آراء

الشهيد سيد رضا الكُردي وثورته في درسيم

محمد زكي أوسي
مَنْ هو الشيخ سيد رضا؟ الشيخ سيد رضا من درسيم (الباب الفضي) في شمال كُردستان, وهو من السادة القزلباش العلويين (غلاة العصوف) ويلتقي مذهبياً مع أهل الحق في شرق كُردستان (مدينة كرمشان أو كرميسين بالكردية) يتمتع سيد رضا بنفوذ ديني قوي بين أتباعه وكذلك الزعامة الدنيوية وهذا يبدو من خلال تعريف الكاتب والمؤرخ الكُردي (أحمد شريفي) به, ويظهر نفوذه هذا من خلال تأثيره القوي في المنطقة وتعاون القبائل الكُردية والمجاورين له في ثورته ضد الظلم والطغيان ونظراً للدور الذي لعبه سيد رضا في الحركة التحررية الكُردية في أرجاء كُردستان.
ثورة الشيخ سيد رضا ضد أتاتورك والعنصرية التركية:

كُردستان أو موطن الكُرد تقع ضمن الجناح الشرقي للإمبراطورية العثمانية, وهذا الجزء كان ومازال منذ أقدم العصور موطن الكُرد الذي يرتبطون بعلاقة قومية ودينية مع الشعوب المجاورة, والكُرد بدون شك أقدم الشعوب في المنطقة, ومعروف أن غالبية الكُرد العظمى ممن يسكنون الإمبراطورية العثمانية مسلمون سنة إلى جانب أقلية علوية, ولدى انهيار الامبراطورية العثمانية وقيام الجمهورية التركية (الأتاتوركية) حاول الأتاتوركيون لتثبيت أسسها ونشر فلسفتها القومية القائمة على العنصرية, مغازلة الكُرد واستمالتهم كما فعلوا مع الأقليات القومية والمذهبية الأخرى, وما إن ثبتوا خطاهم بدأوا يتراجعون وأثاروا الفتن بين الشعوب لغرض اضعافها وضربها ببعضها مثل الفتنة التي أثاروها بين الكُرد والأرمن ولكن معرفة الطرفين بنوايا الأتاتوركية أفشلت هذه الخطط الخبيثة, وعندها لجأ أتاتورك إلى استخدام الضغط والقوة بادعائه السير نحو المدنية وتطبيق القانون والنظام ، وغيّر الكتابة في تركيا بإستعمال الأحرف اللاتينية بقصد قطع العلاقات بين الشعوب القاطنة في تركيا وما جاورها, لكن هذا قوبل بالرفض القوي من المجموعات الدينية والقومية بقيادة المتنورين من رجال الدين, مثل ثورة الشيخ سعيد بيران وحركة الشيخ فخري وانتفاضة الشيخ محمد صديق والشيخ سعيد النورسي (بديع الزمان) ثم ثورة الشيخ سيد رضا وكلهم كُرد, وعندما ثبت أتاتورك قدميه ونفذ مشاريع العنصرية بإنكاره وجود قوميات غير التركية وهضم الحقوق المشروعة ضمن جمهوريته للشعوب غير التركية ومحاولته اخماد ثورة سيد رضا وتغيير اسم درسيم إلى (تونجي), عندها أبلغ الزعيم الديني والقومي الكُردي سيد رضا الجنرال التركي ( ألب دوكان) برسالة لوم وعتاب ضد إرهاب الجيش التركي ، لكن الجنرال (دوكان) لم يكترث بالأمر وكردٍ عليه أعلن سيد رضا الانفصال والوقوف ضد الجيش التركي بالتحالف مع قبائل الزازا الكُردية, عندها رد الجيش التركي بمنتهى الوحشية وحرق الحقول والمزارع والمنازل وحتى الكهوف والمغاور في أحضان الجبال وقد أورد لنا المرحوم زنار سلوبي (قدري جميل باشا) الذي كان مشتركاً في هذه الإنتفاضة من خلال كتابه (القضية الكُردية) يقول: (لجأ كثير من النساء والأطفال والشيوخ إلى كهف /كوتوز يكداغ/ في وادي /ئيسكور/ خوفاً من الجيش التركي إلا أنهم اكتشفوا موقعهم فأحوقوا الجميع في الكهف, واتهم أتاتورك سيد رضا وانتفاضته بالتوحش والتمدد ضد المدنية, وبوجود علاقة له مع روسيا لصرف نظر الغرب عما يجري في بلاده).

