الدولة الكردية المستقلة في جنوب كردستان والتحدي الإيراني
إسماعيل حمه
اعتقد ان القيادة الكردية في كردستان الجنوبية, وعلى رأسها الرئيس مسعود بارزاني, التي اعلنت عن عزمها إجراء استفتاء من اجل تقرير مصير الشعب الكردي, وإعلان استقلال كردستان في مرحلة لاحقة, هي الأكثر قدرة على تقدير مدى نضج عوامل إعلان الدولة الكردية المستقلة إستنادا الى علاقاتها الواسعة مع المجتمع الدولي ودول الجوار الإقليمي وفهمها العميق لأبعاد ما يجري في العراق بعد التاسع من حزيران, واعتقد أن الخطوات التي ستقدم عليها هذه القيادة في القادم من الأيام هي خطوات مدروسة ومتوازنة لا تأتي من باب البروباغاندا أو لمجرد الضغط على بغداد لحملها على الإستجابة للمطالب الكردية التي كانت سببا لخلافات مزمنة بين حكومة اقليم كردستان وحكومة المالكي, بل لإدراك هذه القيادة بأن ثمة طرف عراقي آخر, وهم العرب السنة, بات صاحب مصلحة أكبر في تقسيم العراق بعد كل ما تعرض له من اضطهاد واقصاء من جانب الحكومات الشيعية التي جاءت بها العملية السياسية والتي بقيت تعاقب العرب السنة كل العرب السنة على جرائم المرحلة الصدامية, مما خلقت حالة استياء عميقة لديه وأدت الى فقدانه الأمل بإمكانية إنصافه وتحريره من نير استبداد الأغلبية الشيعية المنقادة بالإيديولوجية الطائفية في إطار العملية السياسية الجارية في العراق, وأيا كان شكل وصيغة هذه العملية السياسية, طالما ستبقى إيران ممسكة بكافة خيوطها.
من قراءة ما جرى من احداث في الموصل وإمتدادها السريع وغيرالمتوقع لمعظم اراضي المحافظات السنية يظهر واضحا انه كانت ثمة حاضنة اجتماعية ناقمة على العملية السياسية في المحافظات السنية وجاهزة للتفاعل مع الأحداث والإنتفاض في وجه جيش المالكي وحكومته, التي تمثل من وجهة نظرها ادوات للاستبداد الطائفي الشيعي, وإن دخول داعش على خط الأحداث والإعلان عن دولة الخلافة الإسلامية الممتدة من ريف حلب الشمالي ومحافظة الرقة السورية الى محافظة ديالا العراقية هي مجرد محاولة استباقية لإجهاض وتشويه صورة النزوع العربي السني التحرري أمام الرأي العام الدولي والإقليمي, هذا الطموح الذي كان يكسب المزيد من المشروعية في ظل ما كان يجري في العراق من عمليات إقصاء وتطهير طائفي على يد حكومة المالكي الذي بقيت متصلبة تجاه تلبية أية مطالب للعرب السنة ومحاولة إنصافهم.
أن العراق اصبح مقسما وإمكانية معالجة الأزمة العراقية وإعادة توحيده بات امر غير ممكن وضرب من الوهم بناء على المعطيات الراهنة التي تؤكد بان الأزمة ستذهب باتجاه المزيد من التعقيد مع اعتماد حكومة المالكي سبيل العنف والحل العسكري لمعالجتها, وأن أغلبية الدول العربية ودول الإقليم ستكون متفهمة آجلا أم عاجلاً لهذا التقسيم انطلاقا من تفهمها لمعاناة عرب السنة وتفهمها للوقائع التي تفرزها الأزمة كل يوم وكذلك تحديات الارهاب الذي يتطفل على الأزمة ويتمدد ليشكل تهديدا لكل المنطقة, وبالتالي تبقى عملية اعلان الدولة الكردية مجرد تحصيل حاصل لواقع منقسم يفرض نفسه من جانب الآخرين الأمر الذي سيوفر على القيادة الكردية الكثير من العناء لإقناع المجتمع الدولي ودول الإقليم بمشروعية و مبررات إستقلال كردستان, وخاصة إننا بدأنا نشهد قبولا وتفهما دوليا وإقليماً لسيطرة القوات الكردية على منابع نفط كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها وقبلها تفهماً وقبولاُ دولياُ وإقليما لبيع النفط الكردي من جانب حكومة اقليم كردستان ووصوله الى الاسواق العالمية رغم إعتراضات حكومة بغداد, ولاشك بإن تفهم وقبول الإستقلال الإقتصادي لكردستان الجنوبية هو بداية تفهم وقبول إستقلالها السياسي بصرف النظر عن بعض الصخب والزوبعات الإعلامية التي نسمعها هنا وهناك.
إلا أن ذلك لا يعني ان مشروع قيام الدولة الكردية في كردستان الجنوبية سيكون بمنأى عن التحديات الإقليمية والدولية, ويبقى التحدي الإيراني أهمه وأخطره على الإطلاق وبدأنا نشهد تصعيدا ايرانيا غير مسبوق وتهديدات مباشرة لحكومة اقليم كردستان بشكل مباشر من خلال تصريحات اليومية لمسؤولي النظام في إيران أو غير مباشرة بواسطة المالكي وجوقته, وستعمل ايران بكل ما تملك على استنفار كل ادواتها لإرباك القيادة الكردية وإجهاض هذا المشروع وضربه من الداخل وأشدد هنا على الداخل, ولذلك من الاهمية بمكان بالنسبة لكافة القوى الكردستانية وفي مختلف اجزاء كردستان التحسب لمخاطر الاجندة الإيرانية وضرورة إعلان تأييدها ووقوفها الى جانب مشروع قيام دولة كردية في جنوب كردستان الذي سيشكل مقدمة لحل القضية القومية الكردية في كافة أجزاء كردستان, ودون إعلان هذا الموقف أو التشكيك بإمكانية نجاح مشروع الإستقلال وتسويق مختلف المبررات والذرائع لذلك ستضع المصداقية القومية لهذه القوى الكردستانية على المحك وتحت الإستفهامات, وستعتبر بعبارة واحدة إنحيازاً للأجندات والمشاريع المعادية للشعب الكردي.
12-7-2014