القضية الكَردية: فرصة للتغيير الإيجابي نحو الحقوق القومية والعدالة العامة
محمد أمين أوسي
القضية الكُردية في سوريا ليست مجرد ملف قومي يخصّ شريحة من الشعب السوري فحسب، بل هي جزء لا يتجزّأ من مستقبل البلاد وصراعها نحو العدالة والكرامة. تاريخياً، ارتبطت المطالب الكُردية بالسعي للاعتراف بالحقوق القومية والثقافية، إلا أنّ هذه القضية غالباً ما أُدرجت ضمن قائمة طويلة من التحديات التي تعصف بسوريا. ومع ذلك، إذا تمّت إدارتها بحكمة ورؤية استراتيجية، يمكن للقضية الكُردية أن تتحوّل إلى قوة دافعة للتغيير الإيجابي، تسهم في بناء سوريا جديدة قائمة على العدالة والاعتراف بالتعددية، بدلاً من أن تكون نقطة خلاف تضاف إلى الانقسامات والصراعات.
القضية الكُردية في السياق السوري العام
إنّ الكُرد، كجزء من الشعب السوري، يمتلكون حقاً مشروعاً في التعبير عن هويتهم القومية والتمتع بحقوقهم الثقافية والسياسية. هذه المطالب ليست معزولة عن واقع سوريا بأسره، حيث يعاني الشعب السوري بشكلٍ عام من غياب العدالة والديمقراطية وانتشار الفساد والاستبداد. وبالتالي، فإنّ تحقيق العدالة للقضية الكُردية لا ينبغي أن يكون بمعزلٍ عن تحقيق العدالة لكلّ السوريين.
الربط بين القضية الكُردية والقضية السورية العامة يعزّز مفهوم التضامن الوطني، حيث يمكن للقضية الكُردية أن تصبح نموذجاً يحتذى به في معالجة قضايا أخرى تتعلق بالهوية والمواطنة. من خلال التركيز على النضال المشترك لتحقيق العدالة للجميع، يمكن أن تسهم القضية الكُردية في بناء بيئة سياسية تدعم قيم الديمقراطية والاعتراف بالتنوع الثقافي.
الحقوق القومية كجزء من الحل العام
يمكن أن تكون القضية الكُردية محركاً للتغيير الإيجابي إذا تمّ التعامل معها ضمن رؤية وطنية شاملة. وهذا يتطلب إدراكاً من الكُرد بأنّ تحقيق حقوقهم القومية يتطلّب شراكة وطنية تقوم على الحوار والاحترام المتبادل.
الحلول التي تعتمد على الانعزال أو تحقيق المكاسب الفردية للكُرد بمعزل عن المكونات الأخرى لن تكون مستدامة، بل قد تعمّق الانقسامات. على العكس، عندما تكون المطالب الكُردية جزءاً من مشروع وطني أوسع، فإنها تصبح أكثر قبولاً وأقرب إلى التنفيذ.
الحلول الواقعية يجب أن تتضمّن ضمان الحقوق القومية ضمن إطار الدولة السورية، مثل الاعتراف باللغة الكُردية كلغةٍ رسمية إلى جانب اللغة العربية، وتكريس الحقوق الثقافية، وضمان التمثيل السياسي العادل. هذه الخطوات لا تحقّق فقط العدالة للكُرد، بل ترسّخ أيضاً مبدأ المساواة الذي تحتاجه سوريا للخروج من أزمتها الراهنة.
القضية الكُردية كفرصة للتغيير الإيجابي
بدلاً من أن تكون القضية الكُردية نقطة خلاف تُضاف إلى قائمة التحديات السورية، يمكن أن تتحوّل إلى فرصة للتغيير الإيجابي إذا تبنّت القوى الكُردية رؤية شاملة تتجاوز المطالب القومية الضيقة إلى النضال من أجل بناء دولة ديمقراطية.
الكُرد قادرون على لعب دور ريادي في تعزيز مفهوم العدالة والمساواة من خلال:
- التحالفات الوطنية: بناء شراكات مع القوى السياسية والمدنية السورية الأخرى لتعزيز مشروع وطني مشترك.
- النموذج الديمقراطي: تقديم نموذج لحكم ذاتي أو فدرالي يعكس مبادئ الديمقراطية والعدالة، مما يمكن أن يلهم مكونات أخرى للمطالبة بحقوقها في إطار الدولة السورية.
- تعزيز التعايش السلمي: التركيز على المشترك بين الكُرد وبقية المكونات السورية والعمل على تعزيز الثقة المتبادلة.
التحديات التي يجب التغلب عليها
تحويل القضية الكُردية إلى قوة دافعة للتغيير الإيجابي ليس بالأمر السهل. هناك العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها:
- الانقسامات الداخلية: المجتمع الكُردي نفسه يعاني من تباينات في الرؤى بين الأحزاب والقوى السياسية المختلفة. بعض هذه القوى تنظر إلى القضية الكُردية من زاوية قومية بحتة، بينما ترى قوى أخرى ضرورة الاندماج الكامل في المشروع الوطني السوري.
- التوترات مع المكونات الأخرى: الحرب السورية خلقت جراحاً عميقة بين الكُرد والعرب وغيرهم من المكونات. تجاوز هذه التوترات يتطلب جهوداً كبيرة لإعادة بناء الثقة.
- التدخلات الخارجية: القوى الإقليمية والدولية تسعى لاستغلال القضية الكُردية لتحقيق أجنداتها، مما يعقّد الجهود الرامية لإيجاد حلول وطنية حقيقية.
- التهميش السياسي: ما زال هناك غياب لإرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف للتعامل مع القضية الكُردية كجزءٍ من الحل العام.
إطار عمل لحل شامل
لتحقيق تغيير إيجابي يجعل من القضية الكُردية فرصة للوحدة الوطنية بدلاً من أن تكون نقطة خلاف، يمكن تبني إطار عمل يتضمّن:
- إصلاحات دستورية: صياغة دستور جديد يضمن حقوق الكُرد كمكون أصيل من الشعب السوري، ويعترف بالتنوع الثقافي والسياسي.
- اللامركزية السياسية: تبني نظام لامركزي يمنح المناطق ذات الأغلبية الكُردية صلاحيات إدارية وسياسية ضمن إطار الدولة السورية.
- الحوار الوطني: إنشاء منصة حوار وطنية شاملة تضم جميع المكونات السورية لمناقشة القضايا الجوهرية.
- تعزيز المواطنة: العمل على بناء ثقافة مواطنة تقوم على الحقوق والواجبات المتساوية.
الخاتمة
إنّ القضية الكُردية في سوريا ليست مجرد ملف حقوقي أو قومي، بل هي اختبار حقيقي لقدرة السوريين على بناء دولة تقوم على العدالة والمساواة واحترام التنوع.
الكُرد،بمطالبهم المشروعة، يمكن أن يصبحوا قوة دافعة للتغيير الإيجابي، ولكن هذا يتطلّب رؤية استراتيجية تعتمد على التعاون والتضامن مع بقية المكونات السورية. من خلال تحقيق هذا الهدف، لن تكون القضية الكَردية نقطة خلاف تُضاف إلى تحديات سوريا، بل نموذجاً يُحتذى به في كيفية تحويل التحديات إلى فرص لتحقيق العدالة والكرامة للجميع.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 328