المخاطر المحدقة بإقليم كُردستان العراق
د: محمد جمعان
لابدّ من التذكير بأنّ إقليم كُردستان العراق الذي أضحى إقليماً فيدرالياً بشكلٍ رسمي بموجب دستور 2005، وأصبح له وزن سياسي كبير في العراق ؛ نتيجة التطور الحاصل في الإقليم في جميع الجوانب العمرانية و الاقتصادية و السياحية، كذلك لعب دوراً بارزاً وفعّالاً في مجال مشاركة رسم سياسة المنطقة وإدارتها بفضل حنكة قيادته السياسية، كلّ هذا أدّى إلى بروز دور الشعب الكُردي في المنطقة وبالتالي نمو وتصاعد دور الحركة التحررية الكُردية في أجزاء كُردستان الأربعة وفي المحيط الإقليمي والدولي كباقي شعوب المنطقة وكشريكٍ فاعل يقوم بتحمّل مسؤولياته في المنطقة ؛ وبالتالي وقف الإجحاف بحق الأمة الكُردية الذي لا زال مستمراً منذ اتفاقية لوزان 1923 والتي ألغت عملياً حق الكُرد في الوجود كالأمم الأخرى في تقرير مصيرها .
هذا التطور الملحوظ للإقليم وبروز دور الحركة التحررية الكُردستانية جعله مصدر قلق وخوف لدى الدول المجاورة؛ نظرا لارتباط الكُرد جغرافياً وسياسياً وثقافياً بالحلم المنشود للتحرر والانعتاق.
وهكذا نرى أنّ هناك أطراف كثيرة، خاصةً التي تحيط بإقليم كُردستان والتي تعاني من عدم حل القضية الكُردية لديها حلاً عادلاً، وتخشى من تمدد دور الإقليم ليتحوّل إلى ظاهرةٍ عامة ومثالٍ يحتذى به ،في بقية أجزاء كُردستان، الذي ينمو باستمرار في المنطقة وعلى الساحة الدولية، ولهذا فإنّ تلك الأطراف التي لا تريد التقدم للإقليم، تسعى لكبح جماح هذا التقدم بشتى الوسائل واستخدام أقذر الأساليب للجم هذا التقدم، لذلك تتعاون هذه الأطراف مجتمعة على تضييق الخناق على الإقليم وذلك بالاستعانة ببعض القوى المحلية، مع الأسف،.
وما تمارسه سلطة بغداد من تضييق الخناق على الإقليم اقتصاديا يندرج ضمن تلك القوى الضاغطة، ولا تنفصل عن رفض بغداد تطبيق المادة 140من الدستور العراقي حول إعادة المناطق المتنازع عليها الى إقليم كُردستان، و قطع رواتب شعب كُردستان وممارسة سياسة التجويع و الدور السلبي المنحاز للمحكمة الاتحادية.
في المحصلة الغاية هي إيقاف التطور الاقتصادي للإقليم وخلق مشاكل اجتماعية وسياسية داخل الإقليم ؛ وبالتالي إثارة الجماهير ضد قيادة الإقليم؛ لتفشل في تنفيذ مشاريعها الاستراتيجية الطموحة، وما إيقاف بغداد لتصدير نفط كُردستان منذ آذار المنصرم بعد رفعهم لشكوى الى المحكمة الدولية في باريس المخصصة لهذا الشأن إلا محاولة أخرى تصبّ في اتجاه لجم هذا التطور وتقزيم دور الإقليم، ويجب أن لا يغيب عن البال بأنّ هذه الممارسات ناجمة عن التأثير الإيراني في قرارات القيادة العراقية، إضافةً إلى أنّ إيران تعمل من جانبها أيضاً على خلق جو من عدم الاستقرار في الإقليم ، و ذلك بطرق عدة منها : عدم الاستقرار عسكرياً على الحدود و ضرب بعض المواقع بطائراتها المسيّرة باستمرار و كذلك من خلال دعم المنظمات التي تخلق الفوضى والبلبلة في الإقليم ، من حشد و pkkو ما شابههم للضغط على الإقليم واضعافه. .
فهي تقوم بين فينة وأخرى بإطلاق صواريخها على الإقليم .
ومع اقتراب عام على استشهاد الفتاة الكُردية جينا / مهسا أميني وخوف النظام الإيراني من انتفاضة جديدة من قبل شعبنا هناك تقوم الآن بالتحضير للتدخل عسكرياً في الإقليم .
تحت ذريعة وجود قوات البيشمرگة التابعة للأحزاب الكُردستانية من كُردستان روج هلات في إقليم كُردستان، وكذلك دور ايران في التغلغل عبر أذرعها في العراق والاقليم .
أما بالنسبة لتركيا ودور pkk فإنّ حروب الطرفين وصراعهما الطويل يمتدّ أكثر فأكثر الى إقليم كُردستان، ويقلق استقراره وأمن مواطنيه وتهجيرهم من مناطق الاشتباكات، وهذا يتعارض كلياً مع سيادة الإقليم .
لكن ما هو واضح اليوم هو استيلاء pkk على مناطق واسعة ومئات القرى من محافظة دهوك وتحويلها إلى ساحة حرب بين الطرفين، وكذلك خلق بلبلة لا نهاية لها في شنگال، حيث يتمّ العمل على تغيير تبعيتها لإقليم كُردستان و تشجيع الادعاء بأنّ الأخوة الإزيديين ليسوا كُرداً لإبعادهم عن ثقافتهم و أصلهم الكُردي و تاريخهم، ذلك لتفتيت وحدة الصف الكُردي.
وهكذا نستطيع القول إنّ دور أطراف عدة في بغداد هو إفشال النظام الفيدرالي الذي أصبح مكسباً كبيراً للشعب العراقي عموماً وللشعب الكُردي خصوصاً.
لتفادي هذه المخاطر المحدقة بالإقليم لا بدّ من توحيد الموقف الكُردي والعودة إلى الاتفاقية الاستراتيجية بين الحزبيين الرئيسين في الإقليم لعام 2006 ،و كذلك العمل بجدية على توحيد البشمرگة بعيداً عن التأثيرات الحزبية باعتبارها قوة عسكرية وطنية لكلّ كُردستان .
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “312”