آراء

الصدمة البترولية الكبرى والكورونا

وليد عبد الحي_

ما هي أسباب الصدمة النفطية القائمة التي جعلت أسعار البترول تصل إلى حدّ السالب في بعض الأسواق النفطية ؟ :
أولاً لا بدّ من شرح معنى أن يُباع البرميل النفطي بالسالب، إنه يعني أنّ تاجر البترول الذي يخزّنه عنده للبيع سيدفع لك مبلغاً (لنقُلْ ربع دولار للبرميل) لكي تخلّصه منه(أي أنّ البائع يدفع للمشتري )..فما هي أسباب وصول الأمور إلى هذه النقطة؟ :

1- الكورونا وتسّببه في توقّف المصانع والمكاتب وكافة وسائل النقل البرية والبحرية والجوية ممّا أدْى إلى انخفاضٍ متصاعد ومتسارع في الطلب على البترول،فقد انخفض الطلب على البترول بحوالي 10 مليون برميل يومياً، وهو ما خلق تخمة بترولية ، ونظراً للغموض في تقدير المدة التي يمكن للعالم فيها أن يسيطر على فيروس الكورونا، فإنْ هذا الطلب سيتواصل بمعدل انخفاضٍ جديد يصل إلى ثلاثة أرباع المليون برميل للمعدّل اليومي خلال عام 2020.، وعليه فإنّ الفائض في البترول المعروض ناتج عن الكورونا ولكنه أيضاً ناتج عن تراجع في الطلب العالمي قبل الكورونا بحوالي 3 سنوات، ففي عام 2017 بدأ الانخفاض على الطلب وبشكلٍ خطي من حوالي 96 مليون برميلٍ إلى حوالي 87 مليون برميلٍ ممّا خلق نواة تخمة ثم جاء الكورونا ليلفّها بغلافٍ سميك، فالتخمة سابقة على الكورونا ولكنه أعطاها دفعة قوية.

2- نصيب البترول من مصادر الطاقة يتراجع، من المعلوم أنه قبل الكورونا ومنذ عقودٍ ، فإنّ اعتمادالعالم على مصادر طاقةّ بديلةٍ كان يتزايد ، وهو ما جعل نصيب البترول يتراجع في اجمالي الاستهلاك العالمي، فاذا قارنا متوسط التغيّر السنوي العالمي في إنتاج الطاقة حسب مصادر الطاقة المختلفة(الفحم، الغاز، الطاقة النووية، الطاقة الشمسية، تدوير النفايات وتحويلها لمصادر طاقة) ، نجد أنه خلال الفترة من 1971-2019 كان أقلّ تغيّرٍ هو في البترول بينما المصادر الأخرى تفوقه في زيادة نصيبها من قطاع الطاقة العالمي، وهو ما يساهم في زيادة وفرته وبالتالي تعزيز العرض على حساب الطلب، مما يعزّز من الميل نحو تخفيض الأسعار .

3- اتّساع دائرة الدول المنتِجة للنفط( حوالي عشرين دولة) مما جعل التنسيق أكثر صعوبةً، اذ هناك 7 دولٍ منتِجة ومصدِّرة للبترول خارج منظمة الأوبك وهي تمتلك حوالي 21% من احتياطيات النفط المؤكّدة، لكن نصيب دول أوبك لا يزيد عن 30% من إمدادات النفط العالمية، بينما تغطْي الدول من خارج الأوبك النسبة المتبقية ( مثل الولايات المتحدة وروسيا وكندا والبرازيل وكازاخستان والنرويج والمكسيك..الخ) إلى جانب الدول التي لا تصدّر ولكنها تغطّي نسبة من احتياجاتها من إنتاجها المحلي مثل الصين، وهذا يعني أنّ ضبط السوق النفطي عبر الأوبك لم يعد فاعلاً في جانبي كميات الإنتاج وتحديد السعر، ناهيك عن الصراعات الداخلية داخل الأوبك لا سيما بين إيران وفنزويلا مع السعودية أو الصراعات التاريخية الأخرى حول العضوية في المنظمة ، فهناك دول جمّدت عضويتها ثم عادت أو انسحبت لأسبابٍ مختلفة لتعود ثانيةً( كما جرى مع الإكوادور و وإندونيسيا والغابون وقطر..الخ) وعليه فخلافات الأوبك أدّت إلى انفلات العرض دون مراعاة الطلب.

4- تباطؤ معدّلات النمو لا سيما في الدول الأكثر استهلاكاً للنفط، نظراً لانخفاض معدّلات النمو لا سيما في الدول الأكثر طلباً مثل الصين حيث بدأت التخمة في السوق الدولي النفطي تتزايد، فكلما تراجعت معدّلات النمو الاقتصادي تتراجع معه معدّلات الطلب على الطاقة ، واتى فيروس الكورونا ليزيد الأمور تعقيداً فتنتفخ التخمة من جديد.

