اللغز الروسي في سوريا.. وعقيدة بوتين العسكرية
يكيتي ميديا – Yekiti media
لايزال التواجد العسكري الروسي في سوريا لغزا بالنسبة للرأي العام الروسي، حيث لم تحدد النخبة الحاكمة حتى الآن حجم هذا التواجد وأسلحته، إضافة إلى أن روسيا على مدار السنوات الماضية كانت تقلص تواجدها العسكري خارج الحدود الروسية، بل قامت بإغلاق عدد من قواعدها العسكرية.
ومنذ بداية العام الحالي، شهدت العقيدة العسكرية الروسية تعديلات اعتبرها المحللون إشارة لتغيير جذري في سياسات موسكو. وبررت روسيا تعديل عقيدتها العسكرية بأنها تواجه توسعاً من جانب حلف الناتو يهدد أمنها القومي، واعتبرت موسكو أن الناتو يتحرك لزيادة نشر قدراته الهجومية على الحدود الروسية المباشرة، وأنجز التحضيرات العسكرية اللازمة لنشر منظومة الدفاع الصاروخي الباليستية المضادة للصواريخ في وسط أوروبا.
أخطار عسكرية تهدد روسيا
الوثيقة الجديدة تضمنت 14 خطراً عسكرياً خارجياً أساسياً تهدد روسيا، بما في ذلك نشاطات أجهزة الاستخبارات والمنظمات الأجنبية، وتهديدات التطرف والإرهاب في ظروف عدم كفاية التعاون الدولي في هذا المجال، وأيضاً انتشار أسلحة الدمار الشامل والصواريخ وتقنياتها. كما نصت العقيدة العسكرية الروسية الجديدة على الأخطار العسكرية المتوقعة على أمن روسيا، وكان أبرزها إقامة ونشر منظومة الدفاع الصاروخي في أوروبا، باعتبارها تقوض الاستقرار العالمي وتنتهك ميزان القوة الصاروخية والنووية القائم، إضافة لتحقيق عقيدة “الضربة العالمية”، والسعي إلى نصب الأسلحة في الفضاء، وأيضاً نشر منظومات أسلحة استراتيجية غير نووية فائقة الدقة. ومن بين الأخطار العسكرية التي أكدت عليها العقيدة العسكرية الروسية مجدداً، نشر وزيادة القوات الأجنبية في الدول المجاورة لروسيا، بهدف الضغط السياسي والعسكري عليها.
ترافق ذلك مع تفاقم الصراع داخل أوكرانيا، حيث صادق الرئيس بوتين على العقيدة العسكرية الروسية الجديدة، لتبدأ روسيا بعد شهر واحد بنشر قواتها في القرم وأقاليم شرق أوكرانيا. وهي نفس الفترة التي تم فيها إسقاط حكم الرئيس الأوكراني الموالي لموسكو يانكوفيتش وضم شبه جزيرة القرم إلى السيادة الروسية.
وشهدت الشهور الماضية نشاطا روسيا واسعا في إيجاد مرتكزات عسكرية لها في أبخازيا وآسيتا الجنوبية وبيلاروسيا. بل بدأت تتفاوض لإعادة قواعدها العسكرية في فيتنام وكوبا. وتبحث موسكو مع القاهرة تشييد محطة تموين للأسطول الروسي في الإسكندرية مقابل منح المصريين مركز رصد في القرم. وكشف ديمتري مدفيديف، رئيس الحكومة الروسية، أن بلاده توصلت لاتفاقات مع حلفائها أعضاء معاهدة الأمن الجماعي بنشر قواعدها الجوية في بيلاروسيا، إضافة إلى القاعدتين الروسيتين في أرمينيا وقرغيزيا في إطار تأسيس منظومة دفاع جوي مشتركة.
إمدادات عسكرية مكثفة لسوريا
في هذا السياق، توالت الأنباء عن إمدادات روسية مكثفة إلى سوريا وإرسال خبراء عسكريين، كما كشفت مصادر روسية عن اتفاق تم توقيعه بين دمشق وموسكو على تشييد قاعدة جوية في مدينة جبلة. وأشارت الأنباء الواردة من الساحل السوري إلى أنه تم تعزيز قدرات مطار اللاذقية بمدرج ملحق، ومهبط للطائرات الهليكوبتر وتغييرات في ملاجئ الطائرات.
وأكد بعض الخبراء الروس أن تحديث مطار اللاذقية له علاقة بتجهيز مهابط المطار لاستقبال طائرات الانتينوف الروسية التي تنقل الدبابات وفرق المشاة. وذلك في إطار الاستعداد لعمليات يمكن أن يقوم بها التحالف الإقليمي الدولي الذي دعا الكرملين لتشكيله في مواجهة “داعش”.
ويرى هذا الفريق أن روسيا لا يمكن أن تدخل المواجهة ضد “داعش” منفردة وبشكل مباشر حتى لا يكون لهذه المواجهة آثار سلبية في أوساط المسلمين الروس الذين يصل تعدادهم إلى أكثر من عشرين مليون مسلم، لذا لا بديل لموسكو عن توحيد جهود الأطراف الإقليمية والدولية في تحالف يشكل غطاء لتصفية تنظيم “داعش”، ما يعني أن هذا التحالف سيتم تشكيله، لكنه سيضم الدول التي تساند نظام الأسد، وبشكل خاص الصين وإيران وروسيا.
واستند هؤلاء الخبراء إلى مؤشرات محددة، منها قيام البحرية الروسية مع القوات الصينية بمناورات مشتركة في البحر المتوسط بمايو الماضي بالقرب من الشواطئ السورية، إضافة لتصريحات إيران بأن شراكتها مع روسيا لا تقتصر على الجانب الاقتصادي، وإنما تشمل أيضاً مكافحة الإرهاب، باعتبار أن هذه المؤشرات تكشف عن خطوات لتطوير تعاون هذا الحلف في مواجهة توسع تنظيم “داعش” ومكافحة الإرهاب. ويعتقد العديد من المختصين الروس بشؤون الشرق الأوسط أن قلق واشنطن من التواجد العسكري الروسي سببه وجود نوايا غربية لاستغلال حملة مكافحة “داعش” وتوجيه ضربات عسكرية لنظام الأسد، لكن الوجود العسكري لتحالف روسي إيراني صيني لابد أن يعيق تنفيذ خطتها.
موسكو عن سوريا: هدفنا مكافحة الإرهاب
وكان سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، قد اتهم واشنطن بأن لديها معلومات عن مواقع تنظيم “داعش”، لكن مقاتلاتها لا تقصف هذه المواقع، وأكد أن هدف بلاده من تجهيز الجيش السوري بالأسلحة والمعدات العسكرية وإرسال خبراء روس لمساعد القوات السورية هو مكافحة الإرهاب وتحقيق نتائج جدية في القضاء على تنظيم “داعش”، باعتبار أن الجيش السوري هو القوى الوحيدة المؤهلة لمواجهة “داعش”، ما دفع خبراء روسا للقول إن روسيا أصبحت تلعب دور الولايات المتحدة في تسليح وتدريب القوات التي تواجه الجماعات الإرهابية، تطبيقاً لمبدأ ملء الفراغ. وليس من باب المصادفة أن يتقارب موقف بريطانيا مع رؤية موسكو، وتتحدث بريطانيا عن استعدادها للقبول بوجود بشار الأسد في هيئة الحكم الانتقالي والتحاور معه. وأضاف هذا الفريق أن سياسات الكرملين نجحت في إنهاء العالم أحادي القطب، وكسرت الاحتكار الأميركي لتسوية أزمات البؤر الساخنة.
بعض خبراء معهد الاستشراق اعتبر أن توسع روسيا في نشر تواجدها العسكري في سوريا وفي مناطق أخرى رغم أزمتها الاقتصادية يهدف إلى فرض موسكو في معادلة التسوية مع الغرب، والأخذ بعين الاعتبار مصالح روسيا ونفوذها الجيوسياسي، لكن هذا الفريق حذر من أن ضعف القدرة الاقتصادية لروسيا والتي لن تمكنها من الصمود طويلاً في صراع النفوذ، بينما تحدث خبراء آخرون عن أن روسيا عبر غزوها سوق التقنيات النووية، ستتمكن من تقليص الاعتماد على النفط والدولار كمعادل عالمي في صفقات الطاقة، ما سيؤدي لأزمة خانقة في الاقتصاد الغربي ستجبر واشنطن على تقديم تنازلات لروسيا.
ولا شك أن التواجد العسكري الروسي في سوريا سيكون دعماً لنظام الأسد، وقد ينقذه من أي ضربات خارجية، لكنه في نفس الوقت يضمن لموسكو مصالحها ونفوذها في المنطقة حتى لو سقط نظام الأسد، وسيجعل منها محاوراً أساسياً في صياغة النظام الجديد في الشرق الأوسط.
العربية