الخسارة و استحقاقات المرحلة
مروان سليمان
إنّ التفرقة بين أفراد المجتمع سواءً أكان مدنياً أم عسكرياً هو أول ما يدفع للفوضى، و ذلك بسبب وجود طرفٍ قوي يملك كلّ شيءٍ، و يستقوي بقانون و دستور لا يسري مفعوله إلا على الضعفاء؛ دون أن يشعر و لو للحظةٍ واحدة بوجع و شكوى الطرف الآخر ذاك الضعيف المستضعَف.
ما يحصل داخل أروقة الحركة الكُردية لم يصل بعد إلى حدود طرح الخيارات و المبادرات الجدية من أجل الوقوف على الأخطاء و العثرات التي رافقت مسيرة العقد من الزمان مع أنّ الخيارات الموجودة جاهزة في أي وقتٍ و لكنه عندما تصل إمكانات الحلول إلى طرق مسدودة و في الحالات العامة نجد بأنّ الشعار الذي يتمّ تداوله هو الحكم و التحكم أو الهلاك، و لا يهمّ ما إذا كانت نتيجة هذا القرار تحقيق نتائج أفضل على سبيل الممارسة الحزبية أو التطور نحو الأفضل أو تحسين حالة المعيشة لدى المواطن أو الإفراج عن المعتقلين سواءً كانوا سياسيين أو أصحاب الرأي و حتى المنتقدين و كذلك غير المهتمين بأصوات الذين يشكون من سوء هذه الإدارة القائمة و الفساد الذي يتّسع انتشاره في ظلّ الشلل العام و غياب آليات المحاسبة. و مع عجزها في اتخاذ القرارات الصائبة في وجه المتغيرات الجديدة على الساحة الدولية و الإقليمية كان خيارهم هو تعطيل الحياة العامة و تجويع الناس و التضييق عليهم و هكذا فإنهم فقدوا أغلبية أحزاب الحركة الكُردية من جهةٍ كما فقدوا غالبية الشعب من جهةٍ أخرى، لذلك بقوا في مكانهم رهينةً في يد الخصوم الفعليين (النظام السوري) و الأعداء الحقيقيين( مغتصبي الوطن).
مع كلّ هذا لم يبادروا إلى المصالحة حتى عن طريق حسن النوايا و اعتمدوا على أحزاب (ليس لها وزن على الساحة) فأخليت لهم الساحة ليفعلوا ما يشاؤوا في ظلّ تحكمهم بالناس عن طريق التهديد و الوعيد و ارتكاب المجازر هنا و هناك و الاعتقال تارةً أخرى كما حصل مع الشاب حميد عيدي مؤخراً، و باتت إدارتهم تدافع عن مواقفها و قوانينها التي أصبحت تخدم مصالح الأنظمة الأقليمية و قياداتهم الراهنة.
وسط هذا المأزق وقف المجلس الوطني الكُردي الذي عقد الآمال عليه منذ البداية أسير القرارات المزاجية و الكيفية المتعلّقة بالأشخاص أولاً و كأحزاب ثانياً وثالثاً و هو الأهم، قبول عضوية بعض الأحزاب المعطِّلة لاتخاذ القرارات داخل المجلس ، و للأمانة فإنه كان يدعو دوماً إلى الحكمة و تحمل المسؤولية تحت شعار الحوار أولاً، والابتعاد عن المعارك الجانبية و الداخلية الذي لا يستفيد منه غير أعداء الأمة الكُردية، و كان هذا الشعار مثل صرخةٍ في وادٍ لم ينصت له الطرف الآخر ،بعدما أصبحت المصالح متناقضة في الداخل و الضغوط التي كانوا يتعرّضون لها من خارج الحدود و عبرها و التي كانت تتحكّم في القرارات بين مختلف القوى.
إنّ طول مدة الثورة السورية و صعوبة عملية الانتقال إلى الديمقراطية مردّه إلى عاملين أساسيين هما :
الأول هو العامل الخارجي الذي يتّصف بعدم وجود رغبةٍ جدية لإسقاط النظام حفاظاً على مصالح إقليمية، و الثاني العامل الداخلي الذي يكمن في ضعف المجتمع المدني في سوريا الذي اغتاله النظام الحاكم طوال أكثر من أربعين سنةً الماضية، و أكملت عليه المعارضة بالكشف عن عورتها العنصرية و الطائفية أكثر من النظام ؛و لأنها لم تواكب حركة الشارع و لم يعد الأمل إلى النفوس التي كانت تحنّ إلى اتخاذ المواقف الوطنية فعلاً و قولاً لأنّ الحراك الذي تلعبه المعارضة حتى الآن لا تمثّل نبض الأهداف التي طالب بها الناس منذ اليوم الأول و بالتالي، يؤثّر هذا على سير عمل المعارضة في تنفيذ المطلوب منها في سبيل إسقاط النظام وكان ذلك سبباً في دفع الشعب السوري المزيد من الدماء فالمعارضة لم تحمل رسالة الحرية و الكرامة، و لم تحمل رسالةً تتضمّن طموحات الشعب السوري بكلّ مكوناته.
لم تتنازل المعارضة قليلاً عن المبادئ الضيقة والمصالح الشخصية الآنية من أجل تحقيق أهداف الثورة ووقف سفك الدماء.
لم تعمل المعارضة السورية على إسقاط الفكر الإقصائي قبل إسقاط النظام ،لإنتاج سلطةٍ جديدة بطريقةٍ حضارية دون الهواجس التي لا تجلب إلا التفتيت و التشتت ، و تقوّي مركز النظام و تضعف المعارضة بالدرجة الأولى.
لم تحافظ المعارضة على حقوق الآخرين ولم تقدّم مشروعاً واضحاً تجاه حقوق الشعب الكُردي في سوريا و الاعتراف بوجوده القومي على أرضه التاريخية،و يصون حقوقه في دستورٍ عصري.
على المعارضة أن تدرك هذه الحقيقة قبل فوات الأوان، إن لم نقل(فاتكم القطار) لكي يساهم الجميع بدون استثناء من أجل ولادة نظامٍ جديد يقوم على الآليات الديمقراطية، و يحافظ على حقوق الإنسان.
إنّ التضحيات و على عظمتها لم تجد من يطبّقها عملياً و يترجمها إلى واقعٍ و إنّ المعارضة حتى الآن أثبتت عجزها عن توظيف هذه التضحيات الجسام أو على الأقل في توحيد صفوفها و كلمتها .
صحيحٌ أنّ النظام لم يستطع القضاء على المعارضة، ولكنّ المعارضة إذا بقيت بهذا الشكل المتشرذم لن تستطيع أيضاً الإطاحة بالنظام المدعَم من دولٍ لا تهمّها سوى الحفاظ على مكاسبها الطائفية و مصالحها الذاتية ، و في كلتا الحالتين لن يسقط النظام بدون دعمٍ خارجي؛ لأنّ تغيير النظام يحتاج إلى مشاركةٍ دولية فعّالة، هذا ما أثبتته على الأقل دروس العراق و ليبيا و صربيا.
كُردياً ذهبت فرص مدّ جسور الوفاق و التصالح كلّها أدراج الرياح، و بأنّ ثمار ما تمّ زرعه في ذلك الوقت قد تمّ إتلافها، و هذا يجعلنا نتأكّد بأنّّ الذين كنا، أو كان البعض يعقدون عليهم الآمال قبل أعوامٍٍ قد اختلف تماماً حيث أصبحنا أمام مشهدٍ لم تخطر لنا ظواهره و قسماته على بال أحدٍ منا ، و أضعف ما يُقال عنه هو أنّ شرخاً حدث في العلاقة بين الكُرد أنفسهم، و تحوّل مع مرور الزمن إلى فجوةٍ عميقة و تزداد اتساعاً كلّ يومٍ، و مع الأسف فإنّ جهود إصلاح تلك الفجوة و ذلك الشرخ حقّقت فشلاً ذريعاً، حيث تراجعت فرص المصالحة، و حتى ماتت فكرة العيش المشترك ،و وصلنا إلى حالةٍ من اليأس و التي يمكن أن تتطوّر نحو الأسوأ إذا لم نتداركها بعنايةٍ تامة و الوقوف عليها بجديةٍ و إخلاص ،و إذا لم يشارك الجميع في توضيح خطورة الآثار الناجمة عن تراكم هذا الكمّ الهائل من الخلافات و فضح كلّ مَن يرفض ذلك لأنه بغيرها لن يستطيع أحد حفظ كرامة الإنسان الكُردي في مجتمعه الذي ينتمي إليه، و علينا أن نأخذ التسامح كعنوانٍ للعلاقة بين المجتمع الكُردي.
السؤال الذى يستحقّ أن نفكّر فيه جيداً هو : لماذا فشلت جهود تأسيس العيش المشترك؟
إذا استبعدنا فكرة المؤامرة أو الأدوار الخارجية أياً كان دورها، و إنّ من أسباب تفشّي هذه الظاهرة في مجتمعنا أننا لم ننجح فى التوصل إلى تشخيصٍ صحيح للمشكلة، واختزلناها فى بضع طلباتٍ تتعلّق بشغل الوظائف وحصص التمثيل فى المجالس المزمع تشكيلها والمناصب العليا في الهيئات و الفعاليات و الحفاظ على المكاتب الحزبية و عدم حرقها.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 301