المرأة وتقسيم العمل
ليلى قمر
منذ فجر التاريخ ومع مراحل التحول المتعاقبة وأسس كما تناقل المعلومة والمورثات من جبل الى آخر ، وذلك بدءاً من مرحلة التناقل الشفاهي للتاريخ والتجارب البشرية كقصص وحواديت، وما تم توارثه من أفواه الجدّات وفاتحتها ( جاركي ژ جارا .. هزار ليبورين لدايك و باڤين گوهدارا .. گو هپي نپي .. ) .. إلى اختراع الكتابة ومن ثم التدوين ، كلّ هذا الإرث البشري ، وثانية على هدي مبدعينا الاوائل واولئك المغنّين العِظام في لامياتهم السردية حينما أبدعوا قائلين ( .. هري باڤي من : سري كلامي – gotinê – ألف و پي يا ) ، في تلك المراحل كانت المرأة هي الجدة الحكيمة الناقلة والمبدعة الأولى مرتكزة من إرث سابقاتها ..
وغالبيتنا استمع أو قرأ عن أمهات / نساء عظيمات اتخذن كقدوة أو كجليلات ارتبطت بأسمائهن قيم ومفاصل حيوية مختلفة ، ونتذكّر جميعاً هنا ، وفي هذا الجانب الذي أنوي التركيز عليها وكمثال – اغنية شاه ميراني مال ويراني بالا كرتن بصض زيراني – و pale ندرك جميعاً بأنها مهنة تتعلّق بالأعمال الزراعية ، وكذلك طغت نماذج أساسية المرأة ظهرت فيها كالفتاة العاشقة – المعشوقة وحاضنة لبذرة التجدد ، وهكذا في متوالية صيرورة المجتمع ، وللحقيقة يتوجّب التأكيد على أنّ التاريخ الإنساني ، كان مصيباً ، لابل أدرك بالوقائع ذلك الترابط المدهش بين لحظات اإلاندهاش العظيمة وكحالة توأمية شبه جينية ، حينما حصر الدهشة بالصرخة الأولى للبدء الأسطوري زمنياً وحالة الفصل الحقيقي كما الإجرام وسلسلة الكواكب والنجوم وهذا في الفلك بسماواته وكذلك حالة الحنين الطفولي ولحظة انطلاق الجنين بمشيمته وهو يزحف فينفصل خارجاً من رحم الأمومة مع قطع المشيمة ، ويكون قد انفصل عضوياً عن الأم وإن بقيت ملاذه الأزلي ، هكذا الأرض والبشر ولكن : تبقى هي متلازمة التشارك بمفهومه التكويني ، وكصفة تشاركية أشبه بالخزان المنتج / الواهب للحياة ، وكإمتداد حقيقي ، لابل وببساطة شديدة ، فقد تشارك البشر وبكل وضوح ذلك التلاقح البشري الذي أنتج عقلية التشارك بين المرأة – الأم البشري – والأرض – الأم -كمغزى شمولي ، وذلك حتى في الفهم الطقسي المتجدد الحياتي ، هذه المقولة ومفهوم التشارك لانزال نمارسها كُردياً وكتراث صيغت فيها حكم وأمثال عديدة مثل ( zikê digê – daykê – wekî bustanaye ) ، حتى أنّ التقسيم الذكوري والأنثوي ظهرت كلها وتطورت في السرديات البشرية ، لابل صيغت وبعبارة أدق تراتبت وفق النصوص الميثولوجية ، حيث نرى مثلما تمّت الصياغات في مختلف الحضارات والمجتمعات البشرية على مبدأ وجود الأرض – الأم ، وكذلك السماء – الأم وكانت كلّ المظاهر الملموسة هي انعكاس لنتاجات الأم / الأرض ومحفزاتها للرجل – الأب.
ولتبدو كلّ النتاجات وكمظاهر ملموسة رغم انعكاسها المشار إليها ، إلا أنّ الموروث البشري الذهني منه والعملي ، بقيتا مرهونتين بصانعة البيئة والنمط الرئيس ، وواهبة ظروف الإستدامة ، والتي هي في المدلول الواقعي وكانعكاس للذهنية التراثية ، ظلّت هي المرأة الحارسة على النمط والمطورة له ، هذه المرأة والتي على الرغم من أنها فقدت كثيراً من مظاهر الهيمنة لصالح القوة المكتسبة ذكورياً ، ولكنها بقيت تتشبّث وتتمسّك بتلابيب التوالد واستمرارية تدفق الحياة البشرية كتعاقب فعلي للأجيال ، والأهم هنا كموروث ذهني ، بقيت هي الناقلة لأسس الوعي واللغة والموروثات من خلال دندناتها و ( أغاني لوري لوري ) وبدئيات الأغاني الملحمية التراثية .. نعم : لقد انطلقت المرأة وكحاضنة وحافظة وناقلة أيضاً لصيرورة نمط وواقع حياتها ، لابل وكخزان حافظ لغالبية أنماط بيئتها ، وعلى هدي ذلك ، فقد أدركت وبكلّ مسؤولية عملية الانسجام وثانية بالترافق ووفق النمط الطقسي وتحولات المناخ بفصولها ، وايضاً الشكل – النمط المعيشي الزراعي – الفلاحي والتي ارتبطت بها كل أعمال المرأة ، وطبيعي أنني أعني بها هنا البيئة الكُردستانية في الأغلب وإن كنت اأنوي التركيز وبشكلٍ خاص – وكنوع من التجميع التراثي ، سأحاول في الأعداد القادمة من جريدة يكيتي التركيز على عمل المرأة الكُردية في البيئة المستقرة أو المتنقلة ، وبمفرداتها الطقسية – الفصلية كغايةٍ نرتئي منها التوثيق قدر الإمكان لأنماط تكاد أن تنمحي من ذاكرتنا الجمعية . وطبيعي أنني أقصد بعمل المرأة الكُردية المتسعبة وداخل تلك الانساق الرعوية المتنقلة ، والمجتمعات الريفية ورديفها المدينية ، وذلك الكم الهائل من الموروث الشعبي الفولكلوري ووفق نسقيات وطبيعة الإنتاج ، وإن لايزال يطغى عليها الطابع الطقسي ومدلولات الفصول المتتالية وسأرتئي بالتوافق مع المرثية الكُردية كجزء هام ومؤسس لثقافة ميزوبوتاميا -بلاد النهرين – وتلك الثقافة بموسوعيتها المهيمنة بقوة ، لابل المنصهرة فيها أصلاً وكجزء انبثاقي ، وأعني بها الثقافة والإرث الكُردستاني ، وأعني بها ( بهيظوك و بوهاريا ) والبناء التراثي والفولكلوري الكُردي وما يقابلها في التطبيق العملياتي لنمط المعيشة وهنا وفي المجتمع الكُردي وظاهرة صراع وعمل المرأة الشاق فصلياً واستعداداتها كنمط لترتيب مسار الحياة والعيش الخروج من الفصل القادم الى الذي يليه كما سنرى في الأعداد اللاحقة .
المادة منشورة في جريدة يكيتي العدد 287