وصل اسماعيل حقي بك لنجدة سيد رضا وجمع قواته مع القائد (علي شير) وأُرسِلَ الدكتور محمد نوري ديرسمي في عام (1937م.) إلى سورية للتعريف بالحركة وابلاغ صوتها إلى العالم كله وذهب الدكتور درسيمي برفقة الدكتور كامران بدرخان إلى مصر لايصال صوت الثورة وحوادثها إلى مصر والعالم ولدى علم أتاتورك بذلك خصص مبلغ (4000) ليرة ذهبية جائزة لمن يقتل الدكتور درسيمي, ولكن محاولة الدكتور لم تنجح بسبب الضخ الإعلامي التركي الكبير, فأرسل سيد رضا ابنه (برا برايم) إلى الجنرال (دوكان) الذي قابله بمنتهى التوحش وأمره بالاستسلام وطالبه بـ (8000) قطعة سلاح وبعضهم يقول بل (80000) قطعة, ولكن الشيخ سيد رضا أبى, فبدأ الجنرال أشرس حملة براً وجواً وبلا رحمة ولكن دون التمكن من الثورة والثوار, وعندها لجأ الأتراك إلى المكائد بغية الإيقاع بالثورة ورجالاتها, فعندما أرسل سيد رضا القائد (علي شير) إلى الخارج لتدبير بعض الأمور التي تتعلق بالثورة ومتطلباتها, لكنه قتل علي يد (ريبر) ابن أخ قائد الثورة سيد رضا مع زوجته التي كانت ترافقه بدسيسة تركية وقطع رأسيهما وأرسلهما إلى الأتراك لإثبات ولائهم التام لهم والجدير ذكره أن (ريبر) هذا كان سبباً للقبض على عمه سيد رضا وإعدامه وهذا يذكرنا بخيانة (قاسو) للشهيد الشيخ سعيد وصوفي (عبد الله) للشيخ الشهيد (عبد السلام البارزاني) الذي استشهد عام (1914م), ومن جهة أخرى تم اغتيال الشهيد شاهين آغا زعيم قبيلة بختياري بيد العميل الخائن (خضر), ورغم كل هذا كان سيد رضا صلباً لا تلين له إرادة وواصل ثورته بكل جدية واخلاص وبحلول الشتاء والبرد الشديد شن الشيخ وثواره هجوماً كاسحاً على الجيش التركي وأصابه بخسائر فادحة, وعندها أُجبر الجنرال دوكان إلى التنازل والقبول بالمفاوضات, فذهب قائد الثورة سيد رضا بحسن النية والأخلاقية العالية مع مجموعة من قيادييه إلى مدينة (أزربيجان) ولدى وصولهم إلى المدينة يوم 5/أيلول 1937م, خان الجنرال الشيخ وألقى القبض عليه مع مرافقيه وأرسلو إلى مدينة آلعزيز وفي 10/11/1937م, بدأت محاكمته صورياً وبحضور أتاتورك نفسه, وبعد (71) جلسة محاكمة تم إعدام الشيخ سيد رضا و (27) من أعوانه, وحُكمَ بالسجن المؤبد على (27) آخرين, لذا اعتبر يوم 28/11/1937م يوم حداد على الثورة الدرسيمية حيث سيد رضا وقادته وفي اللحظات الأخيرة وعلى المنصة حيث حبل المشنقة نادى الشيخ سيد رضا بأعلى صوته في هدوء الليل الحالك هازاً الضمير الإنساني: (أنا ابن كربلاء الأشم لن يرهبني الموت وأقسم بالله العظيم لن تمر جرائمكم بدون عقاب فلتخسأوا أيها الجلادون).

ماذا قالوا في الثورة وقائدها: يذكر الدكتور محمد نوري درسيمي حول ذكرى إعدام سيد رضا قائلاً: عندما صعد المشنقة ونادى بالكُردية الكُرمانجية قائلاً: (أنا ابن 75 عاماً أقتل بل استشهد) ويضيف الدكتور درسيمي في ذكرياته قائلاً: بعد كل ما قال خطا إلى الأمام بهدوء نحو حبل المشنقة وأمسكه بيديه ليربطه بعنقه للاستشهاد في سبيل الحق دون خوف أو وجل.

– وفي مقابلة صحفية للفاشي (عصمت النيونو) يصف الثورة الكُردية هذه قائلاً: لن نواجه المشاكل في درسيم بعد الآن, تمكنا من اكتساح المنطقة وانتهى العصيان وقطاع الطرق.

– أما جلال بيار في اجتماع برلماني تركي في 20/7/1938م فيصف الثورة قائلاً: أحد أهم مشاكلنا في المرحلة مسائل درسيم ويجب علينا اثبات قوتنا النظامية والإستراتيجية.

– ويكتب يونس نادي مراسل صحيفة (نافوده كلمي) التركية في حزيران (1938م) قائلاً: نعم في الحقيقة أن درسيم وأهالي درسيم لن يتخاذلوا ولن يستسلموا لأتاتورك لذا تشبث بحكومتي ايران والعراق لإغلاق الحدود لإنهاء مشاكل درسيم وفي نفس الوقت بدأ الشيخ (سعيد النورسي) في ديار بكر انتفاضة ضد أتاتورك وأفكاره العنصرية.

– البروفسور د. جليل جليلي المؤرخ الكُردي الكبير المعروف ورئيس القسم الكُردي في أكاديمية الشرق الأوسط في (سان بطرس بورغ) يصف ثورة الشيخ سيد رضا قائلاً: (إن العقيدة والدين في حياة المجتمع الكُردي لهما دور بارز لذا فإن الأتراك استغلوا هذه الحالة, ولكن كثيراً ما انتفض رجال الدين أيضاً ضد الظلم والطغيان وخير مثال على ذلك الحركة المسلحة الكُردية في جبال درسيم).

– ولتشويه الثورة وقائدها ادعى الكماليون: إن السيد رضا لم يكن من نسل الرسول صاى الله عليه وسلم بل ربما تربى في كنيسة ما أو أنه أحد أصدقاء الشيطان, ورغم أن كُرد درسيم ومنهم سيد رضا من المسلمين العلويين لازال دوي صوته المنادي يرن في آذان كُرد درسيم والعالم (أنا ابن كربلاء الأشم لا يرهبني الموت بالإعدام).

 

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “٢٧٣”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى