العرب والكورد: تحالف تاريخي نحو مستقبل مشترك
د. محمد عرب
لطالما جمعت العرب والكورد روابط جغرافية وثقافية واجتماعية جعلت من علاقتهم واحدة من أكثر الشراكات الطبيعية والمنطقية في منطقة الشرق الأوسط ،رغم ذلك شهد ذلك التاريخ فصولاً من التوترات التي لا يمكن تفسيرها بشكل منطقي، خاصة عند النظر إلى حجم التشابه والتداخل بين الشعبين، مقارنةً بعلاقات العرب مع شعوب أخرى كالفرس والأتراك ، وفي الوقت الذي يحتاج فيه الشرق الأوسط إلى شراكات استراتيجية لتجاوز التحديات الإقليمية والدولية، تصبح الدعوة إلى تعزيز العلاقة بين العرب والكورد ليس فقط مطلباً أخلاقياً وتاريخياً، بل ضرورة سياسية واقتصادية لاستقرار المنطقة.
يعود التاريخ المشترك بين العرب والكورد إلى قرون مضت، حيث كانت المنطقة العربية والكوردية جزءاً من إمبراطوريات كبرى كالدولة العباسية والعثمانية، التي اعتمدت على الكورد كجزء من قوتها الإدارية والعسكرية. في العصر الحديث، كان للكورد دور بارز في الحركات التحررية والنضال ضد الاحتلال، وهو ما انسجم مع تطلعات الشعوب العربية في التحرر والاستقلال. على سبيل المثال، كان القائد الكوردي البارز الملا مصطفى البارزاني نموذجاً للصداقة بين الشعبين، حيث دعم العرب في قضاياهم، خاصة خلال النضال الفلسطيني.
العرب والكورد ليسوا فقط جيراناً على خريطة الشرق الأوسط، بل هم شركاء في المصير. الكورد يعيشون في العراق وسوريا وتركيا وإيران، ومع ذلك، فإن الوجود الكوردي في الدول العربية، خاصة في العراق وسوريا، يتميز بتداخل قوي في النسيج الاجتماعي. في العراق، يشكل الكورد نحو 20% من السكان تقريبا ، ويتمركزون في إقليم كردستان العراق، الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ عام 1991. العلاقة بين العرب والكورد في العراق تحمل دروساً عميقة، حيث أظهرت الشراكة في مواجهة التحديات، مثل الحرب على داعش، أن التكاتف بين الشعبين يمكن أن يحقق نجاحات استراتيجية، مثل تحرير الموصل عام 2017.
اقتصادياً يمثل إقليم كردستان العراق نموذجاً للشراكة بين العرب والكورد. الإقليم، الذي يمتلك احتياطيات نفطية تقدر بـ45 مليار برميل، يعتبر بوابة اقتصادية مهمة، ليس فقط للعراق، بل للمنطقة بأكملها. التعاون بين بغداد وأربيل في تصدير النفط وحل النزاعات الاقتصادية يمكن أن يقدم نموذجاً لتكامل أكبر. بالإضافة إلى ذلك، فإن استثمارات الشركات العربية في كردستان ، التي تجاوزت مليارات الدولارات، تؤكد الإمكانيات الكبيرة التي يمكن أن تتحقق من تعزيز هذا التعاون.
سياسياً يعتبر الكورد شريك استراتيجي طبيعي وموثوق للعرب في مواجهة التحديات الإقليمية. مع تصاعد التوترات مع إيران، التي تسعى للهيمنة على المنطقة، وتركيا، التي لديها أجندات خاصة تجاه الكورد والعرب ، يصبح التحالف العربي-الكوردي ضرورة استراتيجية. الكورد، بحكم موقعهم الجغرافي وقدرتهم على التكيف مع التغيرات السياسية، يمكن أن يكونوا عنصر توازن في المنطقة. على سبيل المثال، التعاون العسكري بين الكورد والعرب في سوريا ضد تنظيم داعش أثبت أنه يمكن للطرفين العمل معاً لتحقيق أهداف مشتركة.
على الصعيد الثقافي والاجتماعي، هناك تشابه كبير بين العرب والكورد في العادات والتقاليد، مما يسهل بناء جسور من التفاهم والتعاون. اللغة الكوردية والعربية، رغم اختلافهما، تجمعهما جذور ثقافية عميقة، حيث أن الأدب والشعر والتراث الشعبي للكورد يتقاطع مع الثقافة العربية في الكثير من الجوانب. في الزواج والمصاهرة، هناك تاريخ طويل من العلاقات الاجتماعية التي جعلت الشعبين أكثر قرباً من بعضهما البعض. الكورد ليسوا غرباء عن العرب، بل هم جزء لا يتجزأ من النسيج الإقليمي.
استشرافياً ، فإن تعزيز العلاقة بين العرب والكورد يمكن أن يعيد تشكيل الشرق الأوسط بطرق إيجابية. التعاون العربي-الكوردي يمكن أن يكون أساساً لنموذج سياسي جديد يتجاوز الصراعات العرقية والطائفية. من خلال تقاسم السلطة والموارد، يمكن للمنطقة أن تحقق استقراراً طويل الأمد. على سبيل المثال، تطوير مشاريع اقتصادية مشتركة، مثل بناء خطوط أنابيب للنفط والغاز تربط إقليم كردستان بالدول العربية، يمكن أن يعزز التكامل الاقتصادي. كذلك، يمكن أن يكون للكورد دور رئيسي في المبادرات الإقليمية لحل النزاعات، بما يضمن مستقبلاً أكثر استقراراً.
الأرقام تدعم هذا التفاؤل. في استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية الكوردي عام 2022، أظهر 72% من المشاركين الكورد رغبتهم في تعزيز العلاقات مع الشعوب العربية. من جهة أخرى، أظهرت دراسة لمعهد البحوث العربية أن 88% من العرب يرون أن الكورد شركاء طبيعيون، مقارنة بنسبة أقل للفرس أو الأتراك.
في الوقت الذي يعاني فيه الشرق الأوسط من الصراعات والتدخلات الخارجية، لا يمكن للعرب أن يخسروا حليفً تاريخياً كالكورد. الخطابات التي تثير العداء بين الطرفين تخدم أجندات خارجية لا تهدف إلا لإضعاف المنطقة. الكورد ليسوا أعداء، بل هم أخوة، جيران، أصهار، وحلفاء. تحالف العرب والكورد يمكن أن يكون خطوة نحو بناء شرق أوسط جديد يقوم على الشراكة والاحترام المتبادل. لقد أثبت التاريخ أن الوحدة أقوى من الانقسام، والمستقبل يفتح أبوابه لأولئك الذين يختارون التحالفات البناءة.
في إطار التعاون الاقتصادي الاستراتيجي، يمكن أن يُشكل العرب والكورد تحالفاً اقتصادياً قوياً ، حيث تُعد كردستان ، بموقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية، بوابة للتجارة والاستثمار العربي. بناء شبكات للنقل والطاقة، وتطوير قطاعات الزراعة والسياحة المشتركة، قد يُحدث نقلة نوعية في التنمية الاقتصادية للمنطقة. هذه المشاريع لن تقتصر على تعزيز الاقتصاد فقط، بل ستُوطد الروابط الاجتماعية والثقافية بين الشعبين، مما يفتح آفاقاً جديدة لمستقبل مشترك قائم على الاستقرار والازدهار.
K24