الثقافة وتأريخ الهيمنة الثقافية
وليد حاج عبدالقادر – دبي
تقديم ج ١ بدايةً سيكون من المفيد التركيز في هذه المقدمة ولو باختزالٍ شديد على بعضٍ من المفاهيم الخاصة بالثقافة، والتي يمكن اختزالها تعريفاً بأنها ( .. صرخة البشر في وجه تسارع وتيرة الحياة المادية والطغيان المعرفي ، وهي التي تمنح المرء امتياز امتلاك تفكير ورؤية خاصة به للحياة .. الثقافة هي أن تستخدم ما تعرف في تكوين مفهوم متكامل للعالم من حولك .. وتدرك كيفية التعامل معه بتوازن وعدالة وموضوعية .. وهي ليست ما يتعلّمه الإنسان في المدارس والجامعات ومن أمهات الكتب ومتابعة البرامج والحياة والمنتجات الثقافية .. ) – غوغل – ( .. والمثقف هو مَن ينتصر على نفسه ، ليكون عادلاً معها قبل أن يكون كذلك مع الآخرين .. ) ، إلا أنّ بعضاً من المجتمعات المهووسة بتفوق بيئات ومجتمعات ما بلغاتها وبدونية فظة يسعى أولئك البعض في تقليدهم وتقمص ثقافاتهم تدفعهم إلى ذلك عامل الزهو بغير واقعه إلى الضياع والذوبان ! هذا النمط المحوّط تصنيفاً بفئة المهمّشين ثقافياً ، والذي لاحظه وبأشكالٍ مختلفة د . عبدالله الجسمي وأفرد لها حيزاً مهماً في مقالٍ له بصحيفة الرؤية الإماراتية عدد السبت ١٧/ ٨/ ٢٠١٩ وذلك بعد تعريفه المبسّط ( .. للثقافة الحديثة .. التي جاء بها التطور العلمي والفكري منذ عصر النهضة والعصر الحديث في أوروبا ، وتتميّز بسمات وأسس معينة تختلف عن الثقافات التي سادت قبل العصر الحديث ، والتي تجسّد علاقة الإنسان المباشرة بالطبيعة ، وقد تجاوزتها الحضارة المدنية الحديثة ذات الطابع الصناعي والعلمي والتكنولوجي .. ) الامر الذي يعني ضرورة تجاوز المظاهر السلبية في الثقافات التقليدية ، ( .. والشروع في التحديث الثقافي للمجتمع .. ) . والتي تفترض أسساً من اهمها : ١ – تحديد الوجهة الفكرية والثقافية المطلوب تحقيقها . ٢ – الابتعاد عن ( .. – الأدلجة – للثقافة أو تسييسها، لأنّ ذلك سيقود إلى تنميط الثقافة وأحادية توجيهها ) ٣ – إعطاء العلم دوره الحقيقي في عملية التحديث ، ٤ – أساس الثقافة يجب أن يقوم على التفكير العقلاني المتجرّد من الأهواء والأفكار المسبّبة للانغلاق والتعصب، وإعمال طرق التفكير العلمية والنقدية ، وإشاعة الحوار المبني على العقل والمنطق لا التطرف والإقصاء . وقد أضاف السيد محمد بن علي المحمود في مقالٍ له بجريدة الرياض بعنوان البديل الثقافي إضاءات جيدة على بعضٍ من جوانب النسقيات الثقافية المتعدّدة التي تأخذ مسارها في التشكّل الثقافي بغضّ النظر عن درجة الوعي ، التي تخلق قابلية التحوْل في النسق الثقافي . ويركّز د. بن علي على مراهنته في ( .. قدرة الثقافي النخبوي على اختراق الوعي العام ، وعلى التأسيس لأنساق مغايرة إيجابية تتحدّى أنساق السلب في الثقافي الراهن إذا ماتمكّن من امتطاء عمومية التعليم وشعبوية الإعلام – بما لهما من قدرةٍ وفاعليةٍ كبرى في تشكْل الوعي -.. ) . ويختتم بن علي مقاله بجريدة الرياض قائلاً ( .. إنّ التنوّع الثقافي – بأوسع ما تعنيه كلمة (تنوّع) – لا يحضر في المناهج كما هو في التاريخ الإسلامي ، وإذا حضر فقلّما يحضر بتنوّعه ، وعلى درجة التنوّع نفسها وإنك لتسأل: أين الحضور المكثّف لتيار العقل المقموع في الثقافة العربية على امتداد تاريخها؟ أين فلاسفة الإسلام بوصفهم فلاسفة لا تاريخاً ؟ أين الإنصاف في عرض الخلاف الفكري الذي مضت عليه قرون وقرون؟! . ويُفترض أننا خرجنا من أن نكون أحد أطراف صراعه ، هل من المعقول أن تكون تلك القرون أوسع افقاً منا حين سمحت لهذا التنوّع – الذي نصادره بتغييبه – أن ينمو على ضفافها ؟!.) . بعد هذه التبسيطات والتي ستدفعنا لاحقاً للتعمّق في مفهوم الاستعمار الثقافي كمصطلحٍ سياسي ، والتي على الرغم مما تعانيه بعض من البلدان العربية مثل – المغرب الجزائر تونس ولبنان ) إلا أنْ بعضاً من التوجْهات العربية والمتدرّجة آصلاً من ايديولوجيات أحزاب قومية عربية متشبعة بإرثٍ تاريخوي – إسلاموي تحديداً – والتي – تزعم وبفخرٍ – بأنّ الفكر القومي العربي تمتدّ بجذورها كمفاهيم صريحة وواضحة منذ العهد الأموي – هذا التصوّر الموائم وبوضوحٍ مع العمق المذهبي السنّي الصريح – ، تلك المرحلة – الأموية – التي اتّسمت بغلبة النزعة القومية العربية ، وفرض غطاء ثقافي استهدف جميع الأقوام غير العربية ، وباختصارٍ ، وفي ماهية التعريفات المصطلحية من جهةٍ ، وجدلية الاستعمار الثقافي كمصطلحٍ سياسي أصلاً ، والذي يُستخدم ( .. بشكلٍ خاص في مجالات التاريخ والدراسات الثقافية ونظرية ما بعد الاستعمار . وعادةً ما يتمّ استخدامه بمعنىً ازدرائي، وغالباً ما يتمّ ذلك بالتزامن مع نداءاتٍ لرفض هذا التأثير … الذي يمكن .. أن يتّخذ أشكالاً مختلفة ، مثل السياسة الرسمية ، أو العمل العسكري ، بقدر ما يعزّز الهيمنة الثقافية .. ) جريدة المدينة تاريخ النشر : 6 أكتوبر 2019 . هذه الأمور ستدفعنا للتعرّض إلى مفاهيم أساس في التعبيرات النظرية لمفهوم الثقافة من جهةٍ وانعكاساتها أيضاً كخطط بديلة لسياسات الهيمنة العسكرية مباشرةً واستبدالها بالغلاف الثقافي المهيمن ، هذه المفاهيم المتشعّبة كثيراً والمتداخلة كما مدارسها بتناقضاتها ستدفعنا وبنوعٍ من الإسهاب للاطّلاع على الجدل الخلافي بين غرامشي وبيير بورديو رغم توافق بورديو مع تفكير غرامشي حول السلطة الثقافية ولنصل لاحقاً إلى الخلافات العميقة بينهما والمتمثّلة في أنّ غرامشي ( .. يفهم النشاط العملي للتحول الجماعي للعالم كأساسٍ للحس السليم وكطريقٍ من المحتمل أن يؤدّي إلى الوعي الطبقي .. ) . فيما بورديو .. ( .. يتصوّر النشاك العمليةبطريقة معاكسة .. حيث لايوجد وعي طبقي بل قبول العالم .. )
-كلّ هذه المفاهيم ومدلولاتها وبالتالي انعكاسها الفعلي تطبيقاً في ممارسات كثيرٍ من الشعوب المهيمنة من جهةٍ وتمايزات لابل الجدليات سواءً منها التي جرت كنقاشاتٍ وحوارات أو حتى صراعٍ فكري والذي اختزله أ . د محمد كريم الساعدي في مقالٍ مطوّلٍ له بصحيفة المثقف استعرض فيها عن التأثير والتأثّر واختزلها من خلال كتابات إدوار سعيد وانعكاسات – تقاطعات رؤاه مع كلٍّ من فوكوياما وغرامشي حيث كان لـ (فوكو) تأثيراً أكبر على (سعيد) وبخاصةٍ في مفاهيم (الخطاب والسلطة والمعرفة والتمثيل والجسد)، بينما انحصر تأثير (غرامشي) في مفهوم (الهيمنة) فقط.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “280”