آراء

القضية الكُردية في سوريا مسار مائة عام بين الإنكار والتدويل

فرحان مرعي

قبل مائة سنة كانت القضية الكُردية ساخنة متداوَلة على طاولة المفاوضات بين المنتصرين والمهزومين في الحرب العالمية الأولى، بين دول المحور والحلفاء ، السلطنة العثمانية وبريطانيا وفرنسا بالدرجة الأولى ، مع فارق في الزمن في صناعة الإعلام وانتشار الخبر ووسائل التواصل الاجتماعي، التي كانت ضعيفة جداً في ذلك الوقت، رغم الاعتراف والإقرار بحق الكُرد في إقامة دولة لهم، وفق اتفاقية سيفر ١٩٢٠، إلا أنّ اتفاقية لوزان ١٩٢٣ نسفت هذا الحق ، نتيجة التدخل التركي أثناء حرب الاستقلال بشكلٍ قوي آنذاك إلى درجة أنها تنازلت عن ولاية الموصل(كُردستان سوريا والعراق) لصالح العراق وسوريا الجديدتين، حتى لا تقوم دولة كُردية، وهكذا تمّ طمس وإنكار القضية الكُردية في تركيا على مدى قرن ، رغم اندلاع ثورات كُردية عديدة في النصف الأول من القرن الماضي.

اليوم وبعد مائة سنة تعود القضية الكُردية أكثر سخونةً وتداولاً وتدويلاً، والفرق بين المرحلتين كما أسلفت هو أنّ الإعلام بكافة أشكاله لعب ويلعب دوراً كبيراً في هذا المجال، فأصبحت هذه القضية حديث الشعوب والحكام والدول الكبيرة، مثل أمريكا وفرنسا وإسرائيل والاتحاد الأوربي، وهذه حالة متميزة غير مسبوقة، ساعدتها وسائل الإعلام المتطورة وشبكات الاتصال العالمية، لقد تغيّرت الظروف والأحداث خلال هذا القرن، واليوم المنطقة أمام وقائع جديدة، صحيح انه لم تنشب حرب عالمية ثالثة، إلا أنّ الحروب الداخلية التي نشبت في أكثر من دولة في الشرق الأوسط، لم تقلّ ضراوةً عن الحروب العالمية في نتائجها، كما لم تظهر بعد اتفاقيات سرية أو غير سرية على غرار سيفر ولوزان، ولكن حجم التغيير كبير وممنهج، فكان سقوط حكم آل الأسد في سوريا، ضربة في العمود الفقري للاستبداد في الشرق وإنهاء أكثر من نصف قرن من الظلم.

والطغيان مما يفتح آفاقاً جديدة في الشرق الأوسط ، لما لهذا البلد من أهمية جيو سياسية في المنطقة ، فكان من النتائج المباشرة لهذا السقوط بروز المسألة الكُردية في سوريا بشكلٍ ملفت رغم صغر الجغرافية التي يشغلها الكُرد، وعدد السكان مقارنةً مع الأجزاء الكُردية في تركيا وإيران ، ويعود الاهتمام الدولي المباشر لهذه المسألة وعلى الصعيد الخارجي في مساهمة قوات سوريا الديمقراطية إلى جانب التحالف الدولي في محاربة داعش وهزيمتها أثناء الأزمة السورية منذ ٢٠١١، وبالدرجة الأولى أيضاً وجود قضية شعب يعيش على أرضه التاريخية، القضية التي حملت همها حركتها السياسية التي نشأت منذ عام ١٩٥٦ – ١٩٥٧،والتي تعرّضت إلى شتى انواع المشاريع العنصرية والاستثنائية السياسية .

إنّ ما يحصل من نقاشات ومداولات واهتمامات دولية حول حل المسألة الكُردية في سوريا أمر ذو أهمية كبيرة وفرصة تاريخية قد لا تتكرّر ويعيد إلى الأذهان الفشل الذي مُني به الكُرد قبل مائة سنة ، ولكن هنا سؤال قديم وقلق جديد يطرح نفسه في هذا السياق.

هل القضية الكُردية في سوريا في الطريق إلى الحل؟

هل الظروف مؤاتية الآن؟

هل المسألة برباغندا دولية في ظل صراع النفوذ الإقليمي الدولي في سوريا والمنطقة ؟

إنّ تدويل هذه القضية وخروجها من المحلية إلى العالمية لا يعني عدم وجود عقبات أمام حل المسألة الكُردية مع تأكيدنا على عدالة هذه القضية من الناحية الأخلاقية والسياسية وحجم التضحيات التي قُدّمت في سبيلها.

من أولى هذه العقبات وعلى الصعيد السوري المحلي أنه لم تتوضّح بعد شكل وطبيعة النظام الجديد في سوريا، والصورة المباشرة عنها، أنها تنظيم إسلامي متطرف (هيئة تحرير الشام) الذي هو امتداد للقاعدة وداعش وجبهة النصرة، ومسجل على لائحة المنظمات الإرهابية دولياً، ومعلوم أنّ هكذا تنظيمات تسعى إلى إقامة خلافة دينية أوتوقراطية تمارس الاستبداد السياسي والفكري بشكلٍ لا يقلّ عن استبداد النظام السابق، ومع ذلك فإنّ هذه السلطة لم تنل بعد الشرعية الدولية، وهي تحت المراقبة إلى حين تغيير سلوكها ونهجها في الحكم بما يتناسب مع بلد مثل سوريا متعدد القوميات والطوائف والأديان.

العقبة الثانية :تركيا فتاريخياً تركيا ضد إقامة الدولة الكُردية أو أي شكلٍ من أشكال الحكم ، حكم ذاتي، فيدرالية،.. ومع هذا تطرح تركيا حالياً مشروعاً للسلام بينها وبين الكُرد، وهناك نشاط سياسي محموم في تركيا على صعيد الحكومة والمعارضة، ولكن إلى أي درجة تركيا جادة في هذا المشروع ، أم أنّ موقفها مرتبط بالتطورات الدراماتيكية الجارية في المنطقة، وبدايات تشكيل نظام إقليمي جديد وشرق أوسط جديد، وأنّ موقف تركيا هو الانحناء أمام العاصفة حتى تمرّ ؟

العقبة الثالثة : هو تخوف الدول العربية من أي تطور ديمقراطي دستوري في سوريا يضمن حقوق القوميات والطوائف – تخوفها من أن تمتدّ رياح التغيير إلى بلدانها، لذلك نجد الدول العربية تركّز دائماً على وحدة الأراضي السورية أرضاً وشعباُ، كحق يُراد به باطل ، والحفاظ على الدولة المركزية، بمعنى أنها ترفض النظم اللامركزية و الفيدرالية، المتعددة الأعراق والطوائف ،لذلك فالدول العربية تجد نفسها معنية بما يحدث من تطورات في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، ولكن هذه العقبات وغيرها ليست حتمية وثابتة ، بل متحركة ومتقلبة خاصة وأن الوقائع والمواقف متغيرة، وما زلنا في بداية التشكيل والتركيب للشرق الأوسط الجديد.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “328”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى