المرأة الكَردية في السرد الفولكلوري
ليلى قمر
كنت قد استعرضت في موضوعٍ سابق دور ومهام المرأة في تنظيم الأسرة وتحديد كما توصيف الوسائل للارتقاء بها ، من العائلة الى الأسرة وصولاً إلى العشيرة والقبيلة ، وايضاً العمل وبعفوية في تحديد شكل المعيشة من استقرار أو تنقل ، وباختصار كان لها الدور التأسيسي الرئيسي لتحديد ذلك من جهة وتنظيم آلية التعايش البيني منذ زمن المشاعة الأولية ومساهمتها الرئيسية في التحول منها وإيجاد أشكال التعايش الآنفة الذكر ، ولتظهر مجموعات التنقل الموسمي أو المستقرين – كوجر و ديمانا – والتي على أساسها ظهرت مجالات تخصصية كانت بداياتها نواة الزراعة ومن ثم التحكم بثمارها أو التنقل / الرعاة بعد تدجين الحيوانات ، ولتستند عليها البيئة من خلال تحكم المرأة بقوانين التطويع والتهجين حتى العصر اقترن باسمها وبمرحلتها – عصر الأمومة – وعلى أرضيتها انطلقت البشرية إلى آفاق أوسع ، ومن ثم توجّهت بخطى وإن كانت بطيئة لتثبيت تلك المنجزات التأسيسية سواءً في الاستقرار وإيجاد أمكنة للمأوى تتوفر فيها أو بقربها ضروريات الحياة ، أو تسخير واكتشاف وسائل أرقى لنظام العيش ، هذه المهام وضعت المرأة على سدة الهرم العائلي – الأسري ومن ثم المجتمعي ، وعلى يديها – المرأة – تطورت كثير من وسائل وأدوات الإنتاج ، والأمر لم يقتصر على ذلك فقط ، بل كان للمرأة الدور المهم في حفظ ونقل / سرد المكتسبات والتجارب ، وكذلك العمل البدئي لخزن وتمرير تلك المكتسبات إلى الأجيال التالية ، ولتتربّع أيضاً على عرش عالم الميثولوجيا ، ولها يعود الفضل في تأسيس هذا المجال ، ومدّها بذلك الكمّ الهائل من دفقات انعكاس البيئات البكر ، وبالتالي فرض هيمنتها من بوابتها الواسعة ، وهنا وكما كلّ نمط للحياة لها بداية نمو وتشكل ، فهي لها مرحلة نضج ومن ثم تقهقر نحو الموت أو الزوال – الاندثار ، لصالح أمر أو شكل ونمط جديد .
إنّ المكتسبات البشرية وحسب غالبية العلوم والمشتغلين عليها في هذا الجانب الذي نحن بصدده ، تؤكّد بأنّ غالبية الخبرات التي اكتسبتها المرأة ، والتي وضعتها في مصاف الآلهة المبتكرة ، صاحبات ومبتكرات الحرف وتطويرها ، الأمر الذي انعكس على الوضع المعيشي وتحسين أداء الأعمال مما أثّر في نوعية غالبية المنتجات بأدواتها ، لابل إنّ غالبية المختصين في هذا الجانب التأريخي للبشرية ، يعدّون المرأة كأول إلهة للحرفة ، والمكتشفة كما المطورة كانت للأدوات والمستلزمات وذلك منذ زمن المشاعة البدائية للبشرية ، وذلك بدءاً من العهد الحجري ، كما ومكتشفة للزراعة وأيضاً الحياكة والبناء البسيط والسلال ، هذه المهام بمبتكراتها وريادة المرأة فيها ، منحتها ريادة ميثولوجية ودوراً ذي قدسية استمرّت وانعكست حتى في الديانات التوحيدية ، ولتدخل المرأة بكافة أنماط وتنوع أدوارها في مجال بناء الوعي الميثولوجي كما أسلفت أعلاه ، لابل وحتى في هذه تعدّ هي الرائدة إن في إنشاء التراتيل أو القصص والأغاني ، لابل نراها وقد توحّدت من جديد مع الرجل ، وشكّلت ثنائياً ، ولكنها بقيت لحقبة زمنية طويلة محافظة على سطوتها ودورها القيادي ، وتحكّمت بالرجل وطوّعته وجعلته تحت سطوتها وراضخاً لها دورها ، كما قصة إينانا ودوموزي وارشكيجال وآدم وحواء ، إلى تلك المرحلة التي وصلت إليها البشرية ، وبروز دور القوة البدنية والعضلية ، ومعها أشكال الصراع مع المحيط وتطويعه بشكلٍ أكبر ، وكان لاكتشاف النار