الكُرد والمعارضة السورية.. قبل الثورة وبعدها
إسماعيل رشيد
الحركة السياسية الكُردية في سوريا منذ تأسيسها 1957 مارست – ولاتزال – النضال السياسي السلمي ، لانتزاع حقوق شعبنا الكُردي ، وإزالة المشاريع العنصرية التي طُبّقت بحقه جراء سياسات نظام البعث، وتعرّضت للتهم الملفقة والتحريضية من قبل نظام البعث، كاقتطاع جزءٍ من أراضي الجمهورية العربية السورية وإلحاقها بدولة أجنبية، والتعامل مع الخارج، والنيل من هيبة الدولة..إلخ، علماً أنّ نضالات الشعب الكُردي وحركته السياسية كانت تندرج ضمن الاعتراف الدستوري بالشعب الكُردي ، ورفع الظلم عن كاهله، وتأمين بيئة سياسية تضمن حرية وكرامة جميع السوريين، عبر حرية العمل السياسي و تعدديته، لكنّ النظام، بحكم نزعته الطائفية، وبسبب “الحرب الباردة” حيث تحكّم المعسكرين بالعالم، استطاع أن يحوّل سوريا إلى سجنٍ سياسي، وتحريض المكونات على بعضها، وخلق معارضة موالية، على مقاسها ( الجبهة الوطنية التقدمية ) كواجهةٍ شكلية للتعددية السياسية المزعومة .
وبعد وفاة حافظ الأسد في 10/يونيو 2000 وخلافة بشار الأسد في الرئاسة، اندلعت شرارة ربيع دمشق على يد عددٍ من المثقفين في دمشق، منهم ميشيل كيلو ورياض سيف ، وتميّزت بإنشاء المنتديات السياسية غير الرسمية لتشجيع النقاش المفتوح للقضايا السياسية، والمجتمع المدني والإصلاحات، لكن تمّ إغلاق هذه المنتديات من قبل النظام واعتقال مؤسسيها ( رياض سيف- مأمون الحمصي- عارف دليلة…وغيرهم ) بحجة ( محاولة تغيير الدستور بوسائل غير مشروعة ) .
و مع استمرار الحراك السياسي والمجتمعي، فقد تمّ إطلاق ” إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي ” عام 2005 من قبل شخصيات بارزة من المجتمع المدني، إضافةً إلى الإسلاميين والليبراليين السوريين ووُقع الإعلان في أكتوبر 2005 من قبل التجمع الوطني الديمقراطي في سوريا بأحزابهم الستة وكذلك التحالف الديمقراطي الكُردي في سوريا ، والجبهة الديمقراطية الكٌردية في سوريا ، ومايهمّنا هنا ما تمّ تبنّيه حول القضية الكُردية، حيث جاء،:ويؤكّد الميثاق إيضاً على ضرورة إيجاد حلٍّ عادل للقضية الكُردية . ولم يتطرّقوا للخصوصية ،وقد برّر الموقّعون على إعلان دمشق ذلك( بأنهم لايملكون بعد تفويضاً من الشعب السوري لبحث مثل هذه المواضيع مع الأقلية الكُردية، لكنّ هذه المشاكل ستحلّ بعد إجراء انتخابات ديمقراطية والتخلص من النظام الأمني السوري ).
وبعد انطلاقة الثورة السورية عام 2011 وتأسيس المجلس الوطني الكُردي، كحاجةٍ ضرورية للانخراط في الثورة ، والتفاعل مع أطر المعارضة، لتدويل قضية الشعب الكُردي، عبر المشاركة في المحافل الدولية لتقرير مصير الشعب السوري بكلّ مكوناته ، فقد تمّ توقيع وثيقةٍ مهمة بتاريخ 27-8-2013 بين المجلس الوطني الكُردي والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية التي نصّت على عدة بنود سنذكر منها :
– يؤكّد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية التزامه بالاعتراف الدستوري بهوية الشعب الكٌردي القومية، واعتبار القضية الكُردية جزءا أساسيا من القضية الوطنية والديمقراطية العامة في البلاد ، والاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكُردي ضمن إطار وحدة سورية أرضاً وشعباً .
– العمل على إلغاء جميع السياسات والمراسيم والإجراءات التمييزية المطبّقة بحق المواطنين الكُرد ومعالجة آثارها وتداعياتها وتعويض المتضررين ، وإعادة الحقوق لأصحابها .
– سوريا دولة متعددة القوميات والثقافات والأديان ، ويحترم دستورها المعاهدات والمواثيق الدولية .
وقد تحفّظ المجلس الوطني الكُردي على شكل النظام السياسي للدولة ببندٍ صريح وضمن الوثيقة الموقّعة :
يتحفّظ المجلس الوطني الكُردي على الفقرة التالية من البند الثالث ( واعتماد نظام اللامركزية الإدارية بما يعزز صلاحيات السلطات المحلية ) ويرى بأنّ أفضل صيغة للدولة السورية هي صيغة دولة اتحادية ، وسيعمل المجلس الوطني الكُردي على تحقيق ذلك .
فهذه الوثيقة تُعتبَر ليومنا هذا إنجاز جيد حقّقه المجلس الوطني الكُردي ، بالرغم من الانتقادات من قبل الخصوم السياسيين وبعض فعاليات المجتمع الكُردي بذرائع لا تستند إلى الحقائق، وبعيدة عن الواقعية السياسية، للتعاطي مع هذا الملف الحسّاس والمفصلي ضمن جملة من التعقيدات وتشابك مصالح الدول ، أما تطبيق بنود هذه الوثيقة تتطلّب جهودا كبيرة وإرادة من الطرفين، بالإضافة إلى تأثير عاملٍ مهم، وهو غياب الإرادة الدولية، وعدم تنفيذ المجتمع الدولي لقراراته خاصة القرار 2254 .
في عام 2016 تمّت دعوة المعارضة السورية إلى لندن، للتوصل إلى رؤية موحدة لحلّ الأزمة السورية بحضور المبعوث الدولي السيد ستيفان ديسمتورا ، ليصدر البيان الختامي لمؤتمر لندن دون التطرق لخصوصية القضية الكُردية، الأمر الذي دفع بالمجلس الوطني الكُردي بعدم قبول هذه الوثيقة، مالم يتمّ الأخذ بعين الاعتبار التعديلات والمقترحات المقدّمة من قبله ويرفق معاً كورقة للمبعوث الأممي ديسمتورا وهذا كان اختباراً وتحدياً كبيراً للمجلس الوطني الكُردي ، فتحرّك المجلس عبر لجنة علاقاته الخارجية وممثليه في الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات بجهودٍ دبلوماسية مكثّفة مع الأطراف المؤثّرة في الملف السوري مثل أمريكا- روسيا – بريطانيا – فرنسا – تركيا- السعودية – مصر….وممثلي المنظمات الدولية المعنية بالشأن السوري ، كمهمة رئيسية للدفاع عن ثوابت شعبنا ، وقد أثمرت هذه الجهود الدبلوماسية المجلس الوطني الكّردي في مؤتمر رياض2 عام2017 حيث تمّ بإجماع جميع منصات المعارضة السورية وباختلافاتهم على الاعتراف بالهوية القومية للشعب الكُردي في سوريا ، وباعتباره مكوناً رئيسياً من مكونات الدولة السورية، حيث ورد في البيان الختامي ( الإلتزام بأنّ سوريا دولة متعددة القوميات والثقافات ، يضمن دستورها الحقوق القومية لكافة المكونات من كُرد وعرب وتركمان وسريان وآشوريين وغيرهم ، بثقافاتهم ولغاتهم ، على أنها لغات وثقافات وطنية ، تمثّل خلاصة تاريخ سوريا وحضارتها ، واعتبار القضية الكُردية جزءاً من القضية الوطنية السورية ، وضرورة إلغاء جميع السياسات التمييزية الاستثنائية التي مورست بحقهم ).
و عليه يمكننا القول بأنه تُعتبر وثيقة رياض 2 وبيان جنيف1 وقرار مجلس الأمن 2254 من المرتكزات الأساسية التي بنيت عليها هيئة التفاوض السورية والعملية التفاوضية وصولاً لمحددات مسار الحلّ السياسي للأزمة السورية .
وقد تكلّلت جهود المجلس الوطني الكُردي ومن خلال شركائه في المعارضة السورية والدول المؤثرة في الملف السوري بالاعتراف بالمجلس الوطني الكُردي، كمنصةٍ أو كيان مستقل ضمن كيانات هيئة التفاوض السبعة ، وكذلك تمثيله ضمن اللجنة الدستورية التي ترعاها الأمم المتحدة .
من خلال المقارنة بين علاقة الكُرد مع المعارضة السورية قبل وبعد عام2011 يتّضح بشكلٍ جلي بأنه قبل الثورة لم يتمّ التعامل مع الكُرد بمنطق التوثيق، فكلّ المداولات والنقاشات لم يتجاوز سقفها اعتبار الكُرد مظلومين ولابدّ من إنصافهم كما بقية السوريين، بدون تأمين أيّ مطلبٍ بشكلٍ توثيقي، بالرغم من اختلاف المعطيات والظروف الإقليمية والدولية وقتها ، لكن بعد عام 2011 حيث تدويل القضية السورية عامةً، والتضحيات التي قدّمها السوريون بكلّ مكوناتهم، استطاع الكُرد، من خلال المجلس الوطني الكُردي، تأمين وتثبيت وثائق مهمة ستكون نقاط ارتكاز رئيسية عند الخوض في تفاصيل العملية السياسية والدستورية ، فالخوض في مسار التفاوض مع الآخر لنيل الحقوق ليس بالأمر السهل، ولن تتحقّق بعدة جولات ولقاءات ، حيث الموضوع معقد، وهناك تداخلات إقليمية ودولية وتشابك المصالح وسياسة التوازنات تلعب دورها ، الأمر الذي نلاحظ انعكاساته على المشهد السوري ، ويحتاج إلى المزيد من التواصل والجهد الدبلوماسي ، وموقع المجلس الوطني الكُردي ضمن صفوف المعارضة السورية كان، ولايزال، هو الخيار الأفضل، والمعركة الأصعب هي المعركة السياسية والتفاوضية التي تحتاج إلى نفسٍ طويل، وتوظيف الإمكانات في الزمان والمكان المناسبين بما يخدم قضية شعبنا ، وفي هذا السياق فإنّ المجلس الوطني الكُردي الذي يُعتبر العنوان البارز لقضيتنا في المعارضة السورية الديمقراطية والمحافل الدولية ذات الصلة بالشأن السوري لم يختر الخيار العسكري إيماناً منه بأنّ النضال السياسي السلمي هو الخيار الأفضل لانتزاع حقوق شعبنا ، ولم يخسر المجلس سياسياً كما يدّعي البعض فهو لم يتنازل عن ثوابت قضيته ولايزال مشوار الأزمة السورية طويلا والملفات الساخنة تراوح مكانها ، ومن هنا فإنّ المجلس الوطني على أعتاب عقد مؤتمره، يجب أن يقرأ المرحلة جيدا، ويقيّم المرحلة السابقة بموضوعيةٍ وشفافية ، ويعمل على إيجاد آليات لتطوير هيكليته التنظيمية ، وينظّم العلاقة مع الجماهير ، كذلك وهو الأهم أن يشرك الفعاليات الكُردية من الأكاديميين والمثقفين و غيرهم ليكونوا مساهمين فعليين في صناعة القرار الكُردي، وقوة للمجلس الوطني أمام التحديات والصعوبات التي نواجهها ، وكذلك التوجه نحو العمل المؤسساتي والتخصصي ، والابتعاد عن الاتكالية والعشوائية ليكون المجلس تعبيراً حقيقياً، وينال ثقة الجماهير، أكثر ، في المرحلة القادمة .