باريس تحذر طهران من “اللعب بالخطوط الحمر”
تواجه مساعي «الترويكا» الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) لإنقاذ الاتفاق النووي المُبرم بين طهران والدول الست، إصراراً أميركياً على «خنق» التعاملات المالية والاقتصادية مع ايران، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق. ويثير الموقف الحازم الذي تتخذه واشنطن، مخاوف جدية لدى مؤسسات وشركات أميركية وأوروبية ضخمة، من عواقب التعامل مع طهران. بدا ذلك جلياً في إعلان «بنك الاستثمار الأوروبي» أنه لا يستطيع تجاهل العقوبات الأميركية على إيران، بعدما حضّته المفوضية الأوروبية على إقراضها.
وبرّرت طهران إعلانها أنها ستعزّز قدرتها على تخصيب اليورانيوم، بأنه «تحضير في حال سقط الاتفاق النووي». لكن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان حذرها من «خطر اللعب بالخطوط الحمر».
وأفادت وكالة «رويترز» بأن مسؤولين أميركيين يجوبون العالم للضغط على دول للتخلّي عن تبادلها التجاري مع إيران، في خطوة تقوّض الجهود الأوروبية لإنقاذ الاتفاق النووي. وزار مسؤولون من وزارة الخزانة الأميركية بلداناً، بينها اليابان، وأخرى في أوروبا الشرقية. وقال ديبلوماسي أوروبي بارز: «الأميركيون في جولة ترويجية، هم عقائديون. كنا واضحين وقلنا لهم: إذا أتيتم لتبلغونا كيف نطبّق القوانين الأميركية هنا، فأنتم غير مرحّب بكم». ولفت مسؤول في الاتحاد الأوروبي إلى أن الولايات المتحدة توجّه، عبر موفديها، تحذيراً خاصاً من التعامل مع طهران. وأضاف أن واشنطن ضغطت على «بنك الاستثمار الأوروبي» الذي ليست له نشاطات في إيران، لثنيه عن الاستثمار في شركات أوروبية تمارس أعمالاً هناك.
وأعلن البنك امس أن حفاظه على وجوده مؤسسة «قوية وذات صدقية في أسواق رأس المال الدولية، سيكون غير منسجم مع تجاهل العقوبات (الأميركية) المحتملة على إيران»، مضيفاً أنه «لا يمكن أن يكون الحلّ لهذه المشكلة» و»ليس الأداة الصحيحة» لمنح قروض للشركات.
يأتي ذلك بعدما حدَّثت المفوضية الأوروبية تشريعاتها، للسماح للبنك بدعم الاستثمارات الأوروبية في إيران، لا سيّما المتعلقة بالشركات الصغيرة والمتوسطة. كما مكّنته من «تقديم قروض إلى ايران». وأبلغ مصدر أوروبي «الحياة» أن التوصية إلى البنك قد تشجّع المؤسسات الصغرى والمتوسطة على المغامرة بدخول السوق الإيرانية، إن كانت لا تنشط في السوق الأميركية.
وأقرّت المفوضية أيضاً «قانون التعطيل» الذي يتيح مواجهة تأثير العقوبات الأميركية على الشركات الأوروبية الراغبة في الاستثمار في إيران. وأوضحت أن القانون لا يمسّ «التزام الاتحاد الأوروبي مواصلة التعاون مع الولايات المتحدة، بوصفها شريكاً أساسياً وحليفاً».
ووجّهت فرنسا وبريطانيا وألمانيا رسالة إلى وزيرَي الخزانة والخارجية الأميركيَين ستيفن منوشين ومايك بومبيو، ورد فيها: «بوصفنا حلفاء، نتوقّع من الولايات المتحدة الامتناع عن إجراءات تضرّ بالمصالح الأمنية لأوروبا وأن تحترم قراراتنا السياسية وألا تطبّق العقوبات الأميركية على كيانات وأفراد من الاتحاد». وقال وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير إن الدول الثلاث والاتحاد الأوروبي تطلب من الولايات المتحدة «إعفاء الشركات الأوروبية التي تنفذ أعمالاً تجارية قانونية في ايران، من كل العقوبات الأميركية خارج الحدود».
لكن مجموعة «بوينغ» أعلنت أنها لن تسلّم طهران أي طائرة، التزاماً بالعقوبات الأميركية، ما سيؤدي إلى إلغاء صفقتين ببلايين الدولارات مع شركتَي طيران إيرانيتين. كما أن مصافي أوروبية توقف تدريجاً مشترياتها من النفط الإيراني، ما يغلق الباب أمام خُمس صادرات إيران من الخام. ونقلت «رويترز» عن مصدر في شركة «ساراس» الإيطالية التي تدير مصفاة ساروش في سردينيا قوله: «لا نستطيع تحدي الولايات المتحدة».
في فيينا، أعلن المندوب الإيراني لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية رضا نجفي أن بلاده بدأت «أعمالاً تحضيرية في حال سقط الاتفاق النووي، بحيث تتمكّن من إعادة إطلاق نشاطاتها (الذرية)، من دون القيود المتعلّقة بالاتفاق». واستدرك: «لا نفعل شيئاً ينتهك الاتفاق. يجب ألا يتوقّع أحد من إيران أن تنفّذ مزيداً من الإجراءات الطوعية» لتفتيش منشآتها.
لكن لودريان نبّه إلى أن إعلان طهران تعزيز قدرتها على تخصيب اليورانيوم «ليس محلّ ترحيب»، وزاد: «إنها تبدي نوعاً من استفزاز. من الخطر دوماً اللعب بالخطوط الحمر. لكن الخطوة ما زالت في إطار اتفاق فيينا (النووي). إذا ذهبوا إلى مستوى أعلى، سيخرقون الاتفاق، وعليهم إدراك أنهم سيعرّضون أنفسهم لعقوبات جديدة ولن يبقى الأوروبيون بلا حراك». أتى ذلك بعدما جدّدت الولايات المتحدة مطالبتها إيران بوقف كامل لبرنامجها النووي.