الشرق الأوسط على شفا بركان ..
فؤاد عليكو
أن المتتبع للتطورات السياسية والعسكرية الجارية في منطقة الشرق الأوسط يدرك بجلاء عدم وجود أية بوادر لحلول لأزمات المنطقة في الأفق المنظور، لا بل على العكس فقد ازدادت الأزمات أكثر ، وتوسعت رقعتها الجغرافية اكثر منذ عشر سنوات وحتى اليوم، حيث نجد هذا العام تحديدا زيادة تصعيد الخلافات بين الأطراف العراقية، بين موالين لإيران و آخرين يريدون التخلص من الهيمنة الإيرانية وبناء علاقات طبيعية مع العمق العربي وبنفس الوتيرة، ولنفس الأسباب استفحلت الأزمة في لبنان أيضا. وكذلك بدأ التصعيد العسكري الحاصل في ناكورني كراباخ بين أذربيجان وارمينيا، والخلافات الكبيرة المتصاعدة بين تركيا من جهة، وقبرص واليونان من جهة أخرى، ومن خلفهما الإتحاد الأوربي، كل ذلك ينذر بزيادة وتيرة الخلافات بين دول المنطقة، و قد يفضي في مرحلة معينة إلى التصادم العسكري المباشر بين بعض من هذه الأطراف المتصارعة على مناطق النفوذ . أما في سوريا وليبيا واليمن مثلا ، وعلى الرغم من مرور عشر سنوات من الصراع وتدخل مجلس الأمن في الموضوع، وتعاقب عدة مبعوثين أمميين على تنفيذ قرارات مجلس الأمن لمعالجة الصراع سلميا في هذه الدول ، إلا أن جميعهم فشلوا في إيجاد اي تقارب جدي بين الأطراف المتنازعة، نتيجة عدم وجود توافق دولي حول تنفيذ قراراته، وكذلك عدم إلزامية هذه القرارات من قبل مجلس الأمن ،كما أن الخلافات البينية العميقة بين دول المنطقة ساهمت بشكل كبير في تأجيج هذه الصراعات الداخلية وتحولت إلى أشبه مايسمى (الحرب بالوكالة) بين أطراف الدول الإقليمية ، حيث إن السعودية والإمارات منخرطين عسكريا في الحرب اليمنية ، وكذلك إيران وتركيا في سوريا، إضافة إلى الخلافات الكبيرة بين الدول المؤثرة في القرارات الدولية، وخاصة أمريكا من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى نتيجة التباعد الكبير بين مصالحها ، إضافة للطموحات الكبيرة لكل من إيران وتركيا على التمدد والبحث عن مناطق نفوذ سياسية واقتصادية وحلفاء موثوقين في المنطقة ، وعليه نجد إيران حاولت وتحاول أو بالأحرى سيطرت على القرار السياسي والاقتصادي لكل من العراق وسوريا واليمن ولبنان وقد حققت الكثير في هذا المجال، وعينها على البحرين وعمان ،كما أن تركيا التي يواليها جزء اساسي من المعارضة السورية ، تلعب دورا أساسيا، كلاعب إقليمي في الأزمة السورية، سواء بحضورها العسكري أو السياسي، ولايمكن البحث عن أي حل سياسي في سوريا بمعزل عن تركيا، ونفس الأمر في ليبيا ولها علاقات وطيدة مع كل من قطر والصومال و كذلك قواعد عسكرية. وفي الجانب الآخر فإن الدول العربية ممثلة بشكل خاص بالدول الخليجية ومصر والأردن قد استشعرت بالخطر الداهم من قبل إيران وتركيا على الجغرافية العربية،لذلك خرجت من حالتها السكونية الرتيبة إلى الانخراط بقوة في الدفاع عن مواقعها ومصالحها في المنطقة ومن هنا كان التدخل العسكري في اليمن من قبل السعودية والامارات والتهديد بالتدخل العسكري المباشر من قبل مصر في ليبيا حتى وإن اضطرتها للمواجهة العسكرية مع تركيا. أما إسرائيل فهي الغائب الحاضر في المنطقة وتشعر أيضا بالخطر القادم من إيران فيما لو سيطرت على سوريا فإنها ستصبح بين فكي الكماشة شمالا(لبنان وسوريا) وجنوبا (قطاع غرة )،ولم يعد عناصر تفوقها العسكري فعالا نظرا لضيق جغرافيتها عسكريا أمام التكنولوجيا العسكرية الجديدة كالصواريخ وطائرات الدرون والتفوق السكاني الكبير على حدوها،لذلك تلجأ إلى القصف العسكري للقواعد الإيرانية في سوريا باستمرار منعا لاستقرارها وتثبيتها وتطويرها. كما أنها تسعى من جانب اخر إلى التفاهم مع الدول العربية وبناء علاقات طبيعية معها على أمل قد يفضي ذلك مستقبلا الى تحالف استراتيجي بينها وبين بعض الدول العربية خاصة الخليجية ومصر والأردن في مواجهة التمدد الإيراني والتركي المتصاعد في المنطقة،نظرا لحاجة الطرفين إلى مثل هذه التحالفات. أما أمريكا فهي تشعر أيضا بالتمدد الروسي/ الصيني في المنطقة على حساب تقليص دورها ونفوذها مستغلين عهد أوباما السلبي واهماله الإهتمام بالمنطقة وتقاعسه في مناصرة حلفائها على حساب افساح المجال لإيران للتمدد والعربدة في المنطقة العربية، كما أن تركيا شعرت بخيبة الأمل من الموقف الأمريكي في خلافه مع روسيا أثناء سقوط الطائرة الروسية من قبل تركيا 2015م لذلك بدأ العديد من دول المنطقة التقرب من روسيا أكثر، أملا في حمايتهم من التوغل الإيراني الكبير بشكل خاص. وتحاول إدارة ترامب اليوم إعادة هيبة ودور امريكا في المنطقة من خلال إعادة بناء الثقة مع حلفائها من جديد وكذلك العمل على تقليص النفوذ الروسي والإيراني والصيني في المنطقة لكنها تصطدم بعقبات كبيرة، منها أن روسيا لن تقبل التراجع عن دورها تحت أي ظرف، وتعمل على بناء تحالفات استراتيجية مع إيران والصين وغيرها من الدول في مواجهة الدور الأمريكي المهيمن عالميا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991م ،إضافة إلى أنها تعاني من الخلافات الكبيرة بين حليفتها تركيا من جهة، وعدد من الدول العربية والأوربية من جهة أخرى، وتحاول جاهدة مسك العصا من الوسط ومعالجة هذه الخلافات خوفا من تحول تركيا للاصطفاف إلى جانب المحور الروسي /الصيني . خلاصة القول نستطيع القول بأن المنطقة تعيش على فوهة بركان نشط قد تنفجر في أية لحظة ولايوجد حتى الآن، كما ذكرنا في المقدمة، اي مسعى دولي جدي لحلحلة الأوضاع فيها. أما السؤال الكبير : ماهو أهمية ودور الكرد في هذه المرحلة ووسط هذه الصراعات ؟.
المقال منشور في العدد 279من جريدة يكيتي