5- التخزين الذي قامت به الدول المركزية في الاستهلاك من خلال اعادة حقن الآبار البترولية الفارغة، وملء الحاويات العملاقة وابقائها في المياه الدولية، بل أنّ العديد من مصافي العالم الكبرى بدات تعاني من عدم القدرة على استيعاب الفائض وتكريره، أي أنها تعمل بكلّ طاقتها لامتصاص الوفرة البترولية وهو ما يزيد المعروض منه ويزيد الأمور صعوبةً، أي أنّ العرض يتزايد والمخزون الاحتياطي الاستراتيجي للدول الأكثر طلباً يتزايد..فازداد الوضع انفلاتاً جديداً.

6- المماحكات السياسية السعودية الروسية، لقد أدّى تحوّل الولايات المتحدة إلى مصدّرة للبترول من خلال استخراجها للزيت الصخري لإثارة المخاوف الروسية من أنّ ذلك سيقود على المدى البعيد إلى التأثير على الأسواق المعتمدة على الطاقة الروسية لا سيما في أوروبا والصين بشكلٍ خاصٍ، وللجم ذلك رأت روسيا أنّ زيادة الإنتاج وتخفيض السعر دون مستوى نفقات استخراج الزيت الصخري (العالي التكلفة في الإنتاج الأمريكي ) سيقود لضرب الشركات الأمريكية التي يكلْفها الإنتاج الصخري مبالغ تفوق السعر الذي تبيع به لمجاراة أسعار روسيا والأوبك، فتهجر هذا القطاع مما يضمن بقاء العلاقة الروسية الأوروبية بشكلٍ خاصٍ في القطاع النفطي على حالها، أما السعودية فدوافعها السياسية تجاه روسيا كانت هي المحرّك لتحلّلها من التزامات الأوبك ولتزيد الضغط على ثلاث دولٍ تعاني من الحصار بخاصةٍ الأمريكي وهي روسيا وإيران وفنزويلا، أي أنّ القاعدة هي روسيا ضدّ أمريكا والسعودية ضدّ روسيا، فوصلت التخمة ذروتها وهو ما يفسّر إلحاح الرئيس ترامب بميركنتيليته البراغماتية على ضرورة التوافق الروسي السعودي.

7- ومع بدء الدفء في أوروبا ومناطق أخرى مع إطلالة الصيف ، فقد يساهم هذا العامل أيضاً في مزيدٍ من تقليص الطلب ، فتزداد الأمور حدّةً مرةً أخرى
النتيجة:
1- إذا قارنّا الوضع الحالي بالكساد الكبير في 1929-1933، نشير إلى أنّ القدرة على الخروج من عنق الزجاجة سيتفاوت من بلدٍ لآخر طبقاً لإمكانيات كلّ طرفٍ، فقد بدأ خروج بعض الدول من هذا العنق في الكساد الكبير بعد خمس سنواتٍ، وبعضها بقي يئنّ حتى بدايات الحرب العالمية الثانية، لكنّ الأمر يقتضي الأخذ في الاعتبار أنّ الكساد الكبير كان نتيجة لهيكلية الاقتصاد العالمي في تلك الفترة، بينما الآن هو ضحية لما تسمّيه الدراسات المستقبلية ” المتغيّر قليل الاحتمال عظيم التأثير “(Low Probability-High Impact)( الكورونا) ، وهو ما يعني أنّ التعافي من الأزمة مرهون بعمر الكورونا بشكلّ كبيرٍ ليبدأ التعافي خلال سنةٍ إلى اثنتين بعدها، مع التنبّه إلى أن أضرار الأزمة ضربت المركز وشبه المحيط ولا بدّ من وصولها لشواطئ المحيط طبقاً لتقسيمات والرستاين…لكنّ استمرار التخمة النفطية سيبدأ في التراجع بشكلٍ يتناسب تدريجياً مع نسبة دوران موتورات المصاتع والطائرات والسيارات…الخ.

2- رأى البعض أنّ الحرب العالمية الثانية كانت ضمن تداعيات الكساد الكبير ، حيث عرفت قطاعات الإنتاج الحربي تطوّراً كبيراً و ساهمت بقدرّ كافّ في تنشيط آليات النمو الاقتصادي ، وهو ما يعتبره هذا التيار احتمالاً لعودة المشهد العسكري من جديدٍ بين القوى الكبرى..وأظنّ أنّ هذه المقاربه فيها وثوب غير رشيقٍ عن الظروف الذاتية والموضوعية لكلّّ من مرحلة الكساد الكبير والمرحلة الحالية، لكن قد تُدار بعض التنافسات الدولية عبر أنماط حروبٍ جديدةٍ بالوكالة( Proxy War ) قد يكون شرقنا بعضاً من حلباته، ما لم يطل علينا ” قليل الاحتمال عظيم التأثير” مرةً أخرى .

هل سنصل إلى مرحلةٍ يحرق فيها منتجو النفط بعضاً من نفطهم ليكبحوا ضمور الأسعار على غرار ما جرى مع ” شاي بوسطن” ليمنعوا بريطانيا من زيادة الضرائب..ربّما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى