آراء

الضدية والاستقطاب (دعوة حميميم)

مـــروان ســــليمان
في الأزمات تكثر المزايدات والمراهنات والاتهامات على الأكثر تمسكاً بثوابته ورؤيته الثاقبة، والأكثرية من المزايدين يبنون مواقفهم بعد فوات الأوان ليظهروا أنفسهم على أنهم علام بدهاليز السياسة، ولكنهم يجب أن يعلموا بأن الجميع يقول في قرارة نفسه وفروا على أنفسكم مزايداتكم وضلالكم للشعب المسكين الذي أصبح تائهاً ما بين المزايدين والمبايعين و المخلصين.
الشعب الكوردي في سوريا يعرف الحقيقة المطلقة بأن هناك معسكران كورديان يعملان بالضد من بعضهما البعض:
الأول معسكر يحمل المشروع القومي الكوردي، والذي يهدف إلى تحقيق الطموح الكوردي الذي طالما ناضل من أجله القاضي محمد والبارزاني الخالد، والمتمثل اليوم بإقليم كوردستان.
والثاني يعمل ضد المعسكر الأول في معاداة الدولة التي ينشدها الكورد، والمتمثل بال ب ي د و يعرف الشعب الكوردي في سوريا بأن البعض نصب نفسه عليهم بقوة السلاح، وعين نفسه رمزاً للكور،د ويقارن وجود الشعب بوجوده ونفيه بإنتفائه بينما الشعب الكوردي يقول لهم مثلما أتى غيركم وذهب فإنكم أيضاً زائلون، وسيبقى الشعب موجوداً وسيحافظ على الثوابت والدفاع عن حقوقه المشروعة.
اليوم لا ندري إن كان على الكورد في سوريا أن يفرحوا أو يحزنوا على أنفسهم بعد تلقي الحركة الكوردية بمجموعها الأربع والعشرون حزباً دعوة من الجنرال الروسي الذي يسكن قاعدة حميميم الروسية في سوريا هذه الدعوة التي جاءت مفاجئة للغالبية العظمى من الأحزاب في حين أن البعض الآخر كان مشاركاً في وضع اللبنة الأولى حتى توصلوا إلى إرسال تلك الدعوة التي تهدف إلى المصالحة الكوردية في حميميم، وقد يكون المشاركون في تلك الاجتماعات قد تجاوزوا الآخرين، وحددوا المكان في كنف النظام ورعايته، ولكن الأوامر ستكون روسية وأخفوا جدول العمل وعن ماذا كانت تدور نقاشاتهم وعلى ماذا اتفقوا هذا كله يجعل من الاجتماع والدعوة محل شكوك لدى الآخرين، ويفترض أن لا يستفرد أحد بالقرار الكوردي إذا كان الأمر يخص المجموع لأن الأمر هو تفويض الأصلح والأنفع للقضية الكوردية، وليس عن طريق الولاءات والأوامر التي تتجاوز المهارات والحنكة في الرؤية الإستراتيجية والحسابات السياسية خاصة لدى أصحاب هذه الدعوة سواء أكان النظام العنصري السوري أو داعمته الأساسية روسية.
هنا لا بد أن نضع الخلافات التي بيننا في الحركة الكوردية جانباً، ونظهر حقيقة مساندتنا لبعضنا البعض ووحدة الصف الكوردي، ونضع نصب أعيننا الظلم التاريخي الذي وقع علينا حتى أصبحنا حقل تجارب لاستخدام الأسلحة الكيماوية والإبادات و الأنفال، وبغض النظر عن مدى اتفاقنا أو اختلافنا مع تلك الرؤى والحسابات فلا بد من إعادة النظر في رسم سياساتنا تجاهنا أولاً كشعب كوردي وتجاه محيطنا ثانياً، وخاصة في ظل تدخل الدول الكبرى التي تنسق فيما بينها في كل الخطوات على الساحة السورية مما يزيد من الخلل في الموازين، ويلوح في الأفق تقسيمات، وهنا لا بد من دراسة خياراتنا الكوردية المتاحة في إطار حساباتنا الكوردية الخالصة بغض النظر عن تعقيدات المشهد السوري، والدمار و الخراب والرعب المستمر في المنطقة بشكل عام.
حتى الآن لم تظهر تلك الرؤى والحسابات لدى قاصري النظر على تقدير المواقف واختيار المصلحة الكوردية في سبيل اتخاذ القرارات الصائبة في منطقة مضطربة، والتي أصبحت ملعباً مفتوحاً لتكتمل فصول ومشاهد الطائفية و العنصرية من خلال تضييق الخناق والحصار و التهجير، وإجراء تغييرات ديمغرافية في العديد من المناطق، وبالرغم من التقاء مصالح اللاعبين الكبار حول الأهداف الإستراتيجية في سوريا، ولكن المسيطرين الفعليين لهم نظرة أخرى أكثر عمقاً ويرز واضحاً من خلال طريقة التعامل مع الواقع السوري، والعمل تفريغ المناطق وعلى الإيقاع بالحركة الجماهيرية لسهولة السيطرة عليها.
يبدو أن الروس وصلوا إلى طريقة التثبيت في المواقف والتشبث بالأرض لصالح حليفهم النظام السوري، ومن هنا جاءت دعوة الروس أولاً للحفاظ على الأسد لمدة غير معلومة، وثانياً تسويق ب ي د حليف النظام السوري على المحيط الإقليمي، وخاصة تركيا التي أصبحت لها موطئ قدم في سوريا، وهدفها محاربة الكورد، وثالثاً إلزام كل من يدخل قاعدة حميميم الروسية بدعم ومساندة النظام السوري على الأرض لأن الروس يحاولون ضمان حصة آل الأسد، والحفاظ على مصالحهم في سوريا إلى أجل غير مسمى، وهذه الدعوة لا تعني إنها سوف تحل جميع مشاكلنا، ووجود الدعوة لا يعني بأننا سوف نتوافق ونتصالح لأن مشروع الموافقة والمصالحة يستلزم الشجاعة والثقة بالنفس و الإرادة والنية الحسنة وإمكانية المبادرة، ومن أجل تقديم الحلول العملية لها في إطار الأهداف المشتركة، وهذا يتطلب منا الحذر حتى لا نكون حشداً شعبياً للأسد وحاشيته، ونجعل أنفسنا أدوات لبقاء المجرمين يحكموا مصيرنا، ومن هنا فإننا إذا لم نستطع إزالة الأسد وحكمه فعلينا أن لا نكون من داعميه أيضاً أو شركاء له في القتل.
فهل نفرح للدعوة الروسية أم نحزن؟.
مروان سليمان
مدرس في المدارس المهنية بالمانيا(سالتزغيتر)
17.12.2016

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى