المنطقة الآمنة والدور الفرنسي المأمول
سليمان أوسو
بعد قرار الرئيس الأمريكي عبر تغريدة على التويتر بالإنسحاب من منطقة شرق الفرات في سوريا، وذلك بعد أن شارفت عملية محاربة داعش على الانتهاء، وبناء عليه وبعد المكالمة الهاتفية بين الرئيس الأمريكي ونظيره التركي، كثُر الحديث عن فكرة إنشاء منطقة آمنة على طول الشريط الحدودي مع تركيا وبعمق 32 كم والتي تشمل أغلب مناطق كُـردستان سوريا في شرق الفرات بـدءً من منطقة كوباني وانتهاء بمنطقة ديريك، وبالرغم من عدم وضوح معالم المنطقة الآمنة، حيث لا زالت موضع نقاش وجدل كبير بين اللاعبين الدوليين والإقليميين الكبار الضالعين في الأزمة السورية.
إن القمة المصغرة الأمريكية الأوروبية العربية التي عُقدت مؤخراً بدعوة من الخارجية الأمريكية والتي ناقشت الملف السوري واتفقت على ( التنسيق المشترك وتوحيد المواقف ) وبغياب ملحوظ من تركيا، ويعتبر مؤشراً على نية أمريكا بعدم السماح لتركيا بدخول شرق الفرات وعدم تكرار تجربة عفرين، وبنفس الوقت تطمين حليفتها تركيا والبحث عن البدائل من خلال الضغط على الدول الأوروبية بالقيام بدورها في انشاء المنطقة الآمنة في شرق الفرات وبدعم عسكري أمريكي، وبالرغم من الحذر الأوروبي في تبني المشروع، إلا أن الدول الأوروبية بدأت تقتنع بعض الشيئ من تقبل الفكرة، حيث أبدت ألمانيا أيضاً مخاوفها من تداعيات الانسحاب الأمريكي، هذا بالاضافة الى الموقف الفرنسي الواضح باصرارها على إبقاء قواتها في المنطقة بالرغم من قرار الانسحاب الامريكي.
فرنسا وعقدة الذنب التاريخية تجاه الكُـرد…
بعد اتفاقية سايكس بيكو عام ١٩١٦ والتي بموجبها أٌلحق جزء من كُـردستان بالدولة السورية الناشئة، ارتبط مصير جزء من الشعب الكُـردي بمصير جزء من الشعب العربي على هذه الجغرافيا (سوريا)، وبدأ الشعب الكُـردي بمطالبة سلطات الانتداب الفرنسي بمنحه الإستقلال الذاتي إسوة بشعوب سوريا ودويلاتها آنذاك (دولة جبل العلويين، دولة جبل الدروز، دولة حلب، دولة دمشق، دولة لبنان ) وقدم زعماء العشائر الكُـردية، وعدد من الأدباء والمثقفين الكُـرد البارزين عريضة إلى الجمعية التأسيسية السورية في ٢٣حزيران عام ١٩٢٨ بدمشق، تضمنت العريضة المطالبة بالاستقلال الذاتي للشعب الكُـردي في سوريا.
إلا أنه وبالرغم من أن دستور الإنتداب الفرنسي الذي أقر في البند الثاني من مادته الأولى هذا الحق، إلا أن مصالح الدولة الفرنسية مع تركيا قد حالت دون تنفيذ هذا البند وعدم منح الشعب الكُـردي الاستقلال الذاتي.
والشعب الكُـردي يتطلع إلى دور فرنسي مميز لتصحيح هذا الغبن التاريخي الذي لحق بالشعب الكُـردي وإنصافه، وإن فرنسا هي الدولة الأولى بالرعاية لسوريا ويجب عليها ان تقود إنشاء المنطقة الآمنة وترعى إنشاء قوة أمنية تكون لبيشمركة كُـردستان دور أساسي فيه.
قمة سوتشي والحرص !!! على وحدة سوريا…
كلما تتوضح معالم السياسة الأمريكية والأوروبية تجاه القضية الكُـردية تبدأ هذه الدول بالتباكي على وحدة سوريا وبتضخيم مبتذل من قبل روسيا بهدف ابتزاز تركيا وتخويفها لإبعادها عن حليفها الطبيعي أمريكا واستمالتها إلى جانبها، في محاولة منها لإجراء مصالحة بين تركيا والنظام وإقناع تركيا بالعودة إلى اتفاقية أضنة بين النظام وتركيا، كبديل عن المنطقة الآمنة المطروحة، أوربياً وأمريكياً، بشكلها السياسي على غرار ما حدث في كُـردستان العراق آنذاك .
إلا أن أغلب التصريحات الأمريكية والأوروبية الصريحة ترفض عودة النظام الى شرق الفرات، والعمل على إنشاء إدارة تلبي طموحات جميع الأطراف السياسية ويكون للمجلس الوطني الكُـردي دور مميز فيه، وما اللقاءات الأمريكية مع وفود المجلس الوطني الكُـردي إلا دليل قاطع على أنهم يحملون مشروعا تجاه هذه المنطقة، وبمشاركة ممثلي كل مكونات المنطقة.
وما تفجير مبنى المخابرات الفرنسية بالرقة إلا محاولة يائسة من قبل الذين خططوا له لترهيب الفرنسيين للحؤول دون تنفيذ المشروع وما نأمله أن يستمر الفرنسيون في طموحهم بالتخلص من عقدة الذنب التاريخية تجاه الكُـرد وتصحيح الغبن الذي وقع عليهم إبان الانتداب الفرنسي على سوريا.