الدولة الكوردية تزعزع أمن المنطقة ..
د. ولات ح محمد
ألا تخجلون من أنفسكم أيها الكورد وأنتم تعملون على زعزعة استقرار المنطقة من خلال الدعوة إلى إقامة دولتكم المزعومة؟. لماذا تثبتون يوماً بعد يوم أنكم مواطنون غير صالحين، إذ لا تهتمون باستقرار أوطانكم التي تعيشون في ظلال خيراتها وتخلقون لها المشكلة تلو الأخرى وتهددون أمنها المستتب وتزعزعون استقرارها الدائم والمنعش؟!.
ذلك لسان حال المعترضين على قيام الدولة الكوردية الذين لا يتوقفون عن ترديد هذه العبارة: “قيام دولة كوردية سيزعزع استقرار المنطقة”؛ فقد قالها عراقيون وسوريون وإيرانيون وأتراك رسميون وغير رسميين من من كتاب ومحللين سياسيين أيضاً. يقولونها بثقة وببرودة أعصاب وكأن المنطقة فعلاً تعيش حالة استقرار وأن العنصر المشاغب والمزعزع فيه هو الكوردي ودولته المزعومة. طيب، ما دام الأمر كذلك فلننظر إذن من زعزع ويزعزع وسيزعزع أمن المنطقة ؟.
منذ اتفاقية سايكس- بيكو (التي أدت نشوء دول وحرمان الكورد من إقامة دولتهم نتيجة المساومات والمصالح آنذاك) مرت المنطقة بعشرات الكوارث التي زعزعت استقرارها (المفترض) دون أن يكون قيام الدولة الكوردية سبباً فيها، بل كان الكورد في بعض منها ضحايا، إضافة إلى كوارثهم الخاصة بهم. ويمكن ضرب أمثلة لا حصر لها على تلك الأحداث الناسفة لاستقرار المنطقة والمربكة لشعوبها لعقود طويلة.
بعد خروج الاستعمار من المنطقة وتشكل حكومات وطنية بدأت مرحلة الانقلابات العسكرية التي لم تعبر فقط عن ذهنية من كانوا يحكمون تلك الدول بل خلفت آثاراً ما زالت شعوب المنطقة تدفع ثمنها حتى الآن. السوريون افتتحوا مبكراً تلك الانقلابات ثم كرروها في سلسلة طويلة حتى باتت جزءاً من حياة الناس لسنوات. وكذلك فعلها عبد الناصر في مصر ثم قلده العراقيون والليبيون واليمنيون… إلخ حتى باتت الشعوب تنام على حاكم وتصحو على غيره أو تحلم أن تصحو على غيره. ويمكن تصور مدى “استقرار” حياة الناس في ظل هكذا أوضاع. وفي منتصف السبعينيات قامت الحرب الأهلية في لبنان وانقسم هذا البلد الصغير إلى أحياء تسيطر عليها طوائف، ناهيك عن الدماء التي سالت والأرواح التي زهقت والبنى التي دمرت. فهل هذا هو الاستقرار الذي يتحدثون عنه؟ وهل للكورد دور في زعزعته ؟!.
بالتزامن مع استمرار الحرب الأهلية اللبنانية ظهر عام 1980حدثان كبيران: الأول كان مواجهة مسلحة بين الحكومة السورية والإخوان المسلمين زعزعت الاستقرار أمنياً ونفسياً واجتماعياً واقتصادياً لسنوات. أما الثاني فكان حرب السنوات الثماني العراقية الإيرانية التي أهلكت الشعبين وأتت على الأخضر واليابس وزعزعت استقرار المنطقة. ولم تكن “الدولة الكوردية” أحد أسباب نشوب هذه ولا تلك، بل كان الكورد إحدى ضحايا الثانية، إذ شهدت نهايتها قيام النظام العراقي بما سمي حملات الأنفال التي راح ضحيتها 180 ألف كوردي. وبعدها بسنتين قام النظام ذاته بغزو الكويت (الشقيقة) ونهب ممتلكاتها وقتل قسماً من أهلها وشرد آخر، وقسّمَ الدول بين مع وضد، ثم جلب حرباً دولية للمنطقة زعزع “استقرارها” لتحرير الكويت المحتلة. ولم تكن الدولة الكوردية سبباً في هذه الزعزعة الكبرى أيضاً.
