النظام السوري.. لماذا اضطهد الكرد وهل تشبَهُه المعارضة؟
عبد الله كدو
إن نظام الحكم في سوريا الذي تمكّن من احتكار السلطة والثروة، وأبدع في استخدام الماكينة الإعلامية المحتكرة لصالحه، و تجيِيرها لخدمة ديمومة حكمه عبر وسائل وآليات ابتكرها لإيهام الجماهير وتضليلها، منها استخدام الخطاب القومي العروبي، واستمرار الحرب الإعلامية – الدعائية – ضد إسرائيل وأمريكا ، ففي الوقت الذي كان يكمل فيه عملية إفلاس الجماهير و تجريدها من كل الفرص والإمكانات المادية و الإجهاز عليها، حيث التحكم بكل مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية وغيرها، كان يحيك خطابه التضليلي الملائم للتغطية على ذلك التجريد و الإفلاس في نفس الوقت ، ليدّعي بأن ثمة مبادئ و قيم معنوية تجمعه والجماهير الضحية، مثل (التمسك ) بالعروبة و(محاربة) الصهيونية والامبريالية ، ذلك في خطابه الإعلامي المستمر، و نظراً لضعف الإعلام لدى تسلل حزب البعث سدة الحكم، قبل بدء ثورة الديجيتال والإنترنيت ومع احتكار الإذاعة و التلفزيون الحكوميين، استطاع النظام أن يصرف أنظار شرائح واسعة من الجماهير عمّا يجري داخل البلاد من استبداد وفساد، وتوجيهها نحو الخارج، بإدّعاء وجود خطر التآمر على خطه القومي المقاوم المزعوم، الذي يتّبعه أو يقوده، ذلك في عملية استلاب بسيكولوجي مدروس، عبر خطاب إعلامي يذكر مهدّداً بأن ” لا صوت يعلو فوق صوت المدفع ” ذلك خوفا من أن تتجه الجماهير نحو النضال في سبيل لقمة عيش كريمة، ضمن أجواء من الحرية و الديمقراطية، كالتي تتسم بها حياة أقرانها لدى الشعوب الحرة.
و نظرا لأن الديمقراطية هي العدو الحقيقي والوحيد للأنظمة المستبدة، ومنها النظام السوري الذي عمل على سدّ كل المنافذ التي من المحتمل أن تتسرب منها الديمقراطية، وجد في نضال الشعب الكردي ممثلا بحركته الوطنية الكردية أحد أهم تلك المنافذ، وعليه بدأ يناصب القومية الكردية العداء، محققاً بذلك هدفين اثنين، أولهما : تحقيق تعميم الحرمان من الحرية و الديمقراطية اللتين تتنافيان مع احتكار السلطة، وهنا ركز النظام على عدم افساح أي مجال للخصوصية القومية الكردية، خشية من أن تفتح كوة في القفص الحديدي المشيَّد لتطويق كل السوريين ضمن الدائرة التي تقتضيها ضرورات استمرار الحكم.
ثانيهما: للإيحاء للسوريين العرب بأن درجة اضطهاد الكرد هي المعادل النوعي للتمسك بالعروبة التي تصدرت شعاراً دعائياً للحكم، غير قابل للقياس ويفيد في تضليل الجماهير العربية وتنويمها.
في سياق العمل لسدّ منافذ الديمقراطية وبالتالي المطالبة بالتغيير، استطاع النظام أن يرسم صورة مشوهة للمعارضة الوطنية في أذهان نسبة كبيرة من المواطنين، مفادها أن كل الدعوات إلى الديمقراطية و حقوق الإنسان و المجتمع المدني غير بريئة من أمريكا واستطالاتها، وعليه فقد راحت القوى المعارضة – التي تمكّنَ النظام من ترهيبها – لتكيل الشتائم ضد الأمريكان بمناسبة أو بدونها ، اتقاءً من شرّ اتهام النظام إياها بالارتباط بالخارج، النظام الذي دجّن أسماع وأنظار الجماهير المغلوبة على أمرها ، لتبقى قوى المعارضة الوطنية محرومة من أي صداقات أو أصوات مساندة خارج البلاد، حيث كان الداخل تحت السيطرة ، مما وجدت المعارضة نفسها هزيلة منعزلة، على خلفية خشيتها من اتهامها بالعمالة للخارج ، الاتّهام الذي كانت تقابله أحكاماً سياسية تكفي لإنهاء المتّهم، فيما كان النظام في حلّ من أي التزام، لا يرى غضاضة في اي ارتباط له، هذا الكلام ينطبق على معظم المعارضات العربية السورية القومية و الدينية و اليسارية، التي تكاد جميعها تشترك في رفض العلمانية التي تعني فصل الدين عن الدولة، أي جعل الدولة لكل مواطنيها بشكل متساوٍ باختلاف معتقداتهم، أما المعارضة الديمقراطية فمازالت قلة نخبوية، و بما أن التكرار يولد القناعة ، فقد اكتسبت المعارضة – بجزئها الأكبر- صفاتٍ كثيرة من النظام، لتكون نسخة شبيهة به، من حيث قبول الآخر، الآخر القومي أو السياسي و الفكري ، فهذه المعارضات مازالت ترفض التعددية الحقيقة، السياسية و القومية بأشكال غير مباشرة و أحيانا مباشرة، فهي لا تريد أن تغير اسم الدولة و لا شكلها ، لا تستسيغ سوى الدولة المركزية و النظام الرئاسي، ذلك بحثا عن القوة التي لا تراها إلا في قوام الدولة و الحكم الحالي ، الذي طالما عانت منه واكتوت بناره، تحت ذرائع تشي بأنها – المعارضة – لا تتجرأ على إحداث أي تجديد ، الأمر الذي يتنافى مع تعريف ومعاني الثورة التي خرجت الآلاف باسمها، تنشد للقطيعة مع السلطات المتعاقبة نحو سوريا الجديدة.
المقال منشور في جريدة “يكيتي” العدد 268