العمال الكردستاني وإيران: التحالف القديم – الجديد!
هوشنك أوسي لمعهد العربية للدراسات
لا ينفرد حزب العمال الكردستاني، الذي تأسس في 28/11/1978، بزعامة عبدالله أوجلان، بالعلاقة مع إيران، بل سبقه إلى ذلك، الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة رئيس العراق جلال طالباني، إذ تربطهما علاقات تاريخيّة مع إيران الشاه، وإيران الخميني، ولمّا تزل هذه العلاقة قويّة، مع رجحان كفّة الاتحاد الوطني الكردستاني. لكن، طبيعة علاقة العمال الكردستاني مع نظام الملالي في طهران، تكتسب خصوصيّة، لجهة البراغماتيّة الحزبيّة، القليلة المكاسب، والمتناقضة مع مبادئ الحزب، العلمانيّة – اليساريّة والقوميّة!.
البداية
سنة 1981، اتجهت مجموعة من عناصر العمال الكردستاني، إلى إيران، بقيادة محمد قره سونغور (أحد مؤسسي الكردستاني، اغتيل في كردستان العراق سنة 1983)، بغية تشكيل خلايا حزبيّة، لكنها فشلت، بسبب الحضور النشط للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني بزعامة عبدالرحمن قاسملو (اغتالته المخابرات الايرانيّة في فينّا يوم 13/7/1989) إلى جانب حزب كولمة الكردي الايراني، بين الكرد الإيرانيين وقتئذ.
ورغم تواجد أوجلان على الأراضي السوريّة منذ نهاية 1979، لكنه لم يلفت أنظار دمشق إليه، إلاّ بعد مشاركة حزبه في مقاومة الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان سنة 1982 إلى جانب الفصائل الفلسطينيّة واللبنانيّة. ولأن طهران حليفة دمشق، فأن علاقة الكردستاني بالنظام السوري، ساهمت في تطوّر علاقته بطهران أيضاً، بحيث وصلت إلى أن يلتقي وزير الخارجية الإيراني الأسبق، علي أكبر ولايتي بأوجلان في دمشق، منتصف التسعينات. كما أن أوجلان، وفي حوار مطوّل مع الصحافي السوري نبيل ملحم، نشر في كتاب بعنوان “قائد وشعب – سبعة أيّام مع آبو” (1)، أعتبر حزبه مشارك في المحور السوري – الإيراني، في مواجهة الحلف التركي – الاسرائيلي – الأمريكي!، متجاهلاً معاناة الشعب الكردي في كل من إيران وسورية!.
وبتوقيع أنقرة ودمشق اتفاقيّة أضنا في خريف 1998، أجبر النظام السوري أوجلان على مغادرة دمشق يوم 10/10/1998، واختطِف من العاصمة الكينيّة نيروبي في 15/2/1999، هذه الحادثة، ألهبت المشاعر القوميّة الكرديّة، خاصةً بعد ظهور صور أوجلان، معصوب العينين ومقيّد اليدين، وخلفه العلم التركي، وساهم ذلك في خلق حالة من التضامن والالتفاف الجماهيري الكردي العارم حول العمال الكردستاني، فأنضم إليه الآلاف من الشباب الكردي الإيراني، وحدث الانفجار الجماهيري للحزب واتسعت رقعة شعبيّته بين الكرد الإيرانيين سنة 1999 – 2001 على حساب تراجع شعبيّة الديمقراطي الكردستاني الإيراني، بعد الانشقاقات التي ضربت هذا الحزب، وحزب كوملة الكردي الايراني.
ومع فكّ الارتباط بين نظام الأسد الابن والعمال الكردستاني، كنتيجة لاتفاقيّة أضنا السالفة الذكر، شهدت علاقة الحزب مع طهران فتوراً، بخاصة، بعد إعلان الكردستاني هدنة شبه دائمة مع تركيا، وفشل طهران في إقناع قيادة الحزب بالعدول عن المشروع السلمي الذي طرحه أوجلان من سجنه. لكن، لم تصل تنقطع علاقة الحزب مع طهران، إلى أن أعلن العمال الكردستاني عن تأسيس فرعه الإيراني؛ حزب الحياة الحرّة الكردستاني (PJAK) في 4/4/2004، وبدئه توجيه بندقيته نحو طهران، عبر (PJAK) (2)، وبدأ يشنّ هجمات عسكريّة ضدّ الجيش الإيراني والحرس الثوري، ويلحق بهما ضربات مؤلمة. من جانبه، بدأ الجيش الإيراني بحملات تمشيط عسكريّة في المناطق الجبليّة التي يتواجد فيها مقاتلو (PJAK)، إلى جانب القصف المدفعي لمعاقل العمال الكردستاني في المثلث الحدودي التركي – العراقي – الإيراني. وزجّ المئات من عناصر (PJAK) في السجون، وحكم على العشرات بالإعدام، ونفّذ الكثير من هذه الأحكام، رغم مناشدات الكردستاني وتهديداته.
أثناء حوار أجريته معه في جبال قنديل، صيف 2007، لصالح جريدة “الحياة”، وفي معرض إجابته على توتّر علاقة العمال الكردستاني مع إيران، قال رئيس اللجنة التنفيذيّة للحزب، مراد قره إيلان: “في حال اشترك الأتراك والإيرانيون في الهجمات علينا، فقرارنا هو المقاومة. وليست لدينا مواقف أو نيات مسبقة من إيران ترتكز على ضرورة الدخول في صراع معها.” (3).
سياسة التحييد
حركة الاحتجاج العارمة التي شهدتها إيران، وعرفت بـ”الثورة الخضراء” على خلفيّة اتهام النظام بتزوير الانتخابات الرئاسيّة في 12/6/2009، كان من المفترض ان يشترك فيها كرد إيران، كونهم يتعرّضون لقمع مزدوج، قومي على انهم كرد، وطائفي على أنهم سنّة. ولكن العمال الكردستاني، وعبر جناحه الإيراني (PJAK) قام بتحييد الكرد، باعتبار هذا الحزب، يمتلك القاعدة الجماهيريّة الأكبر بين كرد إيران، وأعلانه الكفاح المسلّح ضد طهران. ومع بدء الثورة التونسية واقتلاعها نظام بن علي، وانطلاق الثورة في مصر وليبيا، بدأ الكردستاني يحرّض على الانتفاضة والثورة على نظام الأسد، عبر قنواته الإعلاميّة، والخطاب الإعلامي – السياسي لفرعه السوري؛ حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD). و مع اشتداد القصف المدفعي والصاروخي الإيراني على معاقل الكردستاني في جبال قنديل. تناقل الإعلام التركي منتصف 2011، خبراً مفاده؛ اعتقال الإيرانيين الرئيس السابق للجنة التنفيذيّة للكردستاني، مراد قراه إيلان. والإفراج عنه، مقابل أن يدخل الكردستاني في تحالف مع نظام الأسد، ويساهم في تحييد الكرد السوريين عن الثورة السوريّة. وبقي القصف المدفعي على جبال قنديل مستمرّاً، بشكل متقطّع، ولم توقفه طهران، إلى أن تأكدت من أن الكردستاني، أنجز المطلوب منه سوريّاً!.
قره إيلان، وفي تصريحات سابقة له، كشف عن أن دولة إقليميّة طلبت منهم، عدم مساندة التسوية السلميّة التي طرحها أوجلان في 21/3/2013، والعودة لمقاتلة تركيا، وأن هذه الدولة، تعّهدت بمدّهم بالمال والسلاح، إلاّ أنهم رفضوا ذلك. ورأى مراقبون بأن قره إيلان لمّح إلى إيران، وأن تركيا في حال عدم تسريعها خطوات الحلّ السلميّ المتفق عليها، فاحتمال عودة الكردستاني لأن يصبح مخلف في يد طهران ضدّ أنقرة، جد وارد.
بعد استلام جميل بايك قيادة العمال الكردستاني، في 5/6/2013، خلفاً لقره إيلان، ازداد تقارب الكردستاني مع طهران، بدليل أنه في 5/5/2014، تمّ الإعلان عن تشكيل تنظيم كردي إيراني جديد، على أنقاض حزب (PJAK)، باسم التجمع الديمقراطي الحر لشرق كردستان (KODAR)، يطالب النظام الإيراني بالانفتاح. وأن هذا الحزب، لن يلجأ الى استخدام السلاح ضدّ إيران. (4). وكان حزب (PJAK) أعلن في 5/8/2013، استعداده إرسال مقاتلين إلى المناطق الكرديّة السوريّة، بحجّة محاربة هجمات “داعش” و”النصرة” على هذه المناطق. (5). ما فسّره مراقبون أن العمال الكردستاني، قد أخمد جبهته مع إيران، بغية التفرّغ للقتال في سورية، بالتنسيق مع النظامي الإيراني والسوري. إذ لا يمكنه الاشتباك على ثلاثة جبهات: إيران وتركيا وسورية!. ناهيكم عن أن العديد من التحليلات والمصادر المطلعة، تنظر إلى جميل بايك على أنه “رجل إيران”، والأكثر قرباً من نظام الأسد، ضمن قيادة الكردستاني. كما أن حضور العناصر العلويّة، في قيادة الكردستاني، منذ مؤتمره التأسيسي سنة 1978 ولغاية الآن، له تأثيره على قرار وبوصلة الحزب، رغم علمانيّته ويساريّته، وطروحاته التي يعتبر فيها نفسه صاحب مشاريع وأفكار ما بعد قوميّة ودينيّة وطائفيّة.
أيّاً يكن من أمر، المكاسب التي حققها العمال الكردستاني كانت أقلّ بكثير من الخدمات التي قدّمها للنظام الإيراني، سواء بشكل مباشر أو بغيره. ويتوقّع مراقبون توتّر علاقته مع طهران مجدداً، مع اقتراب الأخيرة من أنقرة، بخاصّة بعد زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى تركيا، والحديث عن تأسيس مجلس تعاون استراتيجي بين البلدين، سيكون التعاون الأمني، ومحاربة التنظيمات المعارضة والانفصاليّة، أخد أبرز ركائز هذا التقارب. كما أن نجاح الأسد في سحق معارضيه، ونجاح طهران في التقريب بين أنقرة ودمشق، سيعيد تشديد الطوق الإيراني – التركي – السوري على الكردستاني. بينما يرى آخرون أن إيران، لن تفرّط بورقة العمال الكردستاني بسهولة، فالحاجة الإيرانيّة إليه ستزداد مع تفاقم الأزمة في العراق، وتداعيات غزوة “داعش” على الموصل والمحافظات العراقيّة السنيّة الأخرى.