بديل دولة «داعش»
مصطفى زين
تتغير الوسائل. يتغير الرؤساء الأميركيون، والهدف واحد، مهما كان الثمن: فصل سورية عن إيران والعراق. من عهد جيمي كارتر، بعد انتصار ثورة الخميني، إلى باراك أوباما، مروراً بكارتر، وريغان، وبوش الأب وكلينتون وبوش الإبن. لا هم للإدارات الأميركية المتعاقبة سوى وضع حد للتحالف بين دمشق وطهران. قبل ثورة الخميني كان الشاه محمد رضا متعهداً التصدي لأي تقارب بين البلدان الثلاثة (الجميع يذكر حرب الخليج الأولى). وكانت واشنطن ترى في طهران عاصمة الشرق الأوسط وضابط الإيقاع السياسي والعسكري في المنطقة. وكانت مع تركيا تحول دون تغيير الواقع الجيوسياسي من خلال التواصل مع روسيا.
لم يكن أوضح من عهد بوش الإبن في محاولة تنفيذ هذا الهدف بأسلوب آخر، لكنه ارتكب حماقة كبرى، فبرك مع بلير كل الأكاذيب الممكنة لتدمير عراق صدام حسين الذي كان يشكل سداً منيعاً يحول دون التواصل الجغرافي بين سورية وإيران، متوهماً أنه يستطيع احتواء تفاعلات احتلاله بلاد الرافدين واحتواء دمشق وطهران بالقوة، وتدميرهما إذا أمكن. لكن هذه الحماقة أنتجت نظاماً عراقياً متحالفاً مع الجمهورية الإسلامية التي كرست نفوذها على مساحة العراق كله.
الآن، بعد أكثر من أربع سنوات على الحرب في سورية وعليها، تبلورت استراتيجية أميركية جديدة لوضع حد للتحالف السوري – الإيراني. تستفيد هذه الإستراتيجية من إلغاء «داعش» الحدود بين سورية والعراق، من خلال إنشاء كيان يمتد من الموصل إلى الرقة، بعد استبدال التنظيمات «المعتدلة» بالتنظيم الإرهابي. تنظيمات موالية للتحالف الأميركي، تتحكم بهذا الكيان الذي سيشكل منطقة عازلة، تتمتع بكل مقومات الدولة، مساحة وعدد سكان (منسجمين مذهبياً) وثروات طبيعية. وإذا لم يكن بالإمكان تشكيل هذا الكيان، فليكن هناك كيانان أو إقليمان، واحد سوري وآخر عراقي، مهمتهما عرقلة قرارات السلطتين المركزيتين في بغداد ودمشق. وإذا كان دستور بريمر يتيح تشكيل الأقاليم في العراق، على غرار إقليم كردستان، وهذا ما يطالب به المسؤولون في الأنبار ونينوى، فلا شيء يمنع من استنساخ هذا الدستور في سورية، طالما أن مصير النظام القائم مطروح بقوة في المؤتمرات الدولية التي تستثني السوريين من الحضور، في انتظار التوصل إلى اتفاق بين الدول الكبرى والصغرى لاستدعائهم إلى الإحتفال بانتهاء الحرب وتوقيع ما تم التوصل إليه.
هذه الخطة لم تعد سراً. بدأ تسريعها، بعد التدخل الروسي، وبعدما عرضت موسكو على بغداد الدخول في تحالفها. وخرقت المحرم، أي حاولت تكريس الخط الجيواستراتيجي الممتد عبر دول الإتحاد السوفياتي السابق إلى البحر المتوسط، مروراً بإيران وسورية. وفي هذا الإطار يمكن وضع إسقاط تركيا طائرة «السوخوي»، إذ أن انقرة لم تتخلّ عن دورها القديم في حراسة أوروبا والأطلسي من جهة الشرق. وفي هذا الإطار أيضاً يمكن وضع القرار الأميركي بالتدخل العسكري البري في سورية والعراق. أعلن ذلك وزير الخارجية جون كيري. وقدر وزير الدفاع أشتون كارتر عديد القوات المطلوبة بمئة ألف يتم تجنيدهم من «المعتدلين» والأكراد، واقترح أن تشارك مصر ودول عربية أخرى في هذا الجيش (كاميرون قدر العدد بـ70 ألفاً). أما مهمة العسكريين الأميركيين فقيادة هذه القوات والإشراف عليها. أي أن العرب سيقاتلون العرب وواشنطن تحصد النتائج. والنتائج واضحة، طرد «داعش» من الموصل والرقة، وتسليم المنطقة إلى «المعتدلين».
هل أصبح المسرح جاهزاً لهذا السيناريو؟ أغلب الظن أن ما ليس جاهزاً بعد ستتكفل الحروب المذهبية في جعله واقعاً مرسوماً بالدم، وبتخلف القائمين على الحروب في بلادنا، خصوصاً أولئك الذين يحاولون إحياء ماض لم يكن زاهراً ولا عظيماً، كما يتوهمون.
الحياة