آراء

الـ ب ي د – المأزق – الخيارات أو الشروط

د. عبدالحكيم بشار

يجري الحديث عن احتمال تدخل تركي لمنطقة شرق الفرات التي تخضع لإدارة الاتحاد الديمقراطي وسيطرته العسكرية مدعوماً من التحالف الدولي منذ فترة ليست بقريبة، وقد ازداد هذه الحديث تداولاً في الفترة الاخيرة مقروناً بقصف تركي لبعض مناطقها خاصة تل ابيض ومناطق أخرى.

ثمة مستجدات ترجّح دخول تركيا لبعض مناطق شرق الفرات او الشريط الحدودي بعمق محدد منها:

١- التحسن النسبي في العلاقات التركية الامريكية بعد التعاون بين الطرفين في قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول وإطلاق سراح القس الامريكي المعتقل لدى تركيا السيد برونسون والتي تلتها رفع العقوبات الامريكية عن المسؤولين الاتراك على خلفية اعتقال القس برونسون والتعامل الايجابي بالمثل من الحكومة التركية.

٢- التراجع النسبي في العلاقات بين النظام السوري والاتحاد الديمقراطي.

فمن المعروف أن النظام استدعى الاتحاد الديمقراطي في بداية الثورة حيث كان قادته الرئيسيون في جبال قنديل، وسُمِحَ له بممارسة نشاطه مقابل مهمتين أساسيتين أوْكِل بهما الحزب.

المهمة الاولى: العمل على منع الكرد في المشاركة في الثورة السورية سلميا من خلال منع الاحتجاجات والمظاهرات ضد النظام.

الثانية: التأسيس لصراع كردي عربي، ورغم ان الـ ب ي د أنجز المهمتين من خلال القمع الوحشي ضد المتظاهرين الكرد وسياسة الاعتقالات والاغتيالات والمجازر الجماعية في عدد المناطق، وجح في منع المظاهرات، وكذلك نجح في التأسيس لصراع كردي -عربي من خلال احتلاله للعديد من المناطق خارج المنطقة الكردية كاحتلاله لمدينة منبج والرقة وريف دير الزور ومناطق واسعة من ريف الحسكة الجنوبي وارتكاب قواته لانتهاكات واسعة في تلك المناطق واغتيال بعض الشخصيات البارزة في مجتمعاتها ومنها زعيم عشيرة العفادلة في الرقة، وبذلك أنهى الاتحاد الديمقراطي المهام الوظيفية الموكولة له من قبل النظام إلا أن تردد الأخير إعادة المناطق المستلمة من النظام اليه أثر سلباً على العلاقة بين الطرفين.

٣-القرار الامريكي بمنح مبالغ مالية ضخمة تصل الى 12 مليون دولار للاستدلال على اماكن تواجد ثلاثة اشخاص من قادة ال ب ك ك، وكانت الرسالة الامريكية هذه موجهة للاتحاد الديمقراطي اكثر من غيره مفادها ان الـ ب ك ك مصنف على قائمة الارهاب أمريكيا واوربيا وان امريكا جادة بملاحقة قادته، وآن الاوان لفك الارتباط العضوي بين الـ ب ي د والـ ب ك ك

تتزايد الاحتمالات بدخول تركي لمناطق واسعة من شرق الفرات، وتتزايد معها أزمة الاتحاد الديمقراطي الذي بدأ يتخبط اكثر لعدم امتلاكه أية استراتيجية بل مهام وظيفية ولتبعيته المطلقة لحزب العمال الكردستاني، لذلك تحرك الاتحاد الديمقراطي في اتجاهات متعددة منها:

-الذهاب الى دمشق والدخول في مفاوضات مع مستويات متدنية من المسؤولين الأمنيين للنظام والتي لم تفضِ الى نتيجة، حيث طالب النظام باسترجاع كافة المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الاتحاد الديمقراطي دون اي مقابل بينما كل ما كان يريده الاتحاد الديمقراطي اعادة تلك المناطق للنظام مع قليل من حفظ ماء الوجه.

