آراء

الانتخابات الأمريكية، اختبار الديمقراطية

فرحان مرعي

تاريخ الشعوب، هو تاريخ تعاقب الحضارات والثقافات، تعلمنا التاريخ البشري المكتوب، والذي يعود إلى أكثر من خمسة آلاف سنة منذ الحضارة السومرية، أن عشرات الحضارات البشرية، قامت، وازدهرت، ثم تآكلت، واندثرت تحت الرمال، وقامت حضارات أخرى ، هذا هو شأن الحضارات الحالية في العالم- ، لا استثناء في البقاء، والخلود لأية حضارة، – وخاصة الحضارة الغربية، والأمريكية على وجه الخصوص، صحيح أن هذه الحضارات عمرها أكثر من خمسمائة سنة، التي بدأت مع عصور النهضة، والثورات الفرنسية، والأمريكية وحققت إنجازات عظيمة لخدمة الإنسان، وأنها لن تندثر، وتنهار بسهولة، ولكن الحياة، وطبيعة العمران البشري، والصيرورة، تؤكد أن هذه الحضارات في حالة تراجع، والتصدع شيئاً فشيئاً، وسيبدأ الإنحدار، والتآكل الذاتي، وستسقط نظريات الهيمنة.

فالديمقراطية الأمريكية، وقوتها، لم تعد المثال والنمو ج الأمثل في العالم، مع بروز أقطاب دولية، وحضارات مدنية واقتصادية واجتماعية تنافس الحضارة الغربية والأمريكية، وخاصة في الشرق الآسيوي ،في الصين واليابان، وكوريا الجنوبية و دول آسيوية التي تنمو بمعدلات عالية على مختلف الأصعدة، المدنية والاقتصادية واضح في التجربة التاريخية، تبادل الأدوار الحضارية، وانتقالها من الشرق إلى الغرب وبالعكس.

حقيقة، لقد طفت على السطح عوامل تضعضع الديمقراطية الأمريكية، وقوتها في العقدين الآخرين، في كثير من الملفات العسكرية، والاقتصادية والدولية، وما مجريات وتداعيات الإنتخابات الرئاسية الأخيرة خير دليل على ما نذهب إليه، أن تمسك ترامب بالسلطة وعدم اعترافه بالهزيمة ، والانقسام الحاد في الشارع الأمريكي بين الجمهوريين والديمقراطيين، والحديث المتكرر عن تزوير الانتخابات، ما هي إلا دلائل عن بدايات تقسخ الديمقراطية الأمريكية، وفقدان حاذبيتها التاريخية التي كانت تتغنى بها الشعوب المغلوبة على أمرها، كما تظهر بوادر انكماش الدور الأوربي على الصعيد العالمي وبوادر انتشار التطرف الديني ،والإرهاب في اوربة، نتيجة الهجرات من مناطق الفوضى والفقر والتخلف ، واعتماد هذه الدول في علاقاتها الاقتصادية الدولية على تجارة الحرب، ونشر الفوضى والتوتر في العالم المتخلف ، ودعم الإستبداد في الشرق وغيرها، مما أدت إلى انعكاس هذه السياسات على اوربة وأمريكا سلباً، وظهرت جليا في السنوات الأخيرة تفشي الإرهاب والعمليات الإرهابية والتطرف في اوربة، مما قد يقوض من النظام الديمقراطي فيها، كما إن الحضارة الأمريكية – أن صح التعبير – ليست بمعزل عما يجري في العالم، وليست هي خارج وفوق القوانين الطبيعة البشرية في الكمال والزوال. فالديمقراطية هي عنوان اساسي للحضارة الأمريكية التي تتمثل أكثر في الانتخابات الرئاسية، وتداول السلمي للسلطة، والحريات الفردية، والأعلام الحر، ولكن نظرة واقعية خلال العقدين الآخرين تكشف انحدار في هذه المظاهر الديمقراطية، فليست الإنتخابات الرئاسية الحالية، ٢٠٢٠، حالة طارئة وشاذة، فمع مرور أكثر من عشرين يوم على هذه الانتخابات مازالت نتيجتها لم تحسم، نتيجة الطعون القانونية بنزاهة الانتخابات وتهم التزوير، مع إصرار ترامب على عدم الاعتراف بالنتائج، كل ذلك تضع الديمقراطية الأمريكية على المحك وإمكانية ديمومتها واستمراريتها .

 

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “280”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى