الكرد و خيار التمثيل في جنيف 3
سليمان اوسو
لعل الحدث الأبرز في المعادلة السورية في الفترة الأخيرة, هو إعلان داعش لدولتهم الإسلامية في العراق و الشام, بعد سيطرتهم على الموصل و المناطق التابعة لها, و بإعلانهم هذا ألغوا أحد الحدود التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو.
لم يقف هذا التنظيم عند هذا الحد, لا بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما أبلغوا المسيحيين في الموصل بخياراتهم الثلاث للاستمرار بالعيش في الدولة الإسلامية, (1) إما بدفع الجزية (2) أو دخولهم الدين الإسلامي (3) أو الرحيل من هذه الدولة.
إنهم بذلك أعطوا رسالة أولية للمجتمع الدولي, بأنهم ماضون في ممارسة الإرهاب ضد جميع مكونات هذه المنطقة, واستكملوا المخطط بالهجوم على كردستان العراق بدءاً من شنكال (مناطق الكرد الإيزيديين) و مارسوا أبشع الجرائم ضدهم, فقتلوا و نهبوا و سلبوا و انتهكوا الأعراض و باعوا النسوة الإيزيديات في أسواق مدينة الرقة و دير الزور كسبايا حرب, فكانت ممارساتهم هذه رسالة ثانية للمجتمع الدولي.
إن صور و مشاهد ممارسات داعش ضد الكرد الإيزيديين هزّ الضمير الإنساني لدى العالم, ما دفع بالمجتمع الدولي بالتسارع لتقديم الدعم و المساندة لهم, وتم البدء بتشكيل تحالف دولي لمحاربة الإرهاب وتقديم كافة أشكال الدعم و المساندة بما فيها العسكري لكردستان العراق وأصبحت البيشمركة جزءاً من هذا التحالف لمحاربة داعش, وكانت هذه نقطة تحول ثانية في المعادلة العسكرية و السياسية في المنطقة.
لم تقف داعش عند حدود كردستان العراق, لا بل باشرت بفتح جبهة أخرى في كردستان سوريا, و بدءوا بهجوم شرس على منطقة كوباني, وإنّ ممارساتهم في شنكال كانت قد روعت أبناء هذه المنطقة وبدءوا بالنزوح الجماعي من قراهم إلى تركيا تاركين ورائهم كل ما يملكونه فكانت أكبر عملية نزوح جماعي في تاريخ الثورة السورية, وبذلك سقطت جميع القرى الكردية في ريف كوباني بأيدي داعش, وبدأت بمحاصرة مدينة كوباني من الجهات الثلاث, إلا أنّ استماتة المدافعين عن كوباني عرقلت تقدمهم ومنعت سقوط المدينة في أيديهم.
وإنّ المشاهد المروعة التي عرضتها شاشات التلفزة العالمية لممارسات داعش في كوباني, هزت الضمير الإنساني مرة أخرى, مما أجبر التحالف الدولي بالتدخل والبدء بالضربات الجوية لمواقع هذا التنظيم لمنع سقوط هذه المدينة الكردية الصامدة, فكانت هذه نقطة تحول ثالثة في المعادلة السورية, وكانت للدبلوماسية الكردية دور هام في التأثير على الموقف الدولي عبر لقاءات المجلس الوطني الكردي مع القوى الدولية ذات التأثير في المعادلة السورية وذهب الأمريكان وحلفائهم إلى أبعد من ذلك, عندما طالبوا الطرفين الكرديين بضرورة توحيد صفوفهم لنتمكن من تقديم الدعم و المساندة لكم, يمكنكم من الوقوف في وجه الإرهاب لحماية مناطقكم.
إن كل هذه المتغيرات على الساحتين العراقية والسورية دفعت بالرئيس مسعود البارزاني إلى توجيه دعوة أخرى للمجلس الوطني الكردي وحركة المجتمع الديمقراطي للاجتماع في كردستان العراق لتوحيد الصف ليكونوا في مستوى التحديات التي تواجهها الأمة الكردية, وتمخضت عن هذه المفاوضات جملة من التفاهمات سميت باتفاقية دهوك, وكانت هذه الخطوة نقطة تحول رابعة في المعادلة السورية.
أما نقطة التحول الخامسة في المعادلة السورية فهي إرسال الرئيس بارزاني قوة عسكرية من البيشمركة لنجدة كوباني عبر تركيا.
بقي علينا أن نقول بأنّ نقطة التحول الحاسمة في المعادلة الكردية في سوريا هو أن يتحرك الطرفان الموقعان على اتفاقية دهوك و الاسراع في تطبيق هذه الاتفاقية وتحقيق مكتسبات حقيقية على الأرض, وخلق واقع جديد قبل جنيف 3 ليتمكنوا من التمثيل في جنيف 3 كطرف ثالث في المفاوضات وإلا ستضيع الفرصة التاريخية المتاحة أمام الشعب الكردي والتاريخ لن يرحم كل من يعرقل تطبيق هذه الاتفاقية.