– اطلاق تصريحات متبادلة بين الحين والآخر بضرورة عودة العلاقات بين الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي والعودة الى الاتفاقيات السابقة بين الطرفين، تلك الاتفاقيات التي لم يلتزم بها الاتحاد الديمقراطي بل سخرها لأجنداته الخاصة غير الكردية وغير الوطنية.

وسيكون من السذاجة من المجلس الوطني الكردي العودة الى تلك الاتفاقيات والدخول في أية حوارات مع الاتحاد الديمقراطي الا بتوفر شروط محددة تتجاوز مسألة فتح مكاتب المجلس وإطلاق سراح المعتقلين لأن في أي لحظة يمكن للاتحاد الديمقراطي العودة الى نفس الممارسات الإرهابية السابقة، وبالتالي فان دخول المجلس في مفاوضات واتفاقيات جديدة او العودة الى الاتفاقيات السابقة دون توفر شروط محددة يعني فيما يعني فقدان المجلس لما تبقّى من مصداقيته وثقله، وقد يتعرض المجلس لهزات داخلية اذا اقدم على خطوة غير محسوبة.

والسؤال المطروح: لماذا التدخُّل التركي المحتمل في شرق الفرات؟ انه سؤال يستوجب الخوض فيه من منطق مصالح الدول ورؤيتها لأمنها الوطني والقومي، فتركيا في حالة حرب مع حزب العمال الكردستاني، ولن تسمح تركيا بنشوء وتموضع ونشر قوات عسكرية تابعة لحزب العمال الكردستاني مع اعلامه وراياته ورموزه على حدودها الجنوبية، ونعتقد ان أية دولة لن تسمح بذلك، وهذا السؤال يطرح سؤالاً آخر:

هل أن قوات الاتحاد الديمقراطي المسماة ال ي ب ك. و ي ب ج هي فعلاً قوات تابعة لحزب العمال الكردستاني ام انها قوات مستقلة؟ وهذا هو الموضوع الإشكالي الذي يجب الخوض فيه ايضا.

كل المعطيات تشير الى ان الاتحاد الديمقراطي هو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني وقياداته تأتمر بأوامر قنديل، ولا يملكون هامشا بسيطا فيما يتعلق بالقرارات المهمة، وكذلك فان القوات العسكرية التابعة له قد تم تأسيسها وتدريبها من قبل (الكريلا) وهي قوات حزب العمال الكردستاني العسكرية وبتسليح وتمويل من النظام السوري، وهذه القوات ليست تابعة لحزب العمال الكردستاني وحسب بل هي جزء من قواتها العسكرية وتابعة بكل مباشر لقيادة قنديل والتي اكدت عليها العديد من تصريحات قادة قنديل والدلائل بالعشرات، بل ان قادة ال ي ب ك هم من قيادات ال ب ك ك والقادة الرئيسين اصحاب القرار هم من كرد تركيا، وهذه التبعية المطلقة لقنديل معروف للقاصي والداني، ويؤكد الاتحاد الديمقراطي هذه التبعية يوما بعد آخر، وجاء اخر هذه التأكيدات في بيانه الرافض للقرار الامريكي حول منح مكافآت مالية لمن يدلي بمعلومات على أماكن تواجد ثلاثة من قيادات العمال الكردستاني، ان كل المؤشرات تؤكد ان الاتحاد الديمقراطي في مأزق حقيقي واذا كان يراهن على حمايته أمريكيا، فان القرار الامريكي واضح جدا وهو التحالف الدولي والذي يعدُّ الـ ي ب ك جزءاً منه ضد الارهاب، وتحديدا ضد داعش مما يعني ان امريكا غير ملزمة بالدفاع عن الاتحاد الديمقراطي وقواته في حال حصول دخول تركي الى شرق الفرات اذا لم يترافق ذلك بضرر بالمصالح الامريكية.