في تسعينيات القرن الماضي قامت حرب أهلية في الجزائر على كرسي السلطة بين الإسلاميين والنظام الحاكم آنذاك دامت سنوات ولم تتوقف إلا بعد أن انهار الطرفان تعباً، وكانت شبيهة بتلك التي سبق ذكر حدوثها في سوريا. فهل كانت الدولة الكوردية سبباً في هذه الزعزعة أيضاً؟. أما في السودان فقد بلغت الحرب حد التطهير العرقي الذي ما زال الرئيس السوداني الحالي متهماً فيه من قبل محكمة الجنايات الدولية بارتكاب جرائم حرب. وقد انتهت إلى انفصال جنوبه عن شماله، ولم تكن الدولة الكوردية المسكينة سبباً في كل تلك الزعزعة.
في أواخر عام 2011م بدأ ما سمي الربيع العربي في تونس نتيجة إهانة الناس وإهدار كراماتهم، ثم امتد إلى كل من مصر وليبيا واليمن وسوريا وما زالت مستمرة. وقد أدت إلى انهيار بعض تلك الدول وتدمير بناها التحتية التي تحتاج عشرات السنين لتعود إلى قوتها، وقتل مئات الآلاف من مواطني تلك الدول وانقسم الأحياء منهم بين مع وضد وأفلس اقتصادها وزاد فيها اللصوص وتجار الحروب وما زال الحبل على الجرار دون أن يكون للكورد أو الدولة الكوردية (التي لم توجد بعد) أي دور في كل تلك الاضطرابات والزعزعات.
في نهاية السبعينيات قام الخميني بحركة انقلابية على الشاه الإيراني وكانت نتيجتها موت عشرات الآلاف وطرد عشرات الآلاف من وظائفهم وفرض مذهب ديني على الملايين من الشعوب الإيرانية، ثم أتبعها بخوض حرب لثماني سنوات مع العراق أهلكت البشر والحجر، ولم تكن الدولة الكوردية (الحلم) سبباً في كل ذلك الاضطراب. أما في تركيا فقد بدأت سلسلة الانقلابات في بدايات الستينيات من القرن الماضي وكان آخرها صيف العام الماضي، ولم تكن الدولة الكوردية سبباً في أي زعزعة من تلك الزعزعات المتواصلة والمدمرة.
أيها السادة المتاجرون بالمشاعر والوطنيات المتلاعبون بالكلمات مِن مسؤولين وممَن دونهم، تلك كانت عناوين عريضة (والتفاصيل أكثر قبحاً) لبعض الكوارث والزعزعات التي أدخلتم مناطقكم وشعوبكم فيها، ثم تاجرتم بمشاعر الناس وأحدثتم الفرقة بينهم لكي تستمروا في مناصبكم ومكاسبكم سيراً على مبدأ مستعمريكم “فرّق تسد”، ولكن الفرْق هنا أن المستعمر كان يطبقه بحق الآخر لكي يخضعه لحكمه، أما أنتم فإنكم تعملون به لإخضاع شعوبكم.
أيها السادة بلادكم لم تشهد استقراراً منذ أن تركها المستعمر، ولم تكن الدولة الكوردية قائمة حتى تكون سبباً أو أحد أسباب كل تلك الزعزعات التي لم تتوقف يوماً إلا بقصد الاستراحة والتقاط الأنفاس. أنتم من زعزعتم وتزعزعون استقرار أوطانكم وشعوبكم وتتذرعون في كل مرة بحجة حماية الوطن والجغرافيا والحق. وفي هذه المرة أيضاً أنتم من ستزعزعون استقرارها بذريعة منع قيام الدولة الكوردية وستضحكون من جديد على شعوبكم حتى تظلوا “على صدورهم باقين كالجدار”.
لكل ذلك أيها المنافقون كفاكم كذباً ودجلاً وتعمية وذراً للرماد في عيون شعوبكم وأنتم تعلمون أن الحقيقة ليست كذلك. إذا كنتم قد تسببتم في كل تلك الكوارث التي قسمت شعوبكم ودمرت دولكم وزعزت استقرارها فقط لترضوا وهماً من طموحاتكم الفردية ونزواتكم الفلتانة، فهل تخافون فعلاً على استقرار المنطقة من قيام دولة كوردية ستعيد حقاً إلى أصحابه ضاع منذ قرن وآن له أن يعود؟. أم أنكم ترون في قيام تلك الدولة استقراراً للمنطقة وأيضاً إنقاذاً لشعوبها من أمراضكم النفسية وسلطاتكم الديكتاتورية وذهنياتكم الشوفينية والطائفية. أليس هذا ما تخافون منه أيها المعتاشون على الفرقة والزعزعة… ؟؟.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي Yekiti Media