الخلافات الحزبيّة تشعل أعصاب الأعضاء
مروان سليمان
شباب في عمر الزهور ورجال في خريف العمر تحصدهم الخلافات الحزبيّة في الساحات المختلفة سواء في الداخل أو الخارج نتيجة لمواقف قيادية مدمرة. يرسمون خلفهم أحلاماً جميلة بحقوق شعبيّة مدنيّة و حياة سعيدة، نعم إنها مشكلة مقلقة للجميع، مؤتمرات و اجتماعات ووساطات من أجل إيجاد الحلول، رأي هنا و رأي هناك، اختلاف هناك وتوافق هناك ولكن الأفعال و ردود الأفعال من أبرز العوامل التي عملت وتعمل على زيادة التوتر بين الأوساط القياديّة حتى أصبحت الانفعالات و المزاجيّة سبباً كبيراً من أسباب نشوء الخلافات بين رفاق الأمس، حيث أن القيادة بشكل عام كانت مطالبة بضبط أعصابهم و توترهم وانفعالاتهم وغضبهم أثناء اللقاءات والاجتماعات ومعالجة الأمور في هدوء واتزان واحترام آراء القاعدة الحزبيّة و الجماهيريّة حيث يعتبر الانفعال أحد الأسباب النفسيّة ذات العلاقة بالعنصر البشري في تفسير الخلافات و ضوابط عناصر السلامة في تجنب الانشقاقات.
و من هنا فإن الحالة النفسيّة و الجسميّة و الاضطراب تؤدي إلى حدوث انفعالات توافر المثيرات الخارجيّة من مزاجيّة وتقلبات فكريّة و تحليلات شخصيّة و خلافات بين أشخاص مما يكون بركاناً داخلياً قابلاً للانفجار إذا توافرت العناصر من الطرف المقابل بالمزاج العبوسي أو الشتم مما يزيد ضغط الدم واضطراب في التنفس و تؤدي هذه المثيرات إلى تغيرات عند القيادة و تهدد بالتالي سلامة وحدة الحزب وهذا يختلف من شخص إلى آخر تبعاً لحالاتهم النفسيّة والسلوكيّة والاجتماعية و مستوى نضجهم الانفعالي و يؤثر سلباً على عمليات التفكير والتقلب المزاجي وعدم القدرة على التركيز ويركز التفكير كله على كيفية التخلص من الموقف المتكون مما يؤدي إلى ضعف الإدراك وعدم التمكن من الرجوع إلى القاعدة الشعبية مما يفقده التواصل الإيجابي.
إن هذه السلوكيات النفسيّة في مثل هذه الحالات أثرت وتؤثر تأثيراً كبيراً على المهارات الذهنيّة والفكريّة وحتى الحركيّة واتخاذ القرار المناسب والصحيح وتصبح محاولات قمع الانفعالات الداخليّة سبباً في عدم القدرة على الضبط من الناحية الإيجابيّة مما يؤدي إلى اضطرابات نفسيّة تؤثر في القرار ويأخذ الحوار منحى آخر.
إن مشهد الصراع داخل القيادات الحزبيّة هو مشهد الصراع القديم وهو التطلع نحو تقسيم المناصب الحزبيّة وقد يكون في بعض الأحيان بين القديم والجديد كما أن الأشخاص الذين يقومون بالإشراف على الحزب وقيادته هم أنفسهم من دون تغيير ومن الطبيعي أن العمل بهذه الطريقة ولفترة طويلة يجعل هؤلاء الأشخاص بمرور الوقت يصدرون ردود أفعال متشابهة ومتكررة إزاء الأحداث والمواقف ويتأثرون بالوقائع بنفس الدرجة أي أن الأفكار تتكرر من دون تجديد أو تطوير لا بل تبقى الزعامة مركزيّة في الحزب أو تأخذ شكل زعيم عشيرة لدى بعض المطبلين وهذا ليس مكاناً للارتياح لنمط العلاقة التي تبنى على الطاعة المطلقة و إتهام الآخرين بأثقل الاتهامات وأغلظها.
وبطبيعة الحال كان البعض يسعى إلى تأسيس حزب جديد يقوده من الظل وكانوا يعقدون الاجتماعات السريّة ويأخذون آراء بعضهم تجاه ما يجري في الخارج وكيفيّة التعامل في ظل هذا الحزب الموازي الذي تم إنشائه والآخرون من النقيض يبحثون عن التوابع لتنفيذ ما يؤمرون به لتنمية الكيانات الجديدة وتطويرها التي لولاها لما تفاقمت الأمور إلى هذه الدرجة.
و بالطبيعة الفاشلة لتجارب المؤتمرات الحزبيّة في الحركة الكرديّة فقد تركت آثار بالغة على القيادة واتسعت الدوائر من موالاة ومعارضة و حملت الترشيحات والانتخابات إلى اللجان السياسيّة صراعات حادة بين المتقاتلين على المناصب مع انتشار هذه الحمى بين الأوساط الحاضرة التي تصوت عليها و من هنا تم تكملة الصراع الذي كان قبل المؤتمر بسنوات ليتحول المؤتمر إلى حلبة صراع جديدة من نوع آخر واستمرت فيما بعد المؤتمر حتى توضحت النوايا و توترت الأجواء بأثر من المتنافسين و لم يكن مخفياً بأنه إذا فاز فريق على آخر فإنه سوف يؤسس حزباً بديلاً وهكذا أصبح واضحاً بأن الفريقين لن يجتمعا بعد اليوم في مكان واحد وهكذا سار المتكتلون وأخذوا يمشون في اتجاه آخر، الذين كانت حظوظهم أقل في الفوز كما كان متوقعاً.
المشهد يتكرر منذ عشرات السنين، هنا تستطيع السير في ممارسة شكليّة ديمقراطيّة مع قيادة تريد كل شيء وهناك لا يستطيع المرء الوصول إلى هذا الحد من الظرف العصيب مع قيادة تريد أن تحتكر لنفسها الحزب بمنطق وضع اليد.
من أبرز الدروس التي يمكن أن يستفيد منها الإنسان إنه لا بد من التجديد وتغيير القيادات القديمة التي فشلت فشلاً ذريعاً ولكنها لا تعترف بهذا الفشل مما يعني إنهم منفصلون عن دنيا الناس والعيش في أوهام وخيالات ولكن لا بد من السعي في الاحتفاظ بشرعيّة الحزب وعدم تركهم يعبثون بالحزب واسمه والحفاظ على نهجه وشبابه التي هي أمانة في أعناق الجميع.
مروان سليمان
مركز الاستشارات في القضايا الإجتماعية – ألمانيا
1/6/2019