المصطلحات والمفاهيم
محمد رجب رشيد
لعلّ الدِقّة والجودة من أهم سِمات العصر الحالي، يُلاحظ ذلك بوضوحٍ في دِقّة التوقيتات، المواعيد، الحسابات، العناوين، المعاملات، وجودة البناء والطُرق ومختلف أنواع الصناعات خاصةٍ الدقيقة منها، … إلخ. من الأهمية بِمكان تحرّي الدِقّة والإختصار والجودة في اختيار المصطلحات والمفاهيم والكلمات والجمل لدى توصيف الأحداث والوقائع، أو الإدلاء بتصريحات أو صياغة البيانات والتقارير وإعداد أوراق العمل، بحيث لا تقلُّ عن دِقّة وجودة العصر الذي نعيشه، وذلك بِوضع كلّ كلمة في مكانها المناسب بعيداً عن الحَشو وكل ما لا يلزم، كي لا يفقد النص معناه، أو يُفهم منه عكس المُراد.
وتجنُّب استخدام الإتجاهات الجغرافية -شمال العراق، شمال سوريا، شمال شرق سوريا، جنوب شرق تركيا، غرب كُردستان، وشمالها وجنوبها وشرقها- للدلالة على أجزاء كُردستان، أليس لكلّ جزء أو منطقة اسم؟ والأهم من ذلك تجاهل وعدم استخدام أسماء من قبيل درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام، مناطق آمنة، والتي أطلقتها تركيا على معارك احتلالها للأراضي السورية وخاصةً المناطق الكُردية في محاولةٍ خبيثة لِخداع العالم.
كثيراً ما تصادِفنا في قراءتنا وتمرُّ على مسامِعنا كلمتا المصطلح والمفهوم، رغم التشابه الظاهر بينهما، إلّا أنّهما مختلفان في المعنى والدلالة، لا يجوز استخدام أحدهما مكان الآخر. المصطلح كلمة تعارَفَ الناس على ربطها بشيء ذي وظيفة معينة لا خِلاف عليها وعلى طريقة استعمالها.
لكلّ مجالٍ من مجالات الحياة مصطلحات خاصة به. الحرارة، البرودة، المطر، الغِيم، جميعها مصطلحات تُستخدم للدلالة على حالة الطقس. الروضة، المدرسة، المعهد، الكلية مصطلحات تدُلُّ على مؤسسات التربية التعليم. السيارة الشاحنة، القطار، الطائرة مصطلحات تدُلُّ على وسائل النقل. وكذلك الأمر بالنسبة للمجالات الأخرى. عندما نعرِّف مصطلح ما نأتي على وصف شكله وبنيته وذِكر نوعِه ووظيفته.
المفهوم كلمة لا إجماع على دلالتها وتصورِّها وتطبيقها. فالحرية، الديمقراطية، الرأسمالية، الاشتراكية، العدالة، التسامح، الصداقة، الجمال َوالحب مفاهيم نختلف في فهمها وتطبيقها، عند تعرِيف أيّ مفهومٍ ينبغي ذِكر مبادئه وخصائصه ومراحل تشكُّله وتطوُّره، وتقديم وجهات النظر المختلفة حوله.
لنأتي الآن على تعريف بعض المصطلحات والمفاهيم السياسية والفلسفية والعسكرية:
– المفاوضات: عادة ما تُجرى بين الدول أو بين الحكومات إنطلاقاً من معرفة مُسبقة بما يريده الآخر. تقوم على موازين القِوى والمصالح المادية بغرض التوصّل إلى اتفاقية والحصول على مكاسب معينة مقابل تنازلات إذا لُزِمَ الأمر، غالباً ما تكون المفاوضات متساوية في الحقوق وإن لم تشترك في المساواة على صعيد موازين القِوى.
– المحادثات: تُجرى بين رؤساء الدول أو الحكومات أو وزراء خارجيتها، تسبق المفاوضات وتُمهِّد لها الطريق، لا تحكمها ضوابط الحقوق والواجبات.
– الحِوار: هو أسلوب مكاشفة ومصارحة وتعريف بين الأفراد أو الجماعات، ليس فيه مكاسب أو خسائر، غير محدّد بزمن، يتمّ فيه عرض الرأي وسماع الرأي الآخر دون شرط القبول به أو التوصل إلى تفاهم أو توافق، ربّما يحدث تأثير متبادل بين الطرفين دون الإقرار به، مثل حوار الأديان وحوار الثقافات وحوار الحضارات.
– الجِدال: هو منهج علمي مهم وليس حِوار عقيم كما هو متعارف عليه لدى العامة، إنّه شكل من أشكال الحِوار وأسلوب تفاعل بين البشر يتمثّل في التقاء النقيضين حول موضوع ما بظروف معينة وزمن محدد، بغرض الخروج بحصيلةٍ جديدة بديلة عن النقيضين.
– حق تقرير المصير: هو حق الشعوب في رسم مستقبلها بنفسها وتحديد الخيارات السياسية التي تراها مناسبة دونَ تأثير خارجي بما في ذلك إعلان الاستقلال وتحديد شكل الحكم، والاندماج مع وحدة سياسية مجاورة أو الانفصال عنها. اكتسبَ مفهوم حق تقرير المصير قوة قانونية بإدراجه في ميثاق الأمم المتحدة عام ١٩٥١م، وهو ما جعله جزءاً من القانون الدولي.
هنا لا بدّ من التذكير بالإخفاق المزمن للأمم المتحدة في إنصاف الشعب الكُردي وتمكينه من حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.
– مبدأ سيادة القانون: يتطلّب هذا المبدأ وجود دولة قانون قائمة على أركان حقيقية تستمدّ قوّتها من الشعب باعتباره مصدر السلطات، ولها قوّة مُلزِمة تستمدّها من القواعد الدستورية التي أرست عليها بنائها القانوني.
– فكّ الارتباط: مصطلح سياسي يعني تشظّي الدولة الواحدة إلى دولتين أو عِدّة دول، وإعادة ترسيم الحدود الفاصلة بينها، كما حدث في تشيكوسلافاكيا عام ١٩٩٣م كنتيجة من نتائج انهيار الإتحاد السوفيتي، وبين الأردن والضفة الغربية لنهر الأردن عام ١٩٨٨م.
– القومية: مجموعة من الناس تشترك في اللغة والتاريخ والتقاليد والثقافة والآمال والآلام، بغضّ النظر عن مكان تواجدهم.
– الأمّة: ليس هناك تعريف موحّد لمفهوم الأمّة، ولكن يمكننا القول بأنّها بناء اجتماعي أساسه الوطن والشعب ضمن دولة واحدة، يرتبط أفرادها مع بعضها بأهداف أو مصالح مشتركة قد تكون عقائدية أو اقتصادية، بغضّ النظر عن اللغات والأديان والطوائف، والأمّة أشمل من القومية قد تضمّ عدة قوميات.
– الشعب: مجموعة من الناس تعيش مع بعضها في أرض واحدة ضمن كيانٍ سياسي واحد، بغضّ النظر عن الاختلاف باللغة والدين والتاريخ والثقافة.
– الوطنية: هي الشعور العاطفي للأفراد نحو التعلّق بأمّةٍ تعترف بها وطناً لهم.
– القيّم: مفهوم شامِل من خلالها تُبنى الآراء، يتضمّن فيما يتضمّن بعض الأخلاق وليس جميعها، وهي كلّ فِعلٍ له قيمة لدى الأفراد أو المجتمع. والقيَّم جميعها حسنة، بعضها متعلّق بالفاعل نفسه كالشجاعة، النشاط، الأناقة، الأدب، الثقافة،… إلخ والبعض الآخر متعلّق بالآخرين كالإحسان، الإيثار، الكرم، قول الحق، .. إلخ.
– الأخلاق: هي السلوك المُتّبع من قِبل الأفراد أو المنظمات أو المجتمعات، ويتعلّق بالآخرين مباشرةً، منها ما هو حميد ذات قيمة ومنها ما هو ذميم ليست بقيمة، أي أنّ كلّ خُلق حميد قيمة، وليس كلّ قيمة خُلق.
– دخول القوات: يعني دخول القوات العسكرية لدولةٍ ما إلى أراضي دولةٍ أخرى إمّا بطلبٍ من الدولة نفسها، أو لتنفيذ قرارٍ أممي صادر عن مجلس الأمن.
– الاجتياح: هو دخول قوات دولةٍ لأراضي دولةٍ أخرى دون موافقتها، لتنفيذ مهمةٍ محدّدة لا تشمل التدخل في إدارتها، ثمّ الإنسحاب منها بعد إتمام المهمة.
– الاحتلال: هو الغزو العسكري من قِبل دولةٍ لأراضي دولةٍ أخرى والبقاء فيها لتحقيق هدفٍ سياسي، قد يكون ضمّ الأراضي المحتلة إليها، كالغزو الروسي الحالي لأوكرانيا، والغزو التركي لمنطقة عفرين عام ٢٠١٨م، أو إسقاط نظام الحكم، كما حصل في العراق سنة ٢٠٠٣م.
لا شكّ أنّ الإحتلال هو الأخطر، تَبِعاته كالكارِثة على المُعتدى عليه، خاصةً إذا لم يعترف المُحتل بإحتلاله للتهرُّب من مسؤوليته كدولةٍ محتلّة، كما هو حاصل في منطقة عفرين، والأخطر من ذلك هو محاولة البعض تجميل الإحتلال والتهوين من مخاطره.
إنّ التوصيف الدقيق والصحيح لأيّ حالةٍ غير مُعتادة قد يساعد على حلِّها، أو يحدُّ من آثارها السلبية على أقل تقديرٍ، فلنسمِّ الأشياء بمسمّياتها دون تردُّد .
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 301