الجمهورية السورية (اللامركزية تاريخياً)
نجاح هيفو
الجمهورية السورية هذه الكلمات التي تمثّل جميع المكونات .
هذه الكلمات التي تعكس المفاهيم العميقة السياسية والوطنية .
الدولة السورية تعتبر وطناً لجميع مواطنيها بغضّ النظر عن خلفياتهم العرقية أو الدينية أو الطائفية. وبالتالي، قد يُنظر إلى “الجمهورية السورية” على أنها تعبير شامل يضمّ جميع مكونات الشعب السوري دون تمييز.
سوريا تتكوّن من مجموعة متنوعة من المكونات العرقية والدينية (مثل العرب، الأكراد، الآشوريين، الأرمن، وغيرهم) والطائفية (مثل السنة، العلويين، المسيحيين، الدروز). ويمكن التأكيد على أن “الجمهورية السورية” تشير إلى كلّ هؤلاء المكونات، دون استثناء، حيث يتمّ تحديد الهوية الوطنية السورية على أساس المواطنية والمشاركة في بناء الدولة.
قد يتمّ النظر إلى “الجمهورية السورية” كإشارة إلى الدولة السورية المستقلة التي لا تعتمد على العرق أو الدين لتحديد هوية المواطنين، بل على المواطنة والمشاركة الوطنية. وعليه، قد يتمّ تفضيل المصطلح كنوع من التأكيد على التنوع والشمولية.
إذا كانت الدولة السورية تعتمد على مفهوم المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات لجميع المواطنين، فإنّ استخدام “الجمهورية السورية” يمكن أن يكون أكثر تعبيراً عن هذا المبدأ، بعيداً عن أي تمييزٍ قد يطرحه استخدام مصطلحات محددة مثل “العربية”.
هذا التفكير السليم في طرح وفهم الجمهورية السورية الشاملة جعل تاريخ اللامركزية تاريخياً في سوريا مصطلحين متلازمين .
قبل تأسيس حزب البعث في سوريا، شهدت البلاد تجربة لامركزية في فترة ما بعد الاستقلال (1946)، وكان ذلك خلال فترة الخمسينات عندما تمّ تبني فكرة اللامركزية الإدارية. تمّ تطبيق تجربة اللامركزية في سوريا بشكلٍ محدود، ولكنها كانت نقطة تحول في تنظيم السلطة المحلية.
في هذه الفترة، كانت سوريا تسعى لتطوير نظام ديمقراطي يتمتّع باللامركزية من خلال منح صلاحيات أكبر للمجالس المحلية والإدارية على مستوى المحافظات والمدن. تمّ تقسيم البلاد إلى وحدات إدارية تتمتّع بقدرٍ من الاستقلالية في إدارة شؤونها المحلية.
تمّ تأسيس مجالس بلدية ومحافظات في مختلف المناطق السورية، وكانت هذه المجالس تتمتّع بسلطات محلية أكبر في إدارة الشؤون اليومية مثل التعليم والصحة والمرافق العامة. هذه المجالس كانت تعمل تحت إشراف الحكومة المركزية، لكنها كانت تتمتّع بحرية نسبياً في اتخاذ القرارات على مستوى المنطقة.
على الرغم من كونها قصيرة الأمد، فإنّ هذه التجربة أظهرت بعض النجاح في تعزيز مشاركة المواطنين في إدارة شؤونهم المحلية. كانت المجالس المحلية تتيح للمواطنين فرصةً للتفاعل مع السلطة وتنظيم شؤونهم وفقاً لاحتياجاتهم الخاصة.
ومع ذلك، فإنّ النجاح كان محدوداً بسبب عدة عوامل منها ضعف الدولة المركزية وتزايد التدخل العسكري، ما أدّى إلى تقويض هذه التجربة تدريجياً. في النهاية، وبحلول بداية الستينات، سيطر حزب البعث على السلطة، مما أدّى إلى تراجع هذه اللامركزية وتركيز السلطة في يد الدولة المركزية.
بعد استلام حزب البعث للسلطة في عام 1963، أصبح النظام أكثر مركزية بشكلٍ تدريجي، وبدأت الحكومة المركزية تفرض رقابة أكبر على السلطات المحلية. الحزب سعى إلى تعزيز سيطرة الدولة على جميع جوانب الحياة السياسية والإدارية.
بالرغم من محدودية فترة اللامركزية في سوريا قبل تأسيس حزب البعث، فإنّ التجربة أظهرت أنّ هناك إمكانية لتنظيم شؤون الدولة بطريقة أكثر قرباً من المواطنين. إلا أنّ التحديات السياسية والاقتصادية، وكذلك الضعف في المؤسسات الديمقراطية، حالت دون نجاح هذه التجربة بشكلٍ دائم.
في معادلة التلازم بين سوريا كجمهورية دون ذكر العربية إلى تجارب قديمة في سوريا ناجحة نجد أنه ومن باب المسؤولية لكلّ أبناء الشعب السوري وخاصةً بعد زوال دكتاتورية النظام البعثي يجب تجنب التفكير الطائفي أو العرقي الضيق والتركيز على الهوية الوطنية السورية. الوطن يجب أن يكون مساحة يتساوى فيها الجميع أمام القانون.
من المهم تعليم الأجيال القادمة أهمية العيش المشترك والمساواة بين جميع السوريين.
تعزيز مفهوم “الجمهورية السورية” يعزّز من فكرة الانتماء والتماسك بين أبناء يجب أن يُنظر إلى مصالح الوطن بشكل شامل، حيث يساهم الجميع في بناء الدولة، بغضّ النظر عن خلفياتهم. هذا يشمل العمل على تحقيق الأمن، السلام، والاستقرار لجميع المواطنين في سوريا.
بإجمال، تتطلّب هذه الفكرة تغييراً في الثقافة المجتمعية وتعزيزاً للوعي الوطني، لتصبح سوريا “الجمهورية السورية” وطناً للجميع.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “328”