آراء

الربيع العربي.. بين الموالين الذين أدمنوا القمع والمعارضين التكفيريين

عبد الله كدو

في نهاية تسعينيات القرن الماضي، قرأتُ مقالاً يُفصح عن أنّ هناك نحو خمسين مليون شخص يعاني من أمراض نفسية في العالم العربي .

من الجدير ذكره، كانت تداعيات تلك الأمراض – حينذاك – تظلُّ محصورة في البيئات الخاصة بعوائل المرضى، أما في الوقت الحالي، فإنّ تلك التداعيات صارت تتوسّع، فتنتشر إلى الأوساط العامة، لسببين.

أولهما: احتكاك أولئك

المرضى بالآخرين، الأصحّاء، عبر مختلف منصات الإنترنت، وخاصةً السوشيال ميديا.

ثانيهما : الظرف الموضوعي السائد، المتمثل بأجواء ” ثورات الربيع العربي ” وانشغال الكلّ بالشأن السياسي، بشكلٍ أو بآخر، وبالتالي تبادل التفاعل بين الناس، حتى يعتقد البعض بأنّ الحل النهائي، العام، المنتظر لقضايا شعوب دول ثورات الربيع العربي بات مرتبطاً، لدرجةٍ معينة، بتلك الأمراض التي من أعراض نسبة كبيرة منها استمرار ارتباط ضحاياها بقامعيها الذين كانوا يقمعونهم سياسياً وإدارياً، ذلك إلى جانب غيرها من العوامل الذاتية والموضوعية، السياسية وغيرها، أي الداخلية والخارجية، وعليه فقد تتمّ إضافة تلك الأعداد، من ضحايا الأمراض النفسية، إلى أعداد الانتهازيين المنتفعين الموالين للديكتاتوريات في تلك الدول، سواءً من ذوي المواقف السياسية الموالية المعلنة أو الذين كانوا من الصامتين، ذلك قبل وبعد ربيع الثورات العربية، إضافةً لنسبةٍ كبيرة من العاطفيين، من الدهماء والسذج ممّن يستظلّون بصور وتماثيل قامعيهم والمتسلطين عليهم، قناعةً وثقة، حيث “الجاهل أقرب ما يكون إلى الخيانة” ذلك إلى جانب الشبيحة والنبيحة التقليديين، بالتوازي مع آخرين من المعارضين الطائفيين الدوغمائيين، أي المصابين بالجمود العقائدي من التكفيريين، ذلك في الطرف الرافض للأنظمة الديكتاتورية في تلك الدول، ممّن تمّ استُلِابهم بأشكال وطرائق شتى، أولئك المصابين الذين يحسبون أنفسهم ثواراً، فيما هم، عملياً، ينطلقون من غاياتٍ خاصة لا ترقى إلى المعاني الشاملة لمفهوم الثورة، حيث لا يؤمنون بالمواطنة المتساوية – عملياً – والحريات الأساسية التي هي أهم غايات الثورات العصرية، مما يثقل كاهل الثوار “الحقيقيين” المدافعين عن المواطنة المتساوية بما تنطوي على مختلف الخصوصيات المشروعة، أيا كانت خيارات المواطنات والمواطنين المشروعة، وحقوقهم، بما هي/ هو إنسان، بعيداً عن الايديولوجيات، وخاصةً تلك العابرة للحدود الوطنية والمرتبطة بمرجعيات خارجية، من التي تعمل على إنشاء أذرع ومخالب لها في تلك الدول، لتحقيق مآرب لا ناقة للوطنيين من سكان المكان فيها ولا جمل، كما يجري في سوريا ولبنان والعراق واليمن وغيرها، حيث الميليشيات التي تستثمر الانتماءات الطائفية بشكلٍ متطرف بالضد من شرعة حقوق الإنسان، أولئك الثوار الحقيقيين الذين ينطلقون بعيداً عن المصالح والعصبيات التمييزية، ما دون الوطنية، سواءً كانت طائفية أم مناطقية أم قبلية أم غيرها .. أولئك الثوار الذين هم أصحاب الوعي الثقافي الوطني الديمقراطي والتفكير والمحاكمة المنطقيَيْن، المدافِعِين عن حرية الرأي والتعبير والمعتقد وغيرها من حقوق الإنسان، لجميع المواطنين، ضد القمع والاستبداد بكلّ تجلياته وتلاوينه، ذلك إذا أخذنا بالاعتبار أنّ الأنظمة والسلطات التسلطية القمعية والأفراد والجماعات الإرهابية باتت معروفة وواضحة، ولا اختلاف حول ضرورة استئصالها على جميع المستويات.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “311”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى