آراء

المرأة الكُردية فاعل رئيسي في قيادة التنظيمات السياسية

تورين شامدين

المرأة الكُردية لم تعد مجرد مفعول به في معادلة النضال السياسي، بل تحوّلت إلى فاعل رئيسي في رسم مسار التنظيمات السياسية وصياغة مستقبل الشعب الكُردي. على مرّ العقود، أثبتت المرأة الكُردية دورها الحاسم في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية، واستمراريتها في مواجهة التحديات الثقافية والسياسية تجعلها ركيزة أساسية في مساعي التحرر والمساواة، ليس فقط لشعبها، بل لكلّ النساء المناضلات من أجل حقوقهن.

في المجتمع الكُردي، كما في العديد من المجتمعات الشرق أوسطية، تواجه المرأة تحديات معقدة، من بينها التقاليد الثقافية التي تعزّز القيادة الذكورية والهيمنة الذكورية في السياسة. هذه العقبات تضع المرأة في موقع هامشي، حيث يُنظر إليها كعنصر مساعد وليس فاعلاً أساسياً في العملية السياسية. رغم هذه التحديات، فإنّ المرأة الكُردية لا تزال تسعى لكسر هذه القيود والدخول إلى مراكز صنع القرار.

التحدي الأكبر الذي تواجهه المرأة الكُردية هو استغلال التنظيمات السياسية لنقاط ضعفها، مثل ضعف التمثيل وافتقارها في بعض الأحيان إلى الموارد والدعم الكافي. في كثير من الأحيان، يتمّ تهميش النساء من قبل التيارات السياسية، حيث يُستخدم تمثيلهنّ بشكل رمزي لتعزيز صورة التعددية دون منحهنّ الفرصة الفعلية للتأثير على صنع القرار. يتمّ استغلال هذه النقطة بشكل متكرر لتعزيز الخطاب التقليدي الذي يروّج لفكرة أنّ المرأة غير قادرة على قيادة التنظيمات أو تحمّل المسؤوليات القيادية.

رغم إدخال أنظمة “الكوتا النسائية” لضمان تمثيل المرأة، فإنّ هذه الكوتا لا تعدو كونها وسيلة سطحية في بعض الأحيان، حيث لا يتمّ منح النساء السلطة الفعلية، بل يُستخدمن لتعزيز صورة التنظيمات بأنها ملتزمة بالمساواة. هنا تظهر استراتيجية استغلال نقاط الضعف: عدم تمكين المرأة من الموارد الكافية، وتركها في مواقع لا تتيح لها تطوير مهارات قيادية حقيقية أو التأثير الفعلي في صنع القرار.

بالإضافة إلى ذلك، يُستغل ضعف الخبرة السياسية لدى بعض النساء في التنظيمات ضدهنّ .

فعندما تتخذ المرأة موقفاً مستقلاً أو تعبّر عن رأي مختلف، يتمّ التشكيك في كفاءتها أو قدراتها، وتُوضع في موقع الدفاع عن نفسها بدلاً من التركيز على دورها القيادي. هذه الديناميكيات تضعف المرأة الكُردية، وتُبقيها في حالة من الضعف السياسي المتواصل.

للتغلب على هذا الاستغلال الممنهج، يجب أن تركّز التنظيمات السياسية الكُردية على مجموعة من الاستراتيجيات العملية التي تُمكّن المرأة وتُخرجها من دائرة التهميش الرمزي:

التعليم والتدريب السياسي هما من أهم الوسائل التي يمكن من خلالها التغلب على استغلال ضعف الخبرة السياسية. تعزيز البرامج التي تقدّم للنساء فرصاً للتدريب على القيادة وصناعة القرار يمكن أن يساعد في سد الفجوات المعرفية ، ويعزّز من قدرتهنّ على المشاركة الفعّالة في النقاشات السياسية.

يجب أن تتخذ التنظيمات السياسية الكُردية خطوات جدية لإعادة النظر في هيكليتها التنظيمية. يجب أن تكون هناك سياسات فعّالة تُعزّز من تمكين المرأة، ليس فقط من خلال الكوتا، بل عبر تطوير برامج تدعم المشاركة الفعلية للنساء وتضمن أن تكون المرأة في مواقع ذات تأثير حقيقي على عملية صنع القرار.

لا يمكن تحقيق تمكين حقيقي للمرأة دون تغيير الثقافة التنظيمية السائدة التي تميل إلى تهميش دور النساء.

يجب أن تشمل استراتيجيات التمكين حملات توعية موجّهة للرجال داخل التنظيمات حول أهمية مشاركة المرأة في القيادة، وأهمية إحداث تغيير في العقلية التي تعتبر أنّ المرأة لا تصلح لتولي مراكز القيادة.

التعاون مع منظمات دولية متخصصة في تمكين النساء يمكن أن يوفر للتنظيمات السياسية الكُردية الدعم الفني والمعرفي اللازم لتمكين المرأة. هذه التحالفات يمكن أن توفّر الخبرة والتجارب اللازمة لتجاوز العقبات الثقافية والسياسية التي تعيق تقدم المرأة.

بينما تُعتبر الكوتا خطوة إيجابية نحو تمثيل المرأة، يجب أن تكون هناك مراجعات دائمة لضمان أنها لا تستخدم كأداة شكلية فقط. يجب على التنظيمات السياسية أن تُراجع بشكل دوري مدى فعالية الكوتا، وأن تضع سياسات تشجّع النساء على تولي مراكز قيادية حقيقية.

على الرغم من كلّ التحديات، فإنّ المرأة الكُردية أثبتت قدرتها على الصمود في وجه الصعوبات السياسية والاجتماعية. في العديد من التنظيمات السياسية، تمثّل النساء جزءاً مهماً من الهيكل التنظيمي، ولكن لا يزال التمثيل الفعلي في مراكز القرار بعيداً عن الطموحات المرجوة.

في كثيرٍ من الأحيان، تُمنع النساء من الوصول إلى أعلى المناصب داخل التنظيمات، إما بسبب التقاليد الثقافية أو نتيجة هيمنة القيادات الذكورية. رغم ذلك، فإنّ النساء الكُرديات ،في السنوات الأخيرة، بدأن في تصعيد نضالهنّ ضد هذه السياسات الإقصائية، وطالبن بمزيد من المساواة في توزيع الأدوار القيادية.

في النهاية، لا يمكن تجاهل دور المرأة الكُردية في النضال السياسي، فهي ليست مجرد مفعول به، بل فاعل رئيسي يسهم في بناء مستقبل الشعب الكُردي. من خلال التمسك بحقوقهنّ ومواجهة استغلال نقاط ضعفهنّ، تستطيع المرأة الكُردية أن تصبح قوة مؤثرة في التنظيمات السياسية، وأن تحقّق المساواة والعدالة التي تسعى إليها.

إنّ تمكين المرأة الكُردية داخل التنظيمات السياسية ليس مجرد مطلب حقوقي، بل هو ضرورة استراتيجية لتطوير المجتمع الكُردي. لتحقيق هذا التمكين، يجب أن تعمل التنظيمات على تقديم الدعم اللازم، ليس فقط من خلال سياسات التمثيل العددي، بل من خلال تمكين المرأة من الأدوات والموارد التي تتيح لها التأثير الفعلي.

المرأة الكُردية قادرة على قيادة التنظيمات وتجاوز التحديات التي تواجهها. فقط من خلال التزام حقيقي بتغيير السياسات والعقليات التي تهمش دور المرأة، يمكن تحقيق تغيير جذري يمهد الطريق لمستقبل أكثر عدالة ومساواة، يساهم في نهوض المجتمع الكُردي ككل.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “324”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى