الاتحاد الأوروبي بين مطرقة موسكو وسندان واشنطن
بقلم علي تمي/ كاتب وسياسي
يقول قائل : إنّ الاتحاد الأوروبي ساهم، بالتنسيق مع واشنطن، في إشعال أزماتٍ جديدة في الشرق الأوسط؛ لأنه يعاني اليوم من أزمات متعددة، أبرزها الحاجة الملحة إلى الأيدي العاملة الفتية، وبالتالي خلال العقدين المقبلين ،من المحتمل أن تتوقّف المصانع عن العمل ؛ لأنه في نهاية المطاف تعتمد هذه القارة على الصناعة ،سواءً كانت عسكرية أم مدنية ،وبالتالي كلّ ما يحدث منذ 2011 كان مخططاً له بشكلٍ مدروس ودقيق ،وهناك مَن يقول بأنّ واشنطن وموسكو تتبادلان الأدوار لوقف التطور الحاصل في أوروبا، بعد تعاظم قوة ألمانيا العسكرية والصناعية ، وزيادة إنتاجها المحلي والاقتصادي بشكلٍ عام، وتصاعد قوة فرنسا النووية، والخبرة البريطانية في الحروب، وبالتالي هذا التصاعد في الصناعة والقوة العسكرية إن اجتمع تحت سقف ( اليورو)- بحسب الاعتقاد الأمريكي – سيضعف النفوذ الأمريكي ويدفع بواشنطن إلى فقدان السيطرة على قيادة العالم ، لذا من مصلحتها أن تكون القارة الأوروبية مفكّكة وضعيفة؛ لتبقى تحت قبضتها والهيمنة على قرارتها المصيرية، بينما موسكو هي الأخرى دخلت على الخط بعد 2015، بعد التدخل العسكري في سوريا لصالح النظام السوري، حيث قلّبت موازين القوى على الأرض ، وفرضت اتفاقات الاستسلام لصالح النظام لم تكن تحلم بها يوماً. كلّ هذه التطورات والإجراءات شكّلت قناعةً لدى زعماء البيت الأبيض ، بأنّ تطور القارة الأوروبية نحو المزيد من التقدم والازدهار ، والتمدد الروسي في القوقاز والشرق الأوسط، كلّ ذلك سيعيق وسيفقد شرعية مخططاتهما في العالم ، والحديث هنا عن محاولة وقف تمدد أطماع “بوتين” نحو الهجوم والسيطرة” ومحاولته فرض قواعد جديدة في المشهد الدولي.
الغزو الروسي لأوكرانيا دفع بواشنطن إلى أن تقرع أجراس الخطر، وتحثّ حلفاءها الأوروبيين على التحرك و التحضير للمواجهة المفتوحة؛ لأنّ زعماء البيت الأبيض لديهم اعتقاد سائد بأنّ انتصار ” بوتين” في أوكرانيا يعني أنّ دول الاتحاد الأوروبي ستكون الوجبة التالية له، والجميع يعلم أنّ سيد الكرملين في موقفٍ لا يُحسَد عليه اليوم داخل جبهة أوكرانيا (جرت الرياح بما لا تشتهي السفن), وكلام “جو بايدن” الموجّه له، إبان عبور جيشه الى الأراضي الأوكرانية، عندما خاطبه بالحرف سيد بوتين, لا يحقّ لك تغيير الخرائط في العالم، واللعب بالتوازنات الدولية القائمة منذ الحرب العالمية الثانية)
وهنا و بغضّ النظر مَن الرابح والخاسر في هذه المعركة تبقى حالة الفوضى والدفع بالأوكرانيين نحو اللجوء إلى أوروبا هو بيت القصيد.
ماذا لو فتحت تركيا حدودها أمام اللاجئين للتوجه نحو أوروبا ؟
لا شكّ أنّ الاتحاد الأوروبي وجد نفسه اليوم أمام أكبر أزمةٍ تعصف به منذ الحرب العالمية الثانية، فتركيا وبحكم موقعها الجيوستراتيجي الذي يشكّل صلة وصلٍ بين العالمين، الشرقي والغربي، أصبحت هدفاً وملاذاً لتدفق ملايين اللاجئين الهاربين من الحروب والصراعات من كافة أصقاع العالم، وتحديداً من أفغانستان والعراق وسوريا باتجاه أوروبا ، نتحدّث هنا عن عشرة مليون مهاجر ولاجئ يطمحون اليوم في الوصول إلى القارة العجوز ، وبالتالي الإجراءات التي تتخذها تركيا، هنا وهناك، على حدودها تحدّ من تدفقهم، ولو نسبياً، ووصولهم إلى أوروبا .
يبدو أنّ مقولة (الاتحاد الأوروبي يحصد ما زرعه ) باتت دقيقة نوعاً ما، حيث كان بإمكان هذه القارة أن تتجنّب هذه الكارثة، من خلال المساهمة في إعادة الأمن والاستقرار في الدول التي تشهد الحروب والصراعات ،لا أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام مخططات واشنطن في الشرق الأوسط، فتدفع الثمن بمفردها، بحيث أصبحت المسألة تحت رحمة “أردوغان” والذي بمجرد فتح حدود بلاده أمام تدفق اللاجئين ستعصف أزمات من كلّ الجهات بأوروبا؛ ولأنّ المواطن الأوروبي لن يقبل بتاتاً أن يتمّ الاعتداء أو التقرب من رفاهيته ولقمة عيشه وفرص عمله، وبالتالي وصول ملايين اللاجئين الى هذه الساحة، ستفقده العديد من الامتيازات الممنوحة له من الدولة، سيشكّل كلّ ذلك ردة فعلٍ حتمية له، وربما يؤدّي إلى تساقط الحكومة تلو الأخرى ، كما حدثت مع حكومة “جونسون” في بريطانيا مؤخراً.
الخلاصة:
الاتحاد الأوروبي يجد نفسه اليوم أمام تحدياتٍ جديدة، وكارثةٍ لا يمكن الوقوف في وجهها،الحديث عن عشرة مليون لاجئ، وجهتهم الأخيرة هي الاتحاد الأوروبي ليس بالأمر السهل ، وبالتالي وقف هذه الكارثة لا يتمّ من خلال وضع الأسلاك الشائكة وبناء السواتر على حدود اليونان و بلغاريا وأسبانيا بل بالتحرك الفوري نحو الدول التي تشهد فيها الحروب والصراعات والعمل على وقفها فوراً ،والمساهمة الفعّالة في إعادة الأمن والاستقرار إليها ، والعمل على تحقيق طموحات الشعوب ولو بحدّها الأدنى، ودعم المشاريع التنموية فيها من خلال المنظمات الدولية ، والكفّ عن التلاعب بالمنظمات الإرهابية في الشرق الأوسط التي باتت تشكّل العامل المساهم في خلق الفوضى وعدم الاستقرار.
بالمحصلة، من مصلحة واشنطن وموسكو أن تكون أوروبا ضعيفة ومفككة، وهذا لا جدال عليه، ومن مصلحة واشنطن أيضا أن تتمّ الإطاحة بعملة” اليورو” واستبعادها عن حلبة المنافسة مع الدولار، وفي حال فتحت تركيا حدودها على مصراعيه أمام ملايين اللاجئين, ستغرق أوروبا في أزماتٍ جديدة ، حتماً ستؤدّي الى سقوطٍ مدوي للحكومات الأوروبية واحدةٍ تلو أخرى، وبالتالي تعود القارة الأوروبية الى حقبة الأربعينات من القرن الماضي ، وحتى لو اتخذت إجراءات احترازية صارمة، للحدّ من وصول اللاجئين إليها، فلن تحقّق النتائج المرجوّة منها ، ومحكوم عليها سلفاً بالفشل .
لذا بات مطلوباً اليوم من المجتمع الدولي العمل على حماية أولئك الذين يضطرّون إلى الفرار من ديارهم ؛ بسبب الصراع والاضطهاد والقمع، والتدخل العاجل لإعادة الأمن والاستقرار الى الدول المنكوبة والتي أصبحت شبه مفلسة اقتصادياً؛ نتيجة انزلاقها نحو حروبٍ وصراعات داخلية وخاصةً سوريا وليبيا واليمن.
إن لم يتحرّك الاتحاد الأوروبي في هذا الاتجاه ،فلن يبقى مواطنٌ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلا وسيحاول الوصول الى هذه القارة، وبعدها لن يستطيع أحد إعادة عقارب الساعة إلى الخلف، وربما تخرج الأمور عن السيطرة، وليس مستبعداً أن تنزلق هذه القارة برمّتها إلى حالة فوضى هي بغنى عنها، وبالتالي الحديث عن أزمة الطاقة في أوروبا أصبح أيضاًالشغل الشاغل للحكومات والمواطن الأوروبي على حدٍّ سواء، وتضاف إليها أزمة اللاجئين اللتان باتتا تشكّلان عامل رعبٍ وقلق لدى الجميع ..
والسؤال الذي بات يطرح نفسه بقوة.. إلى متى وإلى أي مدى تستطيع الحكومات الأوروبية الصمود أمام أزمة الطاقة وموجة اللاجئين التي تعصف بها من كلّ حدبٍ وصوب؟