الرئيس الأمريكي ترامب والقضية الكردية
فؤاد عليكو
في مقالي السابق والمعنون ‹ترامب على صفيح الشرق الأوسط الملتهب› تطرقت بشكل سريع، كيف أدار الرئيس الأمريكي المغادر للبيت الأبيض باراك أوباما ظهره لأزمات المنطقة دون معالجتها، لكن هذه السياسة خدمت إيران وحلفائها أكثر وخاصة في العراق وسوريا واليمن كما وقفت بقوة إلى جانب الكرد في العراق وسوريا في مواجهة هجمات تنظيم داعش الإرهابي الذي اتخذ من الجغرافيا الكردية هدفاً حيوياً لاستراتيجيته، ولولا الدعم الامريكي المباشر لكان الوضع الكردي في كردستان العراق وسوريا حرجاً جداً إن لم نقل منهاراً، لكن العقبة الأساسية التي اعترضت سياسة أوباما هو حراجة الموقف الأمريكي إزاء التعامل مع حزب الاتحاد الديمقراطي PYD الذي كان يعتبره حتى الأمس القريب منظمة تابعة لحزب العمال الكردستاني PKK المصنف أمريكياً كمنظمة إرهابية وحليفة للنظام السوري، أي قبل فترة التعامل معهم في نهاية 2014م، وما قد سببه هذا التعامل من إحراج أمام حليفه التاريخي تركيا، وقد حاول جاهداً اقناع تركيا بأن PYD تنظيم سوري لا علاقة له بتنظيم PKK لكن دون جدوى لذلك توترت العلاقة بين الطرفين حتى الآن، وبالتأكيد فإن هذه القضية المعقدة ستواجه ترامب في الشهور القادمة إلى جانب الكثير من القضايا المتناقضة الأخرى في المنطقة.
كل ما نعرفه عن موقف ترامب من القضية الكردية هو بعض تصريحاته العامة أثناء حملته الانتخابية وكان أقوى تصريح له في 22/7/2016، لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، عن خطط في سياسته الخارجية قال ترامب في ذلك اللقاء، «أنا من أنصار الكرد»، قائلاً للصحفي «فهمت ما أقوله».
سئلت صحيفة نيويورك تايمز حول وجود التناقضات بين أمريكا وتركيا من أجل الكرد، وكيف ستحلون تلك المسألة؟ أفاد ترامب، بأننا «نستطيع أن نصل إلى اتفاقية في حال اجتمعت الأطراف، وهذه طريقة مناسبة، لكني من أنصار القوات الكردية، في الوقت. ذاته أرى نجاح العلاقات مع تركيا».
حول خطته من أجل عقد الاجتماعات، قال ترامب «في حال عقد اجتماعات نستطيع أن نصل إلى اتفاقية، ومن أجل ذلك علينا أن نجتمع بأقرب وقت»، مشيراً إلى «وجود مجموعتين من أصدقائنا يحاربون بعضهما بعض».
كما أن العديد من مستشاريه ذهبوا المنحى نفسه في الوقوف إلى جانب الكرد ودعمهم ضد الهجمات الإرهابية، إضافة إلى التطمينات الكثيرة التي سمعوها منهم وفد إقليم كردستان العراق المكون من السيد مسرور البرزاني رئيس المجلس الأمني للإقليم ورئيس ديوان رئاسة الإقليم الدكتور فؤاد حسين خلال زيارتهما الأخيرة لواشنطن والتقائهم مع العديد من مستشاري ترامب.
إذاً كل المؤشرات تدل بأن الرئيس الأمريكي ترامب وفريقه مهتمون بالقضية الكردية في خطوطها العامة، لكنهم غير مطلعين بما فيه الكفاية على تعقيداتها واصطفافاتها المحلية والإقليمية وليس من السهولة تجاوزها في ظل تجذر هذه المحاور وصراعاتها البينية، فمن المعروف أن الساحة الكردستانية منقسمة بين محورين أساسين:
المحور الأول يقوده حزب العمال الكردستاني PKK بفروعه الثلاثة PYD في سوريا، PJK في إيران و HDP في تركيا إضافة إلى حلفائه في العراق من حركة التغيير كوران وجناح من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وهذا المحور مرتبط بتحالف متين مع النظام الإيراني وامتداداته من الدول الإقليمية كالعراق وسوريا، لدرجة يقوم النظام العراقي بدفع رواتب مقاتلي PKK المتمركزين في كركوك وشنكال، كما أن النظام فعل نفس الشيء مع مسلحي PYD منذ 2012، وبفضل هذا الدعم فقد سيطر PYD على كامل المناطق في كردستان سوريا وجزءاً من المناطق العربية من خلال الدعم الأمريكي لهم في محاربة تنظيم داعش الارهابي منذ 2014م.كما لا يخفى على أي متابع حالة العداء والحرب المستعرة بين PKK وتركيا بعد أن فشل التفاهم بين الطرفين في 2015.
المحور الثاني يقوده الحزب الديمقراطي الكردستاني ويتمحور حوله المجلس الوطني الكردي في سوريا ذي الوزن الجماهيري والمفتقر للذراع العسكري وكذلك جناح من الاتحاد الوطني الكردستاني والأحزاب الكردية في كردستان إيران وتركيا غير المحسوبين على PKK ويملك هذا المحور علاقات مقبولة مع تركيا والدول الخليجية والدول الأوربية وأمريكا وعلاقاتهم مع إيران والعراق وسوريا غير مريحة في العديد من مفاصلها وبالتالي ليس من السهل على الإدارة الأمريكية الجديدة القفز فوق هذه التناقضات بين المحورين والمرتبطين عضوياً أو افتراضياً مع المحاور الإقليمية في ظل الصراع الإقليمي الدائر والتي تشتد الاصطفافات فيه يوماً بعد آخر.
لذلك لا يمكن التعامل الأمريكي مع الكرد بمعزل عن كيفية التعامل مع المحاور الإقليمية القائمة وهل سيستمر على سياسة أوباما ومبدأ إرضاء الكل واللعب على المتناقضات والنأي بالنفس عن التدخل لصالح طرف ضد الآخر وإدارة الأزمات وليس معالجتها، أم سيصطف إلى جانب المحور الإيراني تحت ذريعة ان الإسلام المعتدل متمثل في الإسلام الشيعي مقابل دعشنة الإسلام السني كما تم تسويقه من إيران دولياً ولاقى قبولاً إلى حد كبير في الأوساط الدولية وفي هذه الحالة سوف يتعزز موقف المحور الكردي المقبول إيرانياً أي PKK وحلفائه وسيطلب من المحور الثاني التعامل بإيجابية معهم، وهذا يعني الخضوع لإرادتهم وهذا أمر مستبعد قبوله في ظل التجاهل التام من قبل إيران للحقوق القومية للشعب الكردي عدا عن نصب أعواد المشانق اليومية بحق الشباب الكرد، كما استبعد هذه الفرضية من جوانب أخرى وهو أن لا حدود لطموحات إيران التوسعية في المنطقة وحلمهم بالسيطرة على الأماكن المقدسة (مكة والمدينة)، كما أن هذا التوسع إن تحقق سيجعل مصير إسرائيل على كف عفريت من جانب إيران مستقبلاً وإسرائيل تدرك هذه المخاوف جيداً وتعمل على لجم اندفاع إيران في المنطقة من خلال الضغط على الإدارة الأمريكية بالوقوف بحزم أمام سياسة إيران التوسعية ومنعها من امتلاك السلاح النووي.
لذلك يبقى الاحتمال الأرجح هو الوقوف إلى جانب المحور الثاني تركيا والدول الخليجية نظراً لعلاقتهم التاريخية الطويلة ومساعدتهم في محاربة الإرهاب والفكر التكفيري والوقوف كرديا إلى جانب الديمقراطي الكردستاني وحلفائه وهذا يعني الطلب من PKK تغيير سياستها والدخول في حوار مباشر مع تركيا وقد يستعين بالرئيس مسعود البرزاني كوسيط مقبول للتقارب بين الطرفين على أسس ما تم التفاهم حوله بين تركيا وزعيم الحزب المسجون في إيمرالي عبد الله أو جلان وقطع العلاقة مع المحور الإقليمي الإيراني.
هذا ما عبر عنه ترامب صراحة في تصريحه المنوه أعلاه وهذا أمر ليس من السهل تحقيقه لكنه ليس مستحيلاً نظراً لما يتحلى به PKK من براغماتية في سياساته خاصة إذا شعر بالخطر القادم وما يحصل من تغيير في المعادلات السياسية والإقليمية في مرحلة ترامب.