثقافي والوجودي.
ــ بعض النصوص الداعمة من الإعلان والمعاهدات الدولية :
تأتي نصوص إعلان الأمم المتحدة لعام 2007 لتعزيز حقوق الشعوب الأصلية، بما في ذلك حقهم في تقرير مصيرهم تنصّ المادة (3) من الإعلان على أنّ ” للشعوب الأصلية الحق في تقرير المصير وبمقتضى هذا الحق تقرّر هذه الشعوب بحرية وضعها السياسي، وتسعى بحرية لتحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.”
وهو حق طالما نادى به الشعب الكُردي في مختلف مناطق تواجده.
كما تُؤكّد المادة / 26/ من الإعلان على أنّ ((1ـ للشعوب الأصلية الحق في الأراضي والأقاليم والموارد التي امتلكتها أو شغلتها بصفة تقليدية، أو التي استخدمتها أو اكتسبتها بخلاف ذلك.
2ــ للشعوب الأصلية الحق في امتلاك الأراضي والأقاليم والموارد التي تحوزها بحكم الملكية التقليدية أو غيرها من أشكال الشغل أو الاستخدام التقليدية، والحق في استخدامها وتنميتها والسيطرة عليها، هي والأراضي والأقاليم والموارد التي اكتسبتها بخلاف ذلك.))
هذا النص يشكّل دعماً لمطالب الكُرد في سوريا باستعادة أراضيهم التي تمّ الاستيلاء عليها في إطار مشاريع حكومية.
ـ اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 تضمن هي الأخرى حقوق الشعوب الأصلية، حيث تنصّ المادة (30) منها على أنّ ((في الدول التي توجد فيها أقليات إثنية أو دينية أو لغوية أو أشخاص من السكان الأصليين، لا يجوز حرمان الطفل المنتمي لتلك الأقليات أو لأولئك السكان من الحق في أن يتمتّع، مع بقية أفراد المجموعة، بثقافته، أو الإجهار بدينه وممارسة شعائره، أو استعمال لغته)) ومن هذه المادة يتبيّن أنّ حق الأطفال من الأقليات والشعوب الأصلية في الحفاظ على هويتهم الثقافية واستخدام لغتهم، وهو حق يُعتبر محورياً لحماية اللغة والثقافة الكُردية في سوريا
– خاتمة :
إن الشعب الكُردي في سوريا وباقي أجزاء كُردستان يواجه تحديات سياسية وثقافية خطيرة تهدّد وجوده وهويته ورغم عدم وجود تصنيف مباشر للكُرد كشعب أصلي في النصوص الدولية، فإنّ إعلان 2007 واتفاقيات حقوق الإنسان توفّر إطاراً قانونياً قوياً لدعم مطالبهم وحماية حقوقهم يتطلّب الأمر تدخلاً دولياً فعالاً لحماية هذا الشعب من السياسات التمييزية التي تهدّد بطمس هويته وتاريخه.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “326”