التصعيد في إدلب بين الأسباب والتوقيت
عبد الله كدو
لقد كانت مسيرة العلاقات التركية الروسية، التي بدت دافئة على مدى السنوات الأربع الفائتة، استثناء، بينما الأصل بين الدولتين هو الخلاف، حيث ظلت تركيا تمثل إرادة حلف الناتو، على مدى عقود في ترقب التحركات العسكرية للاتحاد السوفياتي ثم روسيا و التصدي لها.
و جدير بالذكر إن الخلاف الروسي التركي يتجاوز الساحة السورية، ليطال أوكرانيا، التي زارها الرئيس التركي مؤخرا في سياق التجاذب التركي الروسي الجديد، و كذلك هناك خلاف حول ليبيا.
و الأمر الجديد هو أن الضربة العسكرية ضد قافلة تعزيزات تركية في إدلب، في بدايات شباط، زادت من احتمال حدوث صدام عسكري مباشر بين روسيا و تركيا، حيث أعلنت انقرة بأن القافلة كانت متجهة نحو إحدى نقاط المراقبة الأمنية التابعة لها في منطقة خفض التصعيد، أما روسيا فقد بررت عملية القصف بأن” التعزيزات كانت في طريقها إلى عناصر إرهابية”.
و لكن تركيا استخدمت نبرة مختلفة جديدة في مخاطبة روسيا، تمثلت بقول وزير الدفاع خلوصي اكار، حين أعلن بأن تركيا ستتخذ كل التدابير اللازمة لإرغام الأطراف غير الممتثلة لوقف إطلاق النار في إدلب، على الالتزام به، بما في ذلك الجماعات الراديكالية. وتوحي هذه التصريحات بأن تركيا ملتزمة باتفاق سوتشي، لكنها بالمقابل مستعدة للمضي على الصعيد العسكري ايضاً، إذا لم تلتزم الأطراف الأخرى بذلك.
وهنا من المفيد الإشارة إلى أن الكرملين قد أعلن، بعد المحادثة الهاتفية بين الرئيسين بوتين و اردوغان، بأن المطلوب هو تنفيذ اتفاق سوتشي، بمعنى أن روسيا لن تذهب إلى ما هو أبعد من هذا الاتفاق.
و الملفت أن وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو انخرط في هذا الخلاف، وأيد تركيا التي استُهدفت قواتها من قبل قوات النظام السوري، ذلك باعتبارها “الحليف في حلف الناتو”، كرسالة حاول بومبيو تمريرها إلى موسكو عبر أنقرة، كتتمة لما جرى من تقارب بين أنقرة و واشنطن في سوريا مؤخراً، على خلفية موقف واشنطن من قوات سورية الديمقراطية خلال العملية العسكرية التركية في سري كانييه – رأس العين- و تل ابيض، والذي جاء لصالح تركيا. ومن المعروف أيضاً بأن امريكا تعارض الحضور العسكري الروسي حول حقول النفط في شمال شرقى البلاد، وهو ما يبدو أنه يحظى بقبول من جانب أنقرة.
أما بالنسبة للنظام السوري، فإن اندفاع قواته لمواصلة عملياتها العسكرية في إدلب مستمر، معتبراً أنه ليس طرفاً في سوتشي، وأن ” التواجد التركي غير قانوني ويشكل عملاً عدائياً صارخاً “بحسب القيادة العامة لجيش النظام”.
وواضح بأن النظام يهدف السيطرة على الطريقين الدوليين “M5″ و”M4” في إدلب، واللذين تتوزع عليهما نقاط مراقبة تركية، اي هما منطقة عمليات عسكرية، و أن الطرفين، أصبحا فعلياً وجهاً لوجه في هذه المنطقة.
و لكن السؤال المهم هو: من دفع للمعركة و لماذا الآن؟.
قد تكون روسيا هي من دفعت إلى هذه المعركة، بسبب ما يقال عن بنائها قاعدة شمال حماة، في المنطقة المتاخمة لإدلب، و عليه فإن تحشُّد الفصائل المسلحة في إدلب يجعلها في مرمى نيرانها. وسيستمر ذلك احتمالاً قائماَ، كما هي حال قاعدة حميميم، حيث اتهمت روسيا المعارضة المسلحة بالمسؤولية عنه. ولهذا الأمر فإن روسيا لن توفر جهداً في القضاء على أي جيبٍ تعتبره تهديداً لقاعدة عسكرية لها خارج أراضيها.
كما يدفع الروس إلى القيام بعملية عسكرية، ايضاً، ربما خوفهم من أن حلاً سياسياً وفق مبادئ جنيف قد يفقدهم ما حققوه من اتفاقياتٍ طويلة الأمد، ومنها ما هو مُجحف بحق الطرف السوري، فقد يتضمن اتفاق الحل السلمي في سورية، وفق تلك المبادئ، بنداً ينص على إعادة النظر في جميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي أبرمتها الحكومة السورية في زمن الحرب، كونها أُبرمت في ظروفٍ استثنائيةٍ من النزاعات التي شملت معظم أراضي البلاد. وفي هذه الحال، ستعد جميع الاتفاقيات التي عقدتها روسيا مع الحكومة في دمشق لاغية، ومنها المتعلقة بالتنقيب عن النفط والغاز، و اتفاقية إدارة ميناء طرطوس، وغيره من المرافق.
إضافة إلى احتمال تطبيق قانون سيزر بعد دخوله حيز التنفيذ في الصيف القادم، حيث قد يحرم الروس و غيرهم من امكانية الاستمرار في دعم النظام.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “271”