أما الخيارات أمام الاتحاد الديمقراطي أو الشروط الواجب توفرها، فهناك خيار واحد ومحدد أمامه الذي يعدُّ الخيار الرئيسي وفِي رأس القائمة من الشروط، وتتبعه الخيارات الاخرى التي هي بالمحصلة نتيجة، وليست سبباً هذا الخيار هو فك الارتباط النهائي والكامل بين الاتحاد الديمقراطي والعمال الكردستاني عسكريا وماليا وسياسيا، وفِي مختلف المجالات. وتجاوز القول الى الفعل وتقديم مختلف الدلائل على تأكيد وتحقيق ذلك.

اما الخيارات التي تأتي بعد هذا الخيار، والناتجة عن تموضع الاتحاد الديمقراطي وسلوكه وممارساته وخياراته السياسية كلها نتجت عن ارتباطه عضوياً وتبعيته لحزب العمال الكردستاني، وفِي حال تحقق فك الارتباط، فإن الكثير من المعادلات الاخرى سوف تتغير، ولذلك يمكن ايجاز الخيارات او الشروط الاخرى بعد تحقيق الشرط الاول والواجب توفرها لتجاوز المأزق الذي وضع الاتحاد الديمقراطي نفسه فيها هي:

-التأكيد على البعد الوطني للاتحاد الديمقراطي باعتباره حزباً سورياً، وليس عابرا للحدود.

إخراج كل العناصر غير السورية من تنظيماته المختلفة السياسية والعسكرية والإدارية والمالية وعدم السماح لهم بممارسة اي نشاط في مناطق سيطرته.

-التموضع مع المعارضة والتخلّي النهائي عن كل ممارساته القمعية والإرهابية ضد المختلف سياسياً.

– الانسحاب من المناطق العربية التي احتلها في منبج والرقة وريف دير الزور واجزاء واسعة من ريف الحسكة والقامشلي، وترك حمايتها وإدارتها لأبناء تلك المناطق، ونعتقد ان لدى امريكا والتحالف الدولي القدرة على تأمين الحماية من خلال تنظيم ابناء تلك المناطق، اما على صعيد الادارة، فإن أبناء تلك المناطق يمتلكون من الخبرات الإدارية والتقنية التي تفتقدها الاتحاد الديمقراطي.

-محاكمة ومحاسبة كل من ارتكب انتهاكات ضد السكان المدنيين في تلك المناطق.

– وقف كل الانتهاكات الاخرى من غلق المكاتب الاحزاب الكردية والاعتقالات والاغتيالات والغاء التجنيد الإجباري، والغاء أدلجة المناهج التربوية وعدم فرض مناهج محددة، وغيرها من الممارسات اللاديمقراطية والقمعية والعنفية والارهابية.

-وضع ترتيبات جديدة لإدارة المناطق خارج سيطرة النظام والخاضعة لسيطرة الاتحاد الديمقراطي بعد انسحابه من المناطق العربية المحتلة وذلك بالتنسيق مع المجلس الوطني الكردي والمعارضة السورية.

إن توفر هذه الشروط من شأنه أن يعطي رسالة اطمئنان لتركيا وللشعب السوري وقوى الثورة والمعارضة بان تحولا حقيقيا قد حصل على طبيعة واجندة الاتحاد الديمقراطي مما سيخرجه من المأزق الذي هو فيه، ويجنّب الصراع الكردي العربي وسيفتح صفحة جديدة في العلاقات الوطنية.

أما استمرار هذا الحزب بنفس التبعية واستمراره جزءاً من منظومة العمال الكردستاني فإنه يتحمل بشكل رئيسي ما ستؤول اليه الأوضاع في شرق الفرات عموماً والمنطقة الكردية على وجه الخصوص بالإضافة الى القوى الكردية والكردستانية التي تساند بشكل مباشر او غير مباشر الاتحاد الديمقراطي من خلال البيانات والتصريحات التي تصب في مصلحة الحزب وايديولوجيته.

جميع المقالات المنشورة تُعبر عن رأي كتابها ولاتعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى