انقسامات في صفوف الديمقراطيين حول سوريا
روبرت فورد.... السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
في واشنطن، تتزايد الانقسامات داخل صفوف الحزب الديمقراطي فيما يخص السياسات الخارجية، وشكلت قضية الوجود العسكري الأميركي في سوريا، الأسبوع الماضي، دليلاً واضحاً على ذلك. كان من الغريب الاستماع للرئيس جو بايدن وهو يقول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 سبتمبر (أيلول) إن الولايات المتحدة، وللمرة الأولى منذ 20 عاماً، ليست في حالة حرب. ويأتي ذلك رغم أنه في اليوم السابق أصدر أوامره بتوجيه ضربة جوية ضد هدف إرهابي في شمال غربي سوريا.
إضافة لذلك، أمر بايدن بتوجيه ضربات جوية ضد ميليشيات إيرانية في شرق سوريا في فبراير (شباط)، ومن جديد في يونيو (حزيران). في الوقت ذاته، لا تجري أي مناقشات جادة في صفوف إدارة بايدن حول سحب القوات الأميركية البالغ قوامها 900 جندي من شرق سوريا، بل وادعى بايدن خلال مقابلة أجرتها معه محطة «إيه بي سي» في أغسطس (آب)، أنه لا توجد قوات عسكرية أميركية في سوريا.
الواضح أنه مثلما الحال مع سياسيين أميركيين آخرين، يعاني بايدن أحياناً من زلات اللسان. سواء كانت هذه زلة لسان أم لا، تظل الحقيقة أن ثمة جدلا متصاعدا داخل حزب بايدن حول سوريا. وعقد أحد الأعضاء البارزين في الجناح اليساري للحزب الديمقراطي، جمال بومان، عضو الكونغرس من نيويورك، الأسبوع الماضي، نقاشاً قصيراً أمام مجلس النواب حول المهمة العسكرية الأميركية في سوريا. ويمثل بومان العديد من المجتمعات منخفضة الدخل داخل مدينة نيويورك ومثل العديد من الآخرين في تيار اليسار داخل الحزب الديمقراطي، فإن أولويته تدور حول مساعدة الفقراء وإعادة بناء البنية التحتية الأميركية.
في الأسبوع الماضي، اقترح بومان تعديلاً على ميزانية وزارة الدفاع يتطلب عقد تصويت في الكونغرس بعد 60 يوماً للموافقة على استمرار الوجود العسكري. ويؤكد التعديل الذي اقترحه بومان على السلطة التي يمنحها الدستور للكونغرس لإعلان الحرب. جدير بالذكر في هذا الصدد، أنه بعد سبع سنوات من بدء الجيش الأميركي القتال في سوريا، لم يصوت الكونغرس حتى الآن للموافقة على التدخل العسكري، ولم يشرح أي من أوباما أو ترمب أو بايدن في الوقت الحاضر استراتيجية أو خطة القوات العسكرية الأميركية في سوريا.
من جانبه، يعتقد بومان وحلفاؤه أنه إذا حدد الكونغرس موعداً للتصويت على الوجود العسكري في سوريا، فإن هذا سيدفع البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية أخيراً نحو محاولة شرح أهدافهم واستراتيجياتهم حيال سوريا. ويتوقع هؤلاء الديمقراطيون اليساريون أن الإدارة لن تكون قادرة على طرح أهداف قابلة للتحقيق واستراتيجية مقنعة، وبالتالي سيرفض الكونغرس التدخل والأموال التي تدفع مقابل ذلك.
يذكر أنه من قبل أخفقت جهود بومان داخل مجلس النواب في 23 سبتمبر، عندما وافق 141 عضوا في مجلس النواب على التعديل، لكنه قوبل بالرفض من جانب 286. وأصر المعسكر الرافض لمقترح بومان على أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تتخلى عن الأكراد في سوريا، وشددوا على التهديد الذي تشكله جماعة «داعش» في الوقت الحاضر. ويحمل هذا الرفض وراءه ثلاثة تداعيات كبيرة: أولها، يعني تصويت 23 سبتمبر أن إدارة بايدن لديها الوقت للتفكير في سياستها تجاه سوريا دون موعد نهائي فوري من جانب الكونغرس. بعد أفغانستان، لا يبدو فريق العمل المعاون لبايدن في عجلة من أمره لمغادرة سوريا. ثانياً: كان 21 جمهورياً من بين الـ141 الداعمين لمقترح بومان (188 جمهورياً رفضوا المقترح). والآن، من هم هؤلاء الجمهوريون الـ21 الذين يرغبون في إنهاء المهمة الأميركية في سوريا؟ إنهم بعض أقوى أنصار الرئيس ترمب في مجلس النواب، مثل أندرو بيغز من ولاية أريزونا وجيمس جوردان من تينيسي.
جدير بالذكر هنا أن ترمب رغب في الانسحاب من سوريا هو الآخر، لكن في اللحظة الأخيرة أقنعه مسؤولون في وزارتي الخارجية والدفاع بنشر جنود أميركيين للسيطرة على حقول النفط في الحسكة ودير الزور. وحتى اليوم، لا يزال ترمب وحلفاؤه يتميزون بقوة كبيرة، بل وربما يشكلون أقوى معسكر داخل الحزب الجمهوري.
اللافت أن اليمين المتطرف واليسار في السياسة الأميركية يتفقان حول سوريا.
ثالثاً: تتمثل الدلالة الأهم فيما يدور داخل الحزب الديمقراطي نفسه، فقد نال اقتراح بومان حول ضرورة مراجعة السياسة تجاه سوريا والتصويت عليها موافقة 120 من نواب الحزب الديمقراطي، ولم يصوت ضده سوى 98 ديمقراطياً.
ورغم تصويت زعماء الحزب وأقرب حلفاء بايدن ضد اقتراح بومان، فإن معظم النواب الديمقراطيين رفضوا موقف القيادة. وعليه، فإن دعم الحزب الديمقراطي لمهمة سوريا ليس قوياً على ما يبدو. ويكشف هذا التصويت حيال السياسة في سوريا، إلى جانب النقاشات داخل الحزب الديمقراطي حول سياسة بايدن الخارجية تجاه فلسطين وحقوق الإنسان وملفات أخرى، أن الجناح اليساري للحزب تزداد انتقاداته لبايدن وقيادة الحزب الديمقراطي يوماً بعد آخر فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية. في الوقت ذاته، فإن قادة الحزب الديمقراطي بحاجة إلى حماس وطاقة الجناح اليساري للحزب للفوز في انتخابات الكونغرس عام 2022 وانتخابات الرئاسة لعام 2024.
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن السياسات الخارجية لا تشكل عادة قضية مهمة في الانتخابات الأميركية، لكن إذا أسفرت الخلافات داخل الحزب الديمقراطي عن امتناع 3 في المائة أو 4 في المائة من الناخبين الديمقراطيين عن التصويت، فإن الفوز في الانتخابات سيكون من نصيب الجمهوريين، الأمر الذي يدركه الجناح اليساري داخل الحزب الديمقراطي جيداً، وسيحاول بومان، من جهته، مرة أخرى داخل الكونغرس العام المقبل وضع نهاية للوجود العسكري الأميركي في سوريا.
aawsat