الطقس والتراث في المحاكاة الشعبية
ليلى قمر
في تناسب افتراضي خلقتها الذهنية التراثية للمجتمعات ، تتابعت وفق تناوب الفصول واختلاف المناخ لكل فصل ، وحسب بيئة وطبيعة انتاج المجتمع ، وقد اسقطها الكرد كما كثير من الشعوب التي اهتمت بتأريخ ووقائع ربما تكونت وتسلسلت كنماذج أسطورية بحتة ، وتم الربط بينهما كثيرا ، وكتأثير واضح للمجتمعات، خاصة في جدلية الماء والحياة ، والكرد لم يكونوا بمنأى عن هذا الربط الذي خلق أنواعا من التواصل الروحي بين البشر على الأرض ومما يخبئه الغيم لهم – كمثال – في جعبته المعطاءة ، وكذلك الإنجذاب إلى الابتهال الصادق والتقرب من الخالق المعبود والواهب ، ليرسل الغيث وتنتشر الحياة .
الماء إذاً حافظ على كينونة مستخلصة من ماهية قدسيته ليس لدى الكرد ، لابل عند غالبية شعوب العالم ، وأخذت لها أشكال ظهور رمزية تعبر عن ذلك ، وظهرت بطقسيتها في الأعراس ، حيث كان العريس يحمل جرة ملأى بالماء يصعد بها فوق سطح داره فيرميها أمام العروس القادمة تيمننا بأيام هانئة سعيدة .
وفي التراث الكردي هناك دلائل كثيرة تظهر بجلي مدى تأثرهم بانقلاب الفصول ، فكانت الأناشيد والتراتيل الملائمة للنمط تستقبل فصل الخير والبركة وتدعو الى زيادة الإستسقاء للمساعدة على سرعة التفسخ والتجدد ، هذا النوع فرض ذاته وأضحى اهزوجة تراكمية مثلما نراها عند” الكوجر” والأغنية التراثية – الطقسية – التي لايزالون ينشدونها حتى أيامنا هذه : (هيلا تو بخير هاتي ماريني شل داري)
Heyla tu bixêr hatî …marînê şil)
darê)
أي قدمت بخير وسلامة العروس المروية بالمطر الوفير
أي شتاء خيير كريم في عطائه
لتكون هناك صورة أقوى عندهم في (٢١) آذار (Avdar)
أي الأرض الممتلئة بعناق المطر لرحمها لتكون حبلى وتولد للحياة ربيعا مفعم الثمار والزهر حيث قالوا : ( هيلى بخير هاتي ماريني بوكى بهاري)Heyla bixêr hatî marînê bûka biharê.
أي (جئتي بالخير والبركة عروسة الربيع )وهنا العروس شهر نيسان ، لابل ذهبوا بتصورهم الطقسي اكثر وأسقطوه على الواقع، حيث كان الكرد يرفضون إقامة الأعراس في شهر نيسان لإيمانهم بأن نيسان عروسة الربيع وترفض أي عروس أخرى تنافسها في ألقها وبهائها .
كان لطبيعة الحياة في المجتمع الكردي وتأثر وعيه به في اعتماد كلي على الماء بمصادره ، دور بارز في عمق تأثير الطقس في الواقع والوعي الكرديين، وبأن أثره الكبير حتى في أيام من أسابيع مختلفة ومن شهور محددة، حيث مارس فيها الكرد طقوسهم ،وذلك لمراحل تاريخية قديمة تمتد حتى ماقبل ديانات التوحيد ، ومنها على سبيل الذكر يوم – çar şemba reş ( الاربعاء الأسود ) وهو الأربعاء الأول من شهر آذار ، وهو اليوم الذي يجب فيه على الجميع الإنطلاق الى حيث فضاء الطبيعة والإنشراح والتجدد كما هي مستجدات البيئة .
إن الطقس والتراث هما كتلة متحدة تتفاعلان وتنميان ذاتها ، والواقع الكردي بتراثه وفولكلوره يعبران عن التلاحم والتداخل، ومن ثم إعادة الولادة، هذا الأمر الذي اصبحنا ندركه ونفهمه من جديد لكثير من عاداتنا وتقاليدنا .
المقالة منشورة في جريدة بكيتي العدد 282