ومعه دخول البشرية عصر الحديد / المعدن ، والذي أثّر ولايزال في كثيرٍ من المجالات ، حفظته لنا قصص وسير كما أغانٍ متعددة ، وهنا وانطلاقاً من العصر الحديدي كمثال ، وفي الإرث الكُردي سنلاحظ مما وصلنا من نماذج مختلفة كيف أنها تشتّتت في فحاوي قصص وملاحم كثيرة ابتدأت في تعدد أدوارها ومهامها ، واختلفت في مضامين مختلفة أيضاً فنلاحظ منها الخيرة منها والشريرة ، كما سنراها في أطوار تتشارك مع الآلهة كإلهة كما في مقدمة أغنية لاوكي متيني / معدني الملحمية ، حيث تتساوى مع الإله ، حينما تناجي الابنة أمها وتستحلفها بنفسها والله – ت بخوا كي و بخودكي – وتسبق قسم الأم على الله ، وهنا علينا أن نستذكر اسم الأغنية بذاتها ك – لاوك – أي فتى القرية / العشيرة / المدينة ، ولتتعدّد أدوار ومهام المرأة حسب تشكل ونمو أو بيئة المجتمعات ، فنرى منهن الشريرات – بيرا مروڤ خور – أو – بير عڤوك – أو المتحكمات بالزمن وخاصةً الليل والنهار مثل – فلكا طاي شڤ وروچ ددست دا – وبالفعل فقد تعدّدت أنماط الشريرات كزوجات الأب وبناتها وأشكال من الصراع البيني سواءً لكسب حبيب أو قتل زوج إلى أن ارتقت المفاهيم ووصلت في مراحل تالية إلى قوننة أخرى نمط على أساسه مفاهيم أخرى بزعم تشذيب وتنظيم المفاهيم – الأخلاقية – لتنظيم الأسرة وضبط العلاقات الإجتماعية ، وهذه أيضاً نلمحها ببساطة من خلال القص الغنائي الملحمي وارتكازاً من جديد على مبدأ التناقض / التضاد ونسوياً واستناداً أيضاً على ذات القاعدة الأخلاقية سنستذكر – خاتونا زمبيل فروش – ويقابلها وكمثال أيضاً افروديت ، ولكن كان لابد أن تكون هناك نقيضتها ، وقد أبدع الخيال المجتمعي الكُردي في ذلك فكانت ملحمة سينم التي تزاحمت فيها المراحل وبرمزية سهلة الفهم ، هذه الملحمة الحبلى ، والتي ضمّت وسلسلت حوادث رمزت لمراحل ومفاهيم متعددة استندت على سينم الفتاة التي واجهت متحولات عديدة وبرمزية مكشوفة كانت لازمت الجانب الديني كركيزة ، ومنها انطلقت إلى عامل آخر ، وهو محاولة النيل منها كامرأة بدايةً ، وحكاية هروبها إلى البراري حيث عاشت كعيشة الحيوانات حتى أنّ شكلها أصبح أقرب الى توصيفات التسوة الشريرات – بير أفوك – حتى التقاطها من قبل ملك كان قد خرج إلى الصيد ومن ثم زواجه منها ، ولتلفّ الملحمة من جديد لفّتها بعد أن صار لها ولدان وذهبت بهما برفقة كاروان إلى حيث ديار أهلها ، ومن جديد يحاول حرّاسها اغتصابها ، ولكنها تستطيع الإفلات منهم رغم مقتل طفليها وتعود متنكّرة بزي رجل – گوري / كجل – إلى حيث أبيها وأهلها وتعمل راعياً إلى حين خروج زوجها الملك يبحث عنها .. وهنا وبشكل رمزي تبدأ هي في الغناء ومن خلالها تروي قصتها وتكشف عمن غدر بها .. ولتظهر الحقيقة .. إنّ المرأة الكُردية عبر التاريخ وكمتلازمة أساس كانت هي لبيئتها وأسرتها ، فكان لها ولم يزل ذلك الدور الحيوي البنّاء وكذلك العامل الرئيس في نقل كنوز الإثر والحكايا ، وبكلّ فخر نستطيع القول والتأكيد على وجود قصص وملاحم عديدة تبرز ، لابل تتقاطع في تسلسل أحداثها مع ملاحم وقصص ، لابل أساطير حاكت قضايا مهمة جداً في تاريخ نشوء قصص وملاحم خلّدت وعياً تطوّر في سياقيته التاريخية وارتقت إلى ما وصلنا إليه، إن في الحفاظ أو تقديم الأحسن دائماً .. وفي الختام : أو ليست المرأة /الأم هي مَن تعلّم طفلها الكلام ؟ وتوسع من مداركه اللغوية ، وبالتالي تلقّنه السابق والآني والمستجد ؟ ..