الفيدرالية (الاتحادية)
أكرم شمو
تمهيد
الدول في القانون الدولي وفقه السياسة لها أنواع متعددة وأنماط نظم مختلفة تختلف نوع الدولة حسب عوامل وظروف كثيرة وجميعها تتصف بصفتين اساسيتين فأما ان توصف بالبسيطة او المركبة والاتحاد الفيدرالي او نظام الدولة الفيدرالية Federalism وهي واحدة من انواع الدول في العالم والتي توصف بالدولة المركبة ومثال ذلك سويسرا والهند والولايات المتحدة الامريكية وماليزيا وكندا وغيرها …
وللاتحاد الفيدرالي أسباب او مبررات عديدة غايتها الأولى صنع التعددية والمشاركة الفاعلة الحقيقية في الحياة السياسية بصورة ديمقراطية وعادلة بعيدا عن التفرد في الحكم وحكر السلطات بيد شخص او مجموعة تنتهك القانون وتهدر الحقوق ، ذلك لأن حكم الفرد يقود دائما إلى الأخطاء والمشاكل والظلم، بينما تؤدي المؤسسات في ظل حكم الجماعة دورها بصورة أفضل وأكثر عدالة في ظل القانون والرقابة الدستورية.
ومفهوم الفيدرالية والاتحاد الفيدرالي يرتبطان بمبدأ حق تقرير المصير للأمم والشعوب وهومبدأ تكامل مفهومه العملي في العصر الحديث ، وأخذ طريقه إلى المواثيق الدولية ولاسيما المواثيق واللوائح الخاصة بحقوق الإنسان والمواطن ، وبالتالي فالفيدرالية يمكن ان تكون تجسيدا لاسس الديمقراطية في الحكم والإدارة والقانون .
– ماذا يعني مفهوم الفيدرالية
الفيدرالية لغة
الفيدرالية كلمة لاتينية الأصل وهي مشتقة من كلمة ( فيديرا) وتعني الثقة وكلمة (فيدوس) تعني الاتحاد وحديثا دخلت هذه الكلمة الى العربية واللغة الكردية وغيرها من اللغات في العالم وهي تترجم عادة بكلمة( الاتحاد) في العربية وأقرب عبارة لها وفي اللغة الكردية تقابلها (هفكرتن- hevgirtin )
والفيدرالية لا تعني التجزئة ولا الانفصال كما لا تعني القهر والاندماج القسري كما يرى البعض الآخر.
وفي قواميس اللغة الانجليزية نجد كلمة(Federal ) تعني اتحادي و(Federatin) تعني الاتحاد و(Federalism ) تعني الاتحادية وجاء في قاموس اكسفورد ص ٢٧٧ كلمة (Federation) تعني اتحاد فيدرالي وهو اتحاد سياسي للدول او الولايات (state) .
وهي اصطلاح تعني شكلا محددا من أشكال الاتحاد .
-مصطلح(Federalis) يعني الاتحاد او المعاهدة وسواء كان اتحادا او معاهدة،فهو يقوم بين طرفين متميزين او اكثر تجمع بينهم روابط متينة لها قدرة ذاتية على تحفيز الأطراف المعنية في سبيل البحث عن صيغة توافق مركب وجودي قوي، الفيدرالية تعني تحرك الإفراد او الجماعات المتميزة من ناحية والمشتركة من ناحية أخرى نحو تشكيل تجمع واحد يوافق بين رؤى الاتجاهات المتناقضة انطلاقا من الشعور المشترك بالحاجة إلى الوحدة .
أما مصطلح (State federal ) فهو يعني 《الدولة الاتحادية》 او 《الدولة التعاهدية 》 والمعنى الأقرب هو الولايات المتحدة لأن مصطلح المدينة او الولاية هي من المصطلحات الادارية الأكثر تداولا في العهد الإغريقي القديم بينما مصطلح الدولة فهو مصطلحا معاصر ففي العهد القديم ظهر تلقائيا مدن متجاورة او ولايات متقاربة وكان لكل مدينة او ولاية سلطة خاصة بها توجه سكان الولاية وتنظم حقوقهم و واجباتهم وتحافظ على حدودها من غزو سكان الولايات الاخرى وبالتالي كانت هذه الولايات تعيش في معظم اوقاتها حروبا دامية وقليلا ما تعلن ما تعلن الصلح في اوقات محددة .
لكن في كل الأحوال لم تكن الولايات المتقاربة قديما تعتمد في إقامة اتحاداتها على أصول دستورية وإدارية متحضرة تاخذ بنظر الإعتبار إرادة سكان الولايات بقدر ماكان منهج ” الاتحاد القسري” هو المنهج السائد في تلك الحقبة الزمنية وبالتالي لا يتطرق الباحثون في مباحث إدارة الدولة إلى النماذج الاتحادية الإغريقية او الهندية(القديمة ) إلا بحدود إثبات قدم فكرة الفيدرالية في نظام إدارة الدول.
وبناء على هذا يكاد أن يتفق هؤلاء الباحثون على أن النظام الفدرالي بصيغته القانونية، مفهوم حديث ومعاصر لا يتعدى تاريخه التطبيقي نظام الحكم الفدرالي للولايات المتحدة الأمريكية الذي ظهر الى الوجود عقب مؤتمر فيلادلفيا عام 1787م. حيث اتفقت الولايات على تطوير هذا الاتحاد الى اتحاد فيدرالي قوي بعد ان كانت اتحاد كونفدرالي تعاني مشاكل مختلفة وكانت صلاحيات السلطة المركزية ضعيفة واليات اتخاذ القرارات الهامة بطيئة ومتعثرة فقد حدد دستور سنة 1787 م الذي اصبح نافذ المفعول سنة 1789 م حدد اختصاصات الدولة الفيدرالية على سبيل الحصر وترك ما عدا ذلك من السلطات الى سلطة الولايات وبذلك حددت مبادئ الفيدرالية الحديثة منذ ذلك الحين .
نشأة وتكون الدولة الفيدرالية:
اما من حيث نشأة وتكون الدولة الفيدرالية يذكر رجال القانون أن الدول الفدرالية تكونت بطريقتين: – إما من اتحاد كيانات مستقلة، أو من كيانات تنفصل من جسد دولة واحدة كبيرة ، ثم تعقد العزم على الاتحاد ضمن صيغ قانونية واجتماعية جديدة. وهي كالتالي:
1- اتحاد ولايات متقاربة: تنشأ الدولة الفدرالية من إتحاد ولايتين أو عدة ولايات متقاربة تشترك شعوبها في ملامح اجتماعية وجغرافية وتاريخية، فتتنازل كل واحدة عن بعض سلطاتها الداخلية، وعن سيادتها الخارجية، ثم تتوحد ثانية لتكون الدولة الفدرالية على أساس الدستور الفدرالي، مثال على الولايات أو الإمارات المتحدة: الولايات المتحدة الأمريكية عام 1787 والاتحاد السويسري عام 1874 وجمهورية ألمانيا الاتحادية عام 1949 واتحاد الأمارات العربية عام 1971.
2- تفكك دولة كبيرة: تنشأ الدولة الفدرالية من تفكك دولة كبيرة بسيطة، يعاني سكانها من مشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية، كاختلاف اللغة والعادات والثقافات والموارد والثروات، فيعمل شعبها على المطالبة باستقلال تام عن سيطرة الحكومة المركزية، وتقرير مصيرها دون تدخل من الآخرين، ثم تعمل الولايات المفككة على تشكيل دولة واحدة هي الدولة الفدرالية، وفق نظام إداري فدرالي. مثال الدولة الفدرالية الناشئة عن تفكك دولة بسيطة هي المكسيك 1857 والأرجنتين 1860 والبرازيل سنة 1891 وتشيكوسلوفاكيا سنة 1969 .
ملامح الدولة الفدرالية
تتميز الدولة الفدرالية عن غيرها من الدول البسيطة بأمرين:
1- الدولة الفدرالية دولة مركبة: تتصف الدولة الفدرالية بأنها دولة مركبة من أجزاء متميزة، وهذا التركيب هو الذي يميز الدولة الفدرالية عن الدولة البسيطة حيث تتكون الدولة الفدرالية من دولتين أو أكثر، أو من إقليمين أو أكثر، يكون لكل منهما نظامه الخاص، واستقلاله الذاتي، مثل أن يكون لكل ولاية أو إقليم دستور خاص، برلمان خاص، حكومة خاصة، وقوانين خاصة، وعسكر خاص، وموارد خاصة، ولغة خاصة بها.
2- الدولة الفدرالية دولة واحدة: تتصف الدولة الفدرالية بأنها دولة واحدة، كالدولة البسيطة تماما، من حيث وجود دستور اتحادي واحد، وحكومة اتحادية واحدة، وبرلمان اتحادي واحد، ومحكمة اتحادية واحدة، وجيش اتحادي واحد.
ولزيادة التوضيح نورد بعض التعاريف التي اوردها الباحثون وخبراء السياسة والقانون لمفهوم الفيدرالية والتي تتقارب جميعها بالمعنى والمضمون وترسم صورة مقبولة لشكل الدولة التي تتصف بجملة من التنوع العرقي والمذهبي والتركيبة السياسية المتعددة الميول والاتجاهات المتعارضة حيث ينبثق تحقق نظام الاتحاد الفيدرالي الذي يكفل التعايش الانساني القائم على اسس الوحدة والتعاون والتوافق والهدف المشترك .
ومن هذه التعاريف:
1- الفيدرالية : الفيدرالية هي نظام قانوني يقوم على أساس قواعد دستورية واضحة تضمن العيش المشترك لمختلف القوميات والأديان والمذاهب والأطياف ضمن دولة واحدة تديرها المؤسسات الدستورية في دول القانون.
2- الفيدرالية: نمط أو شكل من أشكال الأنظمة السياسية المعاصرة، وتعني وحدة مجموعة أقاليم أو ولايات أو جمهوريات (دويلات) في إطار الارتباط بنظام المركزية الاتحادية، مع التمتع بنوع خاص من الاستقلالية الذاتية لكل إقليم.
3- “الفيدرالية :هي دولة واحدة تتضمن كيانات دستورية متعددة لكل منها نظامها القانوني الخاص واستقلالها الذاتي وتخضع في مجموعها للدستور الفيدرالي باعتباره المنشئ لها والمنظم لبنائها القانوني والسياسي وهي بذلك عبارة عن نظام دستوري وسياسي مركب ”
4ـ الفيدرالية تعني الاتحاد الاختياري اي التعايش المشترك بين الشعوب والاقليات وحتى بين الشعب الواحد في اقاليم متعددة (المانيا مثال ).
5 – النظام الفيدرالي او الفيدرالية هو نظام توزيع الصلاحيات بين حكومتين او اكثر تمارسان السلطة على مجموعة الناس نفسها وعلى الاقليم الجغرافي ذاته .
ومن جملة التعاريف الواردة هذه، يبرز تعريف آخر يفيد أن:
– (الفيدرالية هي استقلال داخلي ضمن الدولة الواحدة والسلطة المركزية الفيدرالية وعلى أساس المساواة) .
ـ والفيدرالية كمفهوم حقوقي ونظام سياسي، هو في الواقع، توفيق أو توليف بين ما هو متناقض في بعض المفاهيم، وفي عناصر بنية النظام، أي بين الاستقلالية والاندماج، وبين المركزية واللامركزية، وبين التكامل والتجزئة. ، إذ يتخذ النظام الفيدرالي أشكالاً مختلفة وفقاً لتراكيب السكان والكيانات المتحدة – القومية، العرقية، التاريخية، اللغوية، أو الدينية … إلخ، ”
فالنظام الفيدرالي يضمن للقوميات حق إدارة أمورها بنفسها، مع بقائها ضمن دولة واحدة. والأقاليم أو الولايات المكونة للدولة الاتحادية تعتبر وحدات دستورية، لا وحدات إدارية كالمحافظات في الدولة الموحدة، ويكون لكل وحدة دستورية نظامها الأساسي الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولكن الدستور الاتحادي يفرض وجوده مباشرة على جميع رعايا هذه الولايات، بغير حاجة إلى موافقة سلطاتها المحلية.
وطبعاً في النظام الفيدرالي يكون لشعب الإقليم حق الاستقلال الذاتي وحق المشاركة في إدارة الشؤون المركزية، ومثل هذا النظام موجود في أمريكا وسويسرا والمكسيك وماليزيا وغيرها من الدول. ولهذا يمكن القول بأن الفيدرالية هي صيغة متطورة للعلاقة بين الشعوب وهي تنظيم في إدارة الدولة.
ـ الفيدرالية أو الاتحاد الفيدرالي، ليست فقط بنية سياسية، بل اقتصادية واجتماعية وثقافية أيضاً، تتطلب تعاوناً وثيقاً بين سائر المؤسسات والجماعات والأفراد في الكيان الاتحادي، بما يضمن تعزيز وتطوير الاتحاد من جهة، واعتماد قوانين وآليات تؤمن الحفاظ على هوية وحقوق الأطراف المكونة للاتحاد من جهة اخرى.
يتبع